الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"للمُحْرِم"، وهو مُتعلّق بمَحْذُوف، أي:"قَال ذلك للمُحْرم"؛ لأنّه لم يُبين في أوّل الحديث وأطْلق. ويحتمل أنْ يتعلّق بما في "يخطُب" مِن مَعنى القَوْل، كَأنّه قَالَ:"بعَرَفة للمُحْرم". والله أعلم.
الحديث الثالث:
[213]
: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ، لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ".
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: "لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ". (1)
انظُر كيف أدْخَل الشّيخ هَذا الحديث والذّي بعده في "باب ما يلبسه المحرم"، وليسا من اللباس في شيء؛ ولعلّ أصلَ التبويب:"باب ما يلبسه المحرم وغيره"، ثم أسقط:"غيره"؛ لما يحصل بها من اللبس من غير المحرم.
قال الشّيخُ تقيّ الدِّين: "التلبية": "الإجابة". (2)
وقيل في معنى "لبيك": " [أُجيبك إجابة] (3)، ولُزومًا لطاعتك". وثُنّي للتأكيد. واختلف أهْلُ اللغة في أنّه تثنية أم لا؟ فمنهم مَن قَال إنّه اسمٌ مُفرَد، لا مُثنى، ومنهم مَن قَال إنّه مُثنى. (4)
وقيل: إنّ "لبيك" مأخُوذٌ من "أَلَبّ بالمكان"، و"لَبّ"، إذا أقام به، أي:"أنا مُقيم على طاعتك". وقيل: مأخُوذ من "لُباب الشيء"، وهو "خالصه"، أي:
(1) رواه البخاري (1549) في الحج، ومسلم (1184) في الحج.
(2)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 53).
(3)
كذا بالأصل. وفي "إحكام الأحكام"(2/ 53): "إجابة بعد إجابة".
(4)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 53، 54).
"إخلاصي لك". (1)
ومذهبُ يونس أنه مُفرَد، وأنّ ألِفَه انقلبت "يَاء" لأَجْل الإضافة إلى المضمَر، مثل:"لديك" و"عليك". ورُدّ عليه ذلك. (2)
إذا ثبت ذلك: فـ "لبيك" منْصُوبٌ على المصْدَريّة، واجب حَذْف عَامله. (3) والمصَادرُ التي يجب حَذْف عَامِلها منها سَماعي، ومنها قياسي، وهي مذْكُورة في كُتب العَربية.
قوله: "إنّ الحمدَ والنعمة لك": يُروَى بفتح الهمزة وكسرها، والكسر أجْوَد؛ لأنه يقتضي أنْ تكُون الإجَابة مُطلَقَة غَير مُعلَّلة، وأنّ الحمد والنعمة لله على كُلّ حَال، والفَتْحُ يدلّ على التعليل. (4)
قوله: "والنِّعمة لك": الأشهَرُ فيه الفتح، بالعَطْف على "الحمْد". ويجوز فيه الرّفع على الابتداء. (5)
وخبرُ "إنّ" محذوفٌ (6)، ويجوز عَطْفه على محلّ الحمد عند مَن يجيز ذلك، وتكُون "لك" في محلّ خَبر "إنّ"، [وسيأتي](7).
و"سَعْدَيك" كـ "لبيك"، قيل: معناه: "مُساعدة لطاعتك بعد مُساعدة". وقيل:
(1) انظر: إحكام الأحكام (2/ 54).
(2)
انظر: عقود الزبرجد (2/ 46، 48)، الكتاب (1/ 351)، شرح التسهيل (1/ 147)، (2/ 186)، شرح المفصل (1/ 292 وما بعدها)، الهمع (2/ 112)، الصحاح (6/ 2479)، لسان العرب (1/ 731)، (15/ 238).
(3)
انظر: عقود الزبرجد (2/ 46)، شرح التسهيل (2/ 186).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 54).
(5)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 54).
(6)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 54).
(7)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
التقدير: "أسْعِدني إسْعَادًا بعد إسْعَاد". (1)
قوله: "والرّغباء إليك": مُبتدأ وخَبر، أي:"الرّغبة كَائنة إليك". وهو بسُكون "الغَين". وفيه وَجْهَان: ضَمّ "الرّاء" والقَصْر، وفتح "الرّاء" والمدّ، كـ "النُّعْمَى" و"النَّعْمَاء". (2)
قوله: "والعَمَل": معطُوفٌ على "الرّغباء"، التقدير:"والعَمَل لك"، [أو تُقَدّر] (3):"والعَمَلُ مَصْروفٌ إليك"، أي:"إليك القَصْد به". (4)
قوله: "والخير بيديك": مِن باب أدَب الخطاب؛ لأنّ الكُلّ بيده، مِن الخير والشر، وإنما خَصّ الخير - كقَوله في الدّعَاء:"وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ"(5) - أدبًا في سُؤَال الباري. ومنه في المعنى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] بعْد قَوله: {يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79]. (6)
قوله: "لبيك. . . إلى آخِر الكَلام": في محلّ خَبر "أنّ" على الحكاية.
وجملة "يزيد" في محلّ خبر "كان". و"لبيك - من زيادة عبد الله بن عُمر رضي الله عنه. . . إلى آخِره" في محلّ مفعُول لـ "يزيد".
وتقَدّم الكَلامُ على "اللهم" في الحديث الأوّل من "الاستطابة".
(1) انظر: عمدة القاري (2/ 206)، إحكام الأحكام (2/ 54)، الإعلام لابن الملقن (6/ 62)، لسان العرب (3/ 214).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 54).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 54).
(5)
صحيحٌ: مُسلم (771/ 201)، من حديث علي.
(6)
انظر: عمدة القاري للعيني (20/ 4)، إحكام الأحكام (2/ 54)، مرعاة المفاتيح (8/ 476)، النهاية لابن الأثير (2/ 458)، مجمع بحار الأنوار (2/ 131)، نتائج الفكر في النَّحو (ص 237).
ويجوزُ الوَقْفُ على "لبيك اللهم"، وتبتدئ:"لبيك لبيك لا شريك لك"، أو تبتدئ:"لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك".
ولك أن تبتدئ: "والنعمةُ لك" بالرّفع، ويكون خبر "إنّ" محذوفًا يُفسّره خَبر المبتدأ، ولك أنْ [تجعله](1) معطُوفًا على محلّ ["النعمة"، أي](2) كقوله:
. . . . . . . . . . . .
…
وَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ (3)
وأجَاز بعضهم أنْ تكُون "إنّ" بمعنى "نَعَم"(4)، "الحمدُ والنعمةُ" مبتدأ ومعطوفٌ عليه، والخبرُ في "لك". وتقَدّم الكَلامُ على مِثْل قَوْله:"لا شَريكَ لك" في الأوّل مِن "التيمّم".
قوله: " [قَالَ] (5) ": فَاعِله ضَميرُ الرّاوي للحَديث عن عبد الله بن عُمر، ولم يتقَدّم له ذِكْر، وهو مما يُستدْرَك على الشّيخ صاحب "العُمدة"، وله من ذلك في الكتابِ مَواضِع نبّهت عَليها.
(1) غير واضحة بالأصل.
(2)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "إن".
(3)
عجز بيت من الطويل، وهو لضابئ بن الْحَارِث التَّمِيمِي البرجمي. وصدره:"وَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله"، أو:"كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي بَرِّيًّا". والشاهد فيه: أَن قيار مبتدأ حذف خَبره، والجملة اعتراضية بَين اسْم إن وخبرها، والتقدير:"فَإِنِّي وقيار بهَا كذلك لغريب". انظر: البحر المحيط لأبي حيان (7/ 112)، تفسير الرازي (16/ 38)، شرح النووي على مسلم (8/ 88)، خزانة الأدب (9/ 324 وما بعدها)، (10/ 312)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 213)، مغني اللبيب (617، 618)، شرح المفصل لابن يعيش (1/ 236)، شرح الأشموني (1/ 313 وما بعدها)، لسان العرب (5/ 125).
(4)
انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 33)، مغني اللبيب (ص 57)، الجنى الداني (ص 398، 399).
(5)
بالنسخ: "وقال".
قوله: "والخير بيديك": ثَنّى "اليَد" هُنا، كَما ثُنيت في قوله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64](1)، وهو مُؤوّل، إمّا بمعنى القوّة وشدّة البطش، أو عبارة
(1) قال ابنُ عبد البر: "والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام. . . فليقل قائل بما قال الله، ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره، ولا يقل: كيف؟ فإن في ذلك الهلاك؛ لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل، ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره. . . من نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر المهاجرين والأنصار وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجًا علم أنّ الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين. . . ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا وفي الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازمًا ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك من عملهم مشهورًا أو من أخلاقهم معروفًا لاستفاض عنهم ولشهروا به كما شهروا بالقرآن والروايات. . . لا يقولون: كيف يجيء؟ وكيف يتجلى؟ وكيف ينزل؟ ولا من أين جاء؟ ولا من أين تجلى؟ ولا من أين ينزل؟ لأنه ليس كشيء من خلقه، وتعالى عن الأشياء، ولا شريك له".
انظر: التمهيد (7/ 151 وما بعدها).
ويقول ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (2/ 222 وما بعدها، 598): "ثم المثبتون للصفات منهم من يثبت الصفات المعلومة بالسمع، كما يثبت الصفات المعلومة بالعقل، وهذا قول أهل السنة الخاصة - أهل الحديث ومن وافقهم - وهو قول أئمة الفقهاء، وقول أئمة الكلام من أهل الإثبات، كأبي محمد بن كلاب وأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الطبري والقاضي أبي بكر بن الباقلاني، ولم يختلف في ذلك قول الأشعري وقدماء أئمة أصحابه. لكن المتأخرون من أتباعه - كأبي المعالي وغيره - لا يثبتون إلا الصفات العقلية، وأما الخبرية - كالوجه واليدين والاستواء - فمنهم من ينفيها، ومنهم من يتوقف فيها، كالرازي والآمدي وغيرهما. ونُفاة الصفات الخبرية منهم من يتأوّل نصوصها، ومنهم مَن يفوض معناها إلى الله.
وأمّا مَن أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه، فهؤلاء يقولون: تأويلها بما يقتضي نفيها =
عن جَريان الخير بعَظيم قُدْرَته التي تجري على يَد مخلوقاته، فأيدي المخلوقات كلها مخلوقة لله تعالى. (1)
ومذهبُ أهل السّنة وجمهور الأشعريين أنّ اليد إذا ذُكرت في صفات الله ليست بصِفَة ذات. (2)
وقال الشّيخ أبو الحسَن والقاضي: هي صفة ذات. (3)
= تأويل باطل، فلا يكتفون بالتفويض، بل يبطلون تأويلات النفاة. وقد ذكر الأشعري ذلك في عامة كتبه. . . ولم يختلف في ذلك كلامه، لكن طائفة ممن توافقه وممن تخالفه يحكون له قولًا آخر، أو تقول: أظهَر غير ما أبطن، وكتبه تدل على بطلان هذين الظنين.
وأما القول الثالث - وهو القول الثابت عن أئمة السنة المحضة، كالإمام أحمد وذويه - فلا يطلقون لفظ الجسم، لا نفيًا ولا إثباتًا لوجهين، أحدهما: أنه ليس مأثورًا لا في كتاب ولا سنة، ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا غيرهم من أئمة المسلمين، فصار من البدع المذمومة. الثاني: أن معناه يدخُل فيه حق وباطل. . .". وفي موضع آخر من المنهاج (2/ 328) يقول: "وكثير من متأخري أصحاب الأشعري أنكروا أن يكون الله فوق العرش أو في السماء، وهؤلاء الذين ينفون الصفات الخبرية، كأبي المعالي وأتباعه، فإنّ الأشعري وأئمة أصحابه يُثبتون الصفات الخبرية".
(1)
انظر: الكشاف (1/ 654)، تفسير الماتريدي (3/ 551، 552)، تفسير ابن عطية (2/ 215، 216)، البحر المحيط (4/ 315)، المنتقى للباجي (7/ 202).
(2)
انظر: تفسير الماتريدي (3/ 551، 552)، البحر المحيط (4/ 315)، حاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف للزمخشري)، لابن المنير، طبعت مع تفسير الزمخشري (4/ 106)، المنتقى للباجي (7/ 202).
(3)
انظر: حاشية ابن المنير على تفسير الزمخشري (4/ 106)، تفسير ابن عطية (2/ 215)، البحر المحيط (4/ 316)، منهاج السنة النبوية (2/ 328).
وفي البحر المحيط (4/ 316): "وقال قوم، منهم القاضي أبو بكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات، ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تجديد. وقال قوم، =