الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الغسْل للمُحْرِم
الحدِيث الأَوّل:
[236]
: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المحْرِمُ رَأْسَهُ. [قَالَ](1): فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرنَيْنِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُكَ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، [فَطَأْطَأَهُ](2) حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ:"هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ"(3).
[وَفي](4) رِوَايَةٍ: فَقَالَ الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: "لا أُمَارِيكَ أَبَدًا"(5).
قولُه: "اختَلَفَا بالأبْوَاء": جملَة في محلّ خَبر "أنّ". و"البَاءُ" في قَوله "بالأبْوَاء" ظَرْفيّة بمَعنى "في".
قولُه: "فقَالَ ابنُ عبّاس": "الفَاءُ" سَبَبيّة.
وجملة "يغسِل [المحرم] (6) رأسَه" في محلّ معمُول القَول، وكذلك جملة: "لا
(1) سقط من النسخ. وقد شرح الشيخ ابن فرحون عليه. وهو ما في نُسَخ "العُمدة"(ط الثقافة، ص 166، ط المعارف، ص 119).
(2)
بالنسخ: "وطأطأه". والشّرح ونُسَخ العُمدة على المثبت.
(3)
رواه البخاري (1840) في جزاء الصيد، ومسلم (1205) في الحج.
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
رواه مسلم (1205)(92) في الحج.
(6)
سقط من النسخ.
يغسِلُ المحْرمُ رَأسَه". والمرادُ بهذا الغسْل: الغسْلُ الواجب.
قولُه: "قَالَ": فَاعِلُ "قَالَ" الثّالثة: ضمير "عبد اللَّه بن حنين".
و"إِلَى أَبِي أيُّوب" جَار ومجرور ومُضَاف إليه. وعَلامة الجر في "أَبِي": "الياء". وعلامة الجر في "أيّوب" الفَتْحَة؛ لأنه لا ينصرف؛ للعَلَمية والعُجمَة (1).
وقد جمعتُ ما ينصَرف مِن أسماء الأنبياء في بيتٍ (2)؛ فقُلتُ:
لتَصْرِف شُعَيْبًا ثُمّ نُوْحًا وَصَالِحًا
…
وَلُوطًا وَهُوْدًا وَالنّبِيّ مُحَمَّدا
قولُه: "فوَجَدتُه": معْطُوفٌ على "أرْسلَني"، وقَد تقَدّم الكَلامُ على "وَجَد" وأحْكَامها في الثّاني مِن "بَاب الاستطَابة".
قوله: "بين القَرْنين": "بين" ظَرْفٌ، تقَدّم الكَلامُ عليه في الثّالث مِن "باب السّواك". و"القَرْنين" يعني به:"قَرْنَي [البئر] (3) "، وهما بناء على جَانبيها (4).
قولُه: "فسَلّمتُ عَليه": أي: "فجِئتُه فسَلّمْتُ عليه"، فهو معْطُوفٌ على محذُوفٍ.
قولُه: "فقَالَ: مَن هَذا؟ ": "مَن" مُبتَدأ، استفهَاميّة، و"هَذا" خَبره، والجمْلَة معْمُولَة للقَول.
قولُه: "قُلتُ: أنا عبد اللَّه بن حُنَيْن": فيه حَذْفٌ، أي:"مَن هَذا الذي سَلّم؟ قُلتُ: أنا عبد اللَّه. . . ".
(1) انظر: البحر المحيط (4/ 576).
(2)
انظر: حاشية الصبان (3/ 376).
(3)
بالأصل: "البين". وفي (ب): "البيت".
(4)
انظر: إرشاد الساري (3/ 313)، الإعلام لابن الملقن (6/ 301)، النهاية لابن الأثير (4/ 52)، لسان العرب (13/ 332).
الجمَلُ المفتَتَحَة بالقَول إِذَا ترتّب بعضُها على بعْض في المعنى؛ فالأفْصَح أن لا يُؤتى فيها بحَرفٍ يُرَتِّب، اكتفاءً بالترتيب المعنوي. (1)
قال أَبُو حيّان: وقد جَاء في "الشُّعَراء" من ذلك عشرون مَوضعًا في قصة موسى عليه السلام بغير عَطْفٍ، إلَّا ثَلاثة جَاء منها اثثان جَوَابًا [وواحِدٌ](2) كالجَوَاب. ومثله في القُرآن كَثيرٌ. (3)
إِذَا ثبَت ذَلك: فقَد جَاء: "قُلتُ" -ولم يقُل: "فقُلْتُ"- على الوَجْه الأفْصَح، وإنْ لم يتَعَدّد القَول. وفي بَعْض النُّسَخ:"فقُلْتُ"(4) على الوَجْه الآخَر.
و"أنا عبد اللَّه" مُبتدأ وخَبر، في محلّ معْمُول القَول.
ولو قَالَ: "عبد اللَّه بن حُنَيْن" كَفى في الجوَاب عَن "أنا".
قولُه: "أرْسَلَني إليْك عَبدُ اللَّه بن عبّاس": تحتمل الجمْلَة أن تكُون خَبرًا بعْد الخبر، وتحتمل أنْ تكُون حِكَاية الحَال الماضية مُستأنَفَة، أي:"أنا أرسلني". وجملة "يَسْأَلُك" في محلّ الحَال مِن "عَبد الله"، بتقدير:"وهُو يسْأَلك"؛ لأنّ المضَارع إذَا لم تَصْحَبه "الوَاو" قُدِّر بجُمْلَة اسمية، ويكُون حَالًا مُقَدّرَة (5).
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 240)، إرشَاد السّارِي (1/ 335).
(2)
بالنسخ: "وَاحِدًا". والمثبت من "البحر المحيط".
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 240).
(4)
كذا وَرَد في صحيح البخاري (1840)، وصحيح مُسلم (1205/ 91)، والعُمدة (ط الثقافة، ص 166).
(5)
انظر: البحر المحيط (3/ 465)، عُقود الزَّبرجَد (2/ 432، 458)، الفصول المفيدة في الواو المزيدة (ص 155، 169، 170)، شرح التسهيل (2/ 359، 361)، شرح الأشموني (2/ 36)، شرح المفصل (2/ 24 وما بعدها، 30)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 719)، مُغني اللبيب (ص 789)، اللمحة (1/ 392، 397 وما بعدها)، الجنى الداني (164)، شرح الكافية الشافية (1/ 68)، شرح ابن عقيل =
قولُه: "كَيْف كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَغْسِل. . .؟ " جملة "يَغْسِلُ رَأسَه" في محلّ خَبر "كَان"، و"رَسُول اللَّه" اسمها.
و"كيف": هُنَا ظَرْف، والعَامِلُ فيها:"يَغْسِل". ويحتمل أنْ تكُون في مَوضِع حَال مِن فَاعِل "يَغْسِل"، أي:" [أمخَللًا] (1) يَغْسِل رَأسَه؟ ". ويحتمل أنْ [يُقَدّر](2) بمَصْدَر، أيْ:"أيُّ غسْل كَان رَسُولُ اللَّه يَغْسِل؟ ".
وجَاءَت "كيف" هُنا مُعَلّقة بـ "يَسْألك"، وتقَدّم الكَلامُ على "سَأل" في الحديثِ الثّاني عشر مِن "بَاب صِفَة صَلاة النبي صلى الله عليه وسلم".
والعَامِلُ في المصْدَر: "يَغْسِل".
وجملةُ "وهُو مُحْرِم" في محلّ الحَال مِن ضَمير الفَاعِل في "يَغْسِل".
قولُه: "فوَضَعَ أَبُو أيُّوب يَدَه على الثّوب": المجرورُ يتعَلّق بـ "وَضَعَ"، و"يَدَه" مفْعُولُ "وَضَعَ"، و"أَبُو أيّوب" الفَاعِل.
قولُه: "فطَاطَأه": معْطُوفٌ على "وَضَعَ". ومعنى "طَأطَأ": "خَفضه"، ومصْدَره:["تطَأطُؤًا"](3). (4)
والذي وَقَع فيه الاختلاف بين ابن عبّاس والمسْور خِلاف مَا فَعَله أبو أيوب
= (2/ 279)، الهمع (2/ 322)، النحو الوافي (2/ 398)، جامع الدروس العربية (3/ 103).
(1)
كذا بالأصل. وفي (ب): "أمحللًا".
(2)
كذا بالنسخ.
(3)
كتبت بالأصل: "تطاطيًا" وفوق الياء همزة. والوارد بالمعاجم: "طأطأة" و"تطأطُؤ". وهذا ما لم يكن المراد بالمصدر عند ابن فرحون أصل الفعل؛ فتكتب: "تَطَأْطَأَ".
(4)
انظر: الصحاح (1/ 60)، النهاية لابن الأثير (2/ 131)، (3/ 110)، لسان العرب (1/ 113)، شمس العلوم (7/ 4054).
مِن صِفَة غسل الرّأس، وهو مُطابقٌ للسّؤَال، إلَّا أن يكُون المراد بقوله "يَغْسِل المحْرِم رَأسه":"غَسل مُبَالَغَة أم لا؟ ". (1)
قولُه: "حَتّى بَدَا لي رَأسه": "حَتّى" حَرْفُ ابتِدَاء، وقَد تقَدّمَت في الحديثِ الثّاني مِن أوّل الكتاب.
قولُه: "ثُمَّ قَالَ": معْطُوفٌ على ["فطَأْطَأَه"](2).
قولُه: "لإنسَان": "اللام" في قَوله "لإنسَان" تُسَمّى "لام التبليغ". وجملة "يَصُبّ عَليه" صِفَة لـ "إنسَان"، وجملة "اصْبُب" معْمُولَة للقَول.
قولُه: "فصَبّ على رَأسِه": أي "الماءَ"، فالمفْعُولُ محذُوفٌ.
قولُه: "ثُمّ [حَرّك رَأسَه] (3) بيَدَيه": "البَاء" للاستعَانَة (4)، وفَاعِلُ "حَرّكَ": ضَميرُ "أَبِي أيّوب"، و"رَأسَه" مفعُول، و"بيَدَيه" يتعَلّق بـ "حَرّك".
قولُه: "فأقْبَل بهما وأدْبَر": أي: "أقْبَل بيَدَيه وأدْبَر بهما إِلَى مُؤَخّر الرّأس"، وهو مَا فَوق "القَفَا". ويحتمل أنْ يُقْبِل بهما مِن المؤَخِّر إِلَى المقَدم، ثُم يَرُدّهما إليه. (5)
قولُه: "ثُمّ قَالَ: هَكَذا": "الهَاء" للتنبيه، و"الكَاف" جَارّة، و ["ذَا"](6) اسم
(1) راجع: إرشاد الساري للقسطلاني (3/ 313)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 193)، شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 336).
(2)
بالنسخ: "وطَأطَأه".
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
انظر: أوضح المسالك (3/ 31 وما بعدها)، مغني اللبيب (ص 137 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 88 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 646 وما بعدها)، الهمع للسيوطي (2/ 417 وما بعدها).
(5)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (1/ 37)، المسالِك في شرح مُوطَّأ مالك (2/ 21)، نيل الأوطار للشوكاني (1/ 196، 199)، مجمع بحار الأنوار (4/ 204).
(6)
بالنسخ: "إذا".
إشارة مجرورة بـ "الكَاف"(1). أو تكُون "الكَاف" اسمًا مُقَدّرًا بنَعْت لمصْدَر محْذُوف، و ["ذَا"](2) مجرورٌ بالإضَافَة، والتَقْدير:"فِعْلَا مثل ذَا رَأيتُ النّبي صلى الله عليه وسلم". وأحْسَنُها أنْ تكُون "الكَافُ" مفْعُولًا بفِعْل مُتقَدّم عَليه، أي:"مثل ذَا رَأيتُ النّبي صلى الله عليه وسلم يفْعَل"، أي:"يفْعَل مثل هَذا".
والضّميرُ في "رَأيتِه" ضَمير "النّبي صلى الله عليه وسلم"، وفَسّرَه بقَوله:"صلى الله عليه وسلم". وجملةُ "يَفْعَل" في محلّ الحَال مِن ضَمير المفْعُول في "رَأيتُه".
قولُه: "وفي رِوَايةٍ": يتعَلّق بمَحْذُوف، أي:"وَجَاءَ في رِوَايةٍ"، [أو:"رُوِي"] (3)، وعَليهما تكُون الجمْلَة بعد المجْرور في محلّ الفَاعِل لـ "جَاء"، أو في محلّ مفْعُول لم يُسَمّ فَاعِله.
وجملة "لا أُمَارِيك" معمُولة للقَول. ويحتمل أنْ تكُون جَوابًا لقَسَم محذُوف، أي:"واللَّه لا أمَارِيك".
و"أبَدًا" ظَرْفُ زَمَان، وَيأتي الكَلامُ عَليها في الثّاني عَشر مِن "كتاب النِّكَاح". وجمعُ "أبَدًا":"آبَاد"(4).
* * *
(1) انظر: المقتضب للمبرد (4/ 140، 350)، الجنى الداني (ص 79، 89)، الأصول في النحو لابن السراج (1/ 437)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 624)، جامع الدروس العربية (3/ 181، 268).
(2)
بالنسخ: "إذا".
(3)
سقط من النسخ. ويُؤكّده قوله بعدها: "وعليهما". وقد سبق نظيره مرارًا.
(4)
انظر: الصّحاح (2/ 439)، المصباح المنير (1/ 1).