الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
[الحديث الأوّل](1):
[168]
: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ: "إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ. وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ"(2).
قوله: "ستأتي قومًا": فعل مستقبل، و"قومًا" مفعول به، و"السين" للاستقبال، ولها صدر الكلام، فلا يحسن أن تقول:"قومًا ستأتي"؛ لأنها من حروف المعاني الداخلة على الجمل، ومعناها في نفس المتكلم، فكان لها الصدر، كحروف الاستفهام والنفي والتمني.
قال السهيلي: وكذلك قَبُحَ: " [زيدًا] (3) سأضرب"، و"زيد سيقوم"، مع أنَّ الخبر عن "زيد" إنما هو بالفعل لا بالمعنى الذي دلت عليه "السين"، فإن ذلك المعنى مستند للمتكلم لا إلى زيد (4).
قوله: "أهل كتاب": نعتٌ لـ "قوم" أو بدل منه.
(1) سقط من النسخ.
(2)
رواه البخاري (4347) في المغازي.
(3)
بالنسخ: "زيد"، والمثبت من نتائج الفكر (ص 94).
(4)
انظر: نتائج الفكر (ص 93، 94).
وتقَدّم أن "أهل" تجمع على "أَهْلات" و"أَهَلات"(1) و"أهال"(2).
قلت: وجُمع على "أهلون" رفعًا و"أهلين" نصبًا وجرًا، مع أنه ليس بعَلَمٍ ولا صفة (3)، وكذلك ["آلون"](4).
وتقدّم الكلام على "إذا" وفعلها وجوابها في الحديث الثاني من أوّل الكتاب.
وجملة "جئتهم": في محل جر بالإضافة إلى "إذا" إنْ قدَّرْتَ "إذا" غير عاملة، وإنْ قَدَّرْتها عاملة فهي في محل جزم بها، و"إذا" في محل نصب بفعلها، وجواب "إذا":"فادعُهم".
و"إلى أن يشهدوا" جار ومجرور، وعَمِلَ حرْفُ الجرِّ في محل أنْ مع الفعل؛ لأن المجرور مقدَّر بمصدر، أيْ:"إلى شهادة".
و"يشهدوا" منصوب بـ "أنْ"، وعلامة النصب حذفُ "النون"؛ لأنه اتصل به ضمير جماعة المذكَّرين العاقلين.
قوله: "أنْ لا إلَه إِلَّا الله": "أنْ" هذه يُحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة، أي:"إلى شهادة أنَّه لا إله إلا الله"، فـ "لا إله إلا الله" في محل خبر "أنَّ"، و"أنَّ" هنا في محل جر بالإضافة، وعطف عليه "وأن محمدًا رسول الله"، الضمير المقدَّر مع "أنَّ" هو ضمير الشأن.
(1) انظر: الكتاب (3/ 600)، وقيل: إن "أهْلات وأهَلات" جمع "أهلة". انظر: شرح المفصل (3/ 262، 263).
(2)
وهذا على غير قياس. انظر: شرح المفصل (3/ 326)، وشرح شافية ابن الحاجب (1/ 482، 2/ 206).
(3)
انظر: متن قطر الندى (ص 6)، وشرح ابن عقيل (1/ 63، 62).
(4)
بالنسخ: "أيلون". والمثبت من البحر المحيط لأبي حيان (1/ 304)، وتفسير القرطبي (1/ 383).
ويحتمل أن تكون "أنْ" هنا المفسِّرة؛ لأنَّ شروطها كلَّها موجودةٌ، وأنكر الكوفيون "أنْ" المفسِّرة، والجمهور على خلافه.
فمِنْ شروطها: أن تُسبَق بجملة، ولذلك امتنع أن تكون في قوله تعالى:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [يونس: 10] مفسِّرة (1).
الشرط الثاني: أن تتأخر بعدها جملة، وكذلك وقع هنا.
الشرط الثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول لا حروفه، وهذا موجود هنا؛ لأن المراد:"فادعهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله".
فـ "يشهدوا" بمعنى: "يقولوا"، وبيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله:"أمِرْت أنْ أقَاتِل النّاسَ حَتّى يقُولُوا: لَا إله إلَّا الله"(2).
قالوا: ومنه قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص: 6] لأنه ليس المراد بالانطلاق هنا المشي، بل "الانطلاق في القول"، فلا يقال:"قلت له أن افعل"(3).
قال ابن هشام: وفي شرح الجمل الصّغير لابن عصفور أنها قد تكون [مفسِّرة](4) بعد صريح القول (5).
الشّرط الرابع: أن لا يدخل عليها جارٌّ، فلو قلت:"كتبت إليه بأن افعل"، كانت مصدرية.
(1) انظر: شرح التسهيل (4/ 52)، وإعراب القرآن وبيانه (3/ 58).
(2)
متفق عليه: رواه البخاري برقم (392)، ومسلم برقم (32/ 20).
(3)
انظر: شرح المفصل (5/ 83، 84)، وحاشية الصبان (3/ 418).
(4)
سقط بالنسخ. والمثبت من مغني اللبيب (ص 48).
(5)
انظر: مغني اللبيب (ص 48، 49).
وتقدّم الكلام على "أنْ" المخففة في الثاني من "باب الصفوف". وإعراب "لا إله إلا الله" تقدَّم في الحديث الأوّل من "باب التيمم".
قوله: "وأن محمدًا رسول الله": معطوف، أي:"ويشهدوا أنَّ محمدًا رسول الله".
قوله: "فإن هم أطاعوا لك بذلك": "إنْ" حرف شرط، و"هم" فاعل بفعل مقدَّرٍ يفسره ما بعده، والتقدير:"فإن أطاعوا"، فحذف الفعل وبقي ضمير الفاعل المتصل [منفصلًا](1)، فالفعل الموجود يفسر المحذوف، وعلى هذا مذهب البصريين في أن الشرط لا يليه إلا الفعل.
وأجاز الكوفيون والأخفش وقوع الابتداء بعد الشرط، نحو:"إذا زيدٌ مكرمُك فأكرمْهُ"(2).
وعلى هذا: يكون "هم" مبتدأ، والخبر الجملة، فيكون للجُملة محلّ من الإعراب، وعلى الأوّل لا يكون لها محلّ من الإعراب.
وتعدَّى "أطاع" باللام تقوية، وإلا فهو يتعدّى بنفسه، تقول:"أطاع لك زيد"، و"أطاعك زيد"(3).
قوله: "بذلك": "الباء" سببية، أي:"بسبب ذلك"، أو تكون بمعنى "عَلَى"، أي:"على ذلك"، ويكون مثل قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} [آل عمران: 75] أي: "على قنطار"(4)، ويحتمل أن تكون بمعنى "في".
قوله: "فأخبرهم أن الله": في محل نصب أو جرِّ، بتقدير حرف الجر، أي:
(1) بالنسخ: "منفصل".
(2)
انظر: البحر المحيط (10/ 414)، والكشاف (4/ 707)، وفتح البيان في مقاصد القرآن (15/ 93)، وشرح ابن عقيل (2/ 132 - 134).
(3)
انظر: تاج العروس (21/ 461).
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 652).
"أخبرهم بأن الله".
و"أخبر" من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة، وتقدّم الكلام عليها وعملها في الخامس من "فضل الجماعة". ويُحتمل أن تكون "أنَّ" هنا سدَّت مسدَّ معمول "أخبر"، ولذلك فُتِحت.
وقوله: "قد فرض": جملة في محل خبر "أنَّ".
قوله: "خمس صلوات": مفعول "فرض".
قوله: "في كل يوم وليلة": يتعلق بصفة لـ "صلوات"، أي:"كائنات في كلِّ"، أو يتعلق بـ "فَرَض"، وفيه بُعد؛ لأن فَرْضَ الله قديمٌ، إلا أن يُصرَف إلى الوجود.
قوله: "فإن هم أطاعوا لك": تقدم مثلُه قريبًا.
قوله: "تؤخذ": فعل مضارع مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعلُه، في محل صفة لـ "صدقةً".
قوله: "من أغنيائهم": "مِنْ" هنا للتبعيض.
قوله: "فتردّ على فقرائهم": مثل "تؤخذ"، لكنه مضاعف، والمفعول القائم مقام الفاعل فيهما مستتر، يعود على الصدقة، والضمير المجرور في قوله:"أغنيائهم" يعود على "القوم".
قوله: "إياك وكرائم أموالهم": هذا تحذير.
قال ابن الحاجب: وهو معمول بتقدير: "اتَّقِ" تحذيرًا مما بعده. (1)
والتقدير هنا: "اتق نفسك أن تتعرض لكرائم أموالهم"، أي:"باعد نفسك منها، وباعدها منك"، ثم حذف الفعل وفاعله، ثم المضاف وهو النفس بحذف موجبه وهو الفعل، فصار الضمير منفصلًا لعدم ما يتصل به.
(1) انظر: الكافية في علم النحو (ص 22).
ويقدّر الفعل الذي هو "اتق" مؤخرًا لئلا يصير: "اتَّقِك"، فيجتمع ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد، وذلك لا يجوز إلَّا في أفعال القلوب، فيكون التقدير:"إياك وكرائم أموالهم اتق"، فـ "كرائم" معطوف على "إياك".
قالوا: وشذّ من ذلك قول عمر رضي الله عنه، وقد عنَّ له أرنب وهو مُحْرِم، وأصحابه مُحْرمون:"إيّاي وأَنْ يحْذفَ أحَدُكم الأَرْنَبَ"، لأنَّ ضمير المتكلم لا يكون تحذيرًا، فهو شذوذ، كما شذ قولهُم:"إذا بلغ الرجل الستين فإيَّاه وإيَّا الشوابّ"، فحذَّر بضمير الغائب، وذلك قليل لا يجوز (1).
قالوا: وفي هذا المثال شذوذ آخر، وهو إقامة الضمير مقام [الظاهر](2) والإضافة إليه (3).
قوله: "واتق دعوة المظلوم": هذا يدل على تقدير "اتق" في الجملة الأولى، و"المظلوم" اسم مفعول، والألف واللام فيه موصولة.
قوله: "فإنه"" لو قال: "فإنها ليس بينها" بالتأنيث عادت الضمائر على الدعوة المؤنثة، وجرَى على الأصل، ولما جاء هنا مذكرًا حُمل على أنه ضمير الأمر والحديث، أي: "فإن الأمر والشأن".
تقدم الكلام على "ليس" في الحديث الأول من "الحيض"، وتقدم الكلام على ضمير الأمر والشأن في الرابع من أوّل الكتاب، وفي السادس من "باب القراءة في الصلاة".
قوله: "ليس بينها وبين الله" الجملة في محل خبر "إنَّ"، وتقدم الكلام على "بين"
(1) انظر: شرح المفصل (1/ 391)، وشرح الأشموني (3/ 87)، وحاشية الصبان (3/ 283، 284)، وأوضح المسالك (4/ 72)، وشرح الكافية (3/ 1378).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: أوضح المسالك (4/ 72)، وشرح التصريح (2/ 276، 277).