الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حُرْمَة مَكّة
الحديثُ الأوّل:
[216]
: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ - خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو- الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثَكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ؛ فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلا يَعْضِدَ بِهَا [شَجَرًا] (1). فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ [أَذِنَ] (2) لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ؛ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلا فَارًّا بِدَمٍ، وَلا فَارًّا بِخَرْبَةٍ". (3)
"الخَرَبَة": بـ "الخَاء" المعْجَمَة و"الرّاء" المهْمَلَة (4)، قيل:"الخيانَة"، وقيل:"البَليَّة"، وقيل:"التُّهْمَة". [وأصْلُها (5) في "سَرقَة الإبل". (6)
(1) كذا بالنسخ. وقد وَرَد المثبت بـ "صحيح البخاري"(4295). وفي أكثر نُسخ "العُمدة" والروايات: "شجرة".
(2)
في بعض نُسَخ "العُمدة": "قد أذن".
(3)
رواه البخاري (104) في العلم، ومسلم (1354) في الحج.
(4)
مفتوحة أو ساكنة. وانظر: لسان العرب (1/ 348).
(5)
ما بين القوسين لنهاية قول الشاعر من ضمن متن عمدة الأحكام في طبعة مكتبة المعارف، (ص 112).
(6)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 59)، الصحاح للجوهري (1/ 119)، لسان العرب لابن منظور (1/ 348).
قَالَ الشّاعِر:
وَالخَارِبُ اللِّصُ يُحِبُّ الخَارِبَا]
…
. . . . . . . . . (1)
قَوْله: "خُوَيلد": بَدَلٌ مِن "أبي شُرَيح"، ويجُوز فيه الضّم والفَتْح. و"الخزَاعِي" نَعْتٌ لـ "أبي شُرَيح"، و"العَدَوِيّ" نَعْتٌ ثَان.
قوله: "أنّه قَالَ": بفَتْح "الهمْزة"؛ لكَوْنِه مَعْمُولًا لمتعلّق حَرْف الجرّ، والضّميرُ في "أنّه" يعُود على "أبي شُرَيح"، وكذَلك فَاعِل "قَال"، و"لعَمرو" يتعلّق بـ "قَالَ"، و"ابن سَعيد" صِفَة لـ "عَمرو"، و"ابن العَاص" صِفَة لـ "سَعيد"، و"العَاص" فيه إثباتُ "الياء" وحذفها، وفي حَذْفها يكُون إعْرابه [بحِكَاية](2) الإعراب.
قوله: "وهُو يَبْعَث البعُوثَ": ضميرُ "هُو" يعُود على "عمرو"، والجملةُ في محلّ الحَال مِن "عَمرو". و"إلى مَكّة": يتعَلّق بـ "يَبْعَث".
قال في "الصّحَاح": "بعثه" و"ابتعثه" بمعنى، أي:"أرسله"، "فانبعث". وقولهم:"كُنتُ في بَعْث فُلان" أي: "في جيشه الذي بُعِث معه". و"البعوث": "الجيوش". (3)
قوله: "إئْذِن لِي": هُو أَمْرٌ مِن "أَذِن"، "يأذَن". ويجوز أن يقُول في الابتداء:
(1) هو بلا نسبة، وفيه يقول الراجز:
وَالخَارِبُ اللِّصُّ يُحِبُّ الخَارِبَا
…
وَتِلْكَ قُرْبَى مِثْلَ أَنْ تُنَاسِبَا
أَنْ تُشْبِهُ الضَّرَائِبُ الضَّرَائِبَا
ورواه في "إحكام الأحكام" بتقديم: "وتلك قربي. . . أن تشبه. . ." على قوله: "والخارب اللص. . .". و"الضرائبُ": جمعُ ضريبة، وهي السّجية والطبيعة. انظر: إحكام الأحكام (2/ 59)، غريب الحديث للخطابي (2/ 266)، الكَامل للمبرد (3/ 33، وبالهامش).
(2)
"الباء" غير واضحة بالأصل. ولعلها: "كحكاية". وفي (ب): "حكاية".
(3)
انظر: الصّحاح (1/ 273).
"إاْذَن لي" بهمزتين، الثّانية "فاء" الكلمة، والأولى "همزة" الوصل المجتلبة في الأمر عند النطق بالسّاكن؛ لأنّه مختصَر مِن "أذِن"، "يأذَن". ولك أنْ تُبْدل "الهمزَة" الثّانية - وهي "فَاء" الكَلمة - "يَاء"؛ فتقُول:"إيذن لفُلان"، وإنما قلبتها لانكسَار "الهمزة" قبلها. (1)
قال النّحاس: "أذِن" إذا دَخَل عَليها "الواو" أو "الفَاء"؛ فهجاؤها في الخط: "ألف وذال ونُون" بغير "ياء"، وأمّا إذا دَخَل عليها "ثُم" فهجاؤها في الخط:"ألف وَياء وذَال ونُون". والفَرْقُ: أنّ "ثُم" يُوقَف عليها ويُنْفَصَل، [بخِلافهما](2). (3)
و"لِي": يتعَلّق بـ "إئذن".
قوله: "أيّها الأمير": مُنَادَى محذُوف حَرْف النّداء، وذَلك سَائغٌ، إلّا مَع اسم الجنس والإشارة والمندوب واسم الله تعالى.
(1) انظر: إرشاد السّاري (3/ 304)، الإعلام لابن الملقن (6/ 105)، المفتاح في الصرف للجرجاني (ص 80)، الهمع (3/ 509)، شرح ابن كمال باشا على مراح الأرواح (ص 99)، حركة حروف المضارعة، بحث لعبد الله بن ناصر القرني، نشرته: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، (العدد 119/ 470).
(2)
بالنسخ: "بخلافها". والصواب المثبت.
(3)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (5/ 431)، اللباب لابن عادل (10/ 110)، الدر المصون للسمين (6/ 62).
قال في الدر المصون (6/ 62): "يعني أنه إذا دخلت واوُ العطف أو فاؤه على هذه اللفظةِ اشتدَّ اتصالهُما بها، فلم يُعْتَدَّ بهمزة الوصْل المحذوفة دَرْجًا، فلم يُرْسَم لها صورةٌ، فتكتب (فَأْذَنْ، وَأْذَنْ)، فهَذه الألفُ مِنْ صورةِ الهمزة التي هي فاءُ الكلمة. وإذا دخلت عليها (ثم) كُتِبَتْ كذا: {ثُمَّ ائْتُوا}، فاعتدُّوا بهمزة الوصل، فرسموا لها صورة. قُلتُ: وكأنَّ هذا الحكمَ الذي ذَكره مع (ثم) يختصُّ بهذه اللفظة، وإلا فغيرُها مما فاؤُه همزةٌ تسقط صورة همزة وصلِه خَطًّا، فيُكتب الأمرُ من الإِتيان مع (ثم) هكذا: (ثم أْتُوا)، وكان القياسُ على (ثمَّ ائْذَنْ): (ثم ائتوا)، وفيه نظر".
قَال في "التسهيل": ولا يلزم حَرْف النّداء إلا مع الله، والمضمر، والمستغَاث، والمتعجَّب منه، والمندوب. ويقِلّ حَذْفه مع اسم الإشارة، واسم الجنس المبني للنّداء. (1)
ولك أنْ تقُول: لا يحذَفُ حَرفُ النّداء إلّا في أرْبَعة مَواضِع: -
1 -
العَلَم، نحْو:{يُوسُفُ أَعْرِضْ} [يوسف: 29].
2 -
والمضَاف، نحْو:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286].
3 -
و"أي"، نحْو:"أيها الرّجُل".
4 -
و"مَن"، نحْو:"مَن لا يزَالُ مُحسِنًا أحْسِن إليّ". (2)
قوله: "أيها": "أيّ" مُنَادَى، و"أيها" صِلة وتنبيه. وتقَدّمت أقسَام "أيّ" في الحديث الأوّل من "كتاب الصّلَاة".
و"الأَمِير": نَعْتٌ لـ "أيّ"، لَازم الرّفْع عند الأكثرين، وأجَاز المازِنيّ فيه النصب. (3)
قوله: "أنْ أُحَدّثك": أيْ: "في أنْ أُحَدّثك"، أو:"بأنْ أُحَدّثك". وحَذْفُ حَرف الجر مَع "أنْ" كثير. ومحلّ "أنْ" بعد الحذف يجري فيه الخلاف المشهور مِن النّصب والجر. (4)
(1) انظر: التسهيل (ص 179)، شرح التسهيل (3/ 385).
(2)
انظر: المفصل للزمخشري (ص 68)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 1058)، شرح الأشموني (3/ 17)، جامع الدروس العربية (3/ 156).
(3)
انظر: شرح المفصل (1/ 329، 341)، شرح الأشموني (3/ 34)، شرح التسهيل لابن مالك (3/ 401، 402).
(4)
انظر: شرح التسهيل (2/ 150)، شرح الكافية الشافية (2/ 632 وما بعدها)، شرح الأشموني (1/ 443)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 625).
قوله: "أُحَدّثك": تقَدّم الكَلامُ عليه في الحديث الخامِس من "باب فضل الجماعة".
قوله: "قَوْلًا": مصْدرُ "قَالَ". ولما تضَمّن الحديثُ "القَول" جَرى المصدر على مَعْنَاه، لا على لفْظِه، [أي](1) يكُون منْصُوبًا بإسْقَاط الخَافِض، أي:"أُحَدّثك بقَوْل".
قوله: "قَامَ به رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم": جملة في محلّ صِفَة لـ "قَوْل".
قوله: "الغَد مِن يَوْم الفَتْح": حَقيقةُ ["الغد"](2) اليوم الذي بعْد يَومك، فإذا استُعْمِل في غير ذلك أضَافوه إلى غَد يومه الذي وَقَع الفعل فيه، إمّا ماضيًا كما جَاء هُنا، وإمّا مُتأخرًا عن غَد يَوْمه؛ فتقُول:"أفعَلُ غَدًا" مِن غير إضَافة ولا تعريف؛ لأنّه وَقَع فيما وضع له، كالعلم، و"فعلتُ غَد يوم الجمعة" و"الغَد مِن يوم الجمعة" حِكَاية "غَد" يوم مَاض، و"فَعَلتُ بعد غَد" أو "بعْد الغَد" مما تأخّر فِعْله عن محلّه؛ لأنّه صَار نَكِرَة، ولذلك دَخَلَه التّعريف العَهْدي؛ لأنّه استُعْمِل في غَير مَا وضِع لَه لما حَكوا به كما حَكوا باسم الفَاعِل الحالَة الماضِية في نحْو قَوله تعَالَى:{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18]، فأعْمَلوا "باسطًا" في "ذراعيه" وإنْ كان مَاضيًا؛ لأنّهم حَكوا حَالة وقُوع الفِعْل في الحالة الماضية. (3)
قَالَ السّهيلي: إنْ قُلت: لم بنوا "أمس" إذا أرادوا به "اليوم الذي قبل يومهم"، ولم يبنوا "غَدًا" إذا أرادوا به "اليوم الذي بعْد يومهم"؟
والجواب: أنّ الأيامَ مُتماثلة مِن حيث أنّ كُلا منها عبارَة عن جملة حَرَكَات
(1) غير واضحة بالأصل. ولعلها: "و". والمثبت من (ب).
(2)
بالنسخ: "لغد".
(3)
راجع: الإعلام لابن الملقن (6/ 279)، نتائج الفكر للسهيلي (ص 88 وما بعدها)، شرح المفصل (4/ 100)، مُغني اللبيب (ص 906)، شرح القطر (ص 271)، شرح التصريح (2/ 12)، تاج العروس (39/ 147).
الفلك، والحرَكَات مُتماثلة، والحاجَةُ دَاعية إلى تمييزها، فمَيّزوا أسماءَ الأسبوع بأسْماء الأعْدَاد وبالحوَادِث الكَائنَة فيها.
وسَمّوا "اليوم الذي قبْل يَومِهم" باسم أقرب سَاعة منه إليهم، وهو "المساء"، إلا أنهم جَعَلوا اسمه منقُولًا مِن فِعْل الأمْر الذي قَولك فيه:"أمْس بخَير"؛ فلهَذا بَنوه.
وكَذلك سَمّوا "اليوم الذي بعْد يَومِهم" باسم أقْرَب سَاعَة منه إليهم، وهو "الغَد"، فقَالوا:"الغَد"، فأعرَبُوه؛ لأنّه ليس منقُولًا من مبني - بخِلافِ "أمس" - وحَذَفُوا لامه؛ لأنّ كُلّ اسم كَان موضُوعًا للحَدث ثم نُقِل إلى غَيره، ووَزْنه "فَعل"، ولامه مُعتلّة، فإنهم ينقصونه [ليكُون](1) نقْصه لفْظًا أمَارَة لنقْصه معنى. (2)
فتأمّل ذَلك تجده في: "غَد" و"دَم" و"يَد" و"سم". (3)
إذا ثبت ذلك: فـ "الغَد" في الحديثِ منصوبٌ بـ "قَامَ" على الحكاية للزّمَان الماضية. و"مِن يَوْم" يتعَلّق بحَال مِن "الغَد"، أي:"كَائنًا مِن يَوم الفَتْح"، و"مِن" لبيان الجنْس.
قوله: "فسَمعته أُذناي": تقَدّم الكَلامُ على "سَمِع" في الحديث الأوّل. والضّميرُ في "سَمعته" يعُود على القَول، وكذلك الضّميرُ في "وَعَاه". و"قَلْبي": فَاعِل. وأمّا الضّمير في "أبْصَرَتْه عَينَاي": فيحتمل أنْ يعُود على "النبي صلى الله عليه وسلم"؛ لأنّه تقَدّم ذِكْره، ويكُون كقَوله تعَالى:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (4)[الفتح: 9]، قيل: الضّميرُ في "تُسَبِّحُوهُ" يعُود على الله عز وجل (5). ويحتمل أنْ يعُود على القَول،
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 88 وما بعدها).
(3)
انظر: نتائج الفكر (ص 90)، المخصّص (4/ 236).
(4)
بالنسخ: "لتعزروه".
(5)
انظر: تفسير ابن عطية (5/ 129)، تفسير القرطبي (16/ 267)، تفسير الزمخشري =
بمَعنى "حَركَة شَفتيه ولسانه صلى الله عليه وسلم"؛ لأنّه سَببُ القَوْل، وكثيرًا ما يُطلَق على السّبب اسم المسبب. والأوّل أظهَر.
و"حِين": ظَرْفُ زَمَان، وتقَدّم الكَلامُ عَليها في الخامِس مِن "صِفَة الصّلاة"، وفي الرّابع مِن "بَاب الصّلاة".
والعَامِلُ في "حِين": مَا تقَدّم مِن الأفْعَال على سَبيل التنازع، أعني:"سمعته" و"وَعَاه" و"أبصَرته"، الأفْعَال الثّلاثة، والتنَازعُ يكُون في ثلاثَة وأكثر. والمخْتَارُ عند البصريين إعْمَال الآخر (1)، ولهذا بَاب في كُتب العَرَبية؛ فلينظر هُنالك.
وجملة "تكَلّم به" في محلّ جَرّ بالإضَافَة إلى الظّرْف.
قوله: "أنّه حمد الله": بالفَتح، بَدَلٌ من "قَوْلًا"، أي:"أحدّثك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم"، أو بَدَلٌ من الضّمير في "سَمعته"، أو مِن الضّمير في "وَعَاه". ويحتمل أن يكون خبر مُبتدأ محذُوف، أي:"هُو أنّه"، أو:"ذلك أنّه".
ويجوزُ كسر "أنّ"، وهُو حَسَنٌ إنْ رُوي؛ لأنّها وَقَعَت بعد القَول؛ فتكُون الجملة مُستأنفة.
وفيه حَذفُ الجواب، أي:"قَال له: نَعَم، حَدّثْني"، وإنّما حُذف للعِلْم به.
قوله: "ثُم قَالَ": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله: "إنّ مَكّة حَرّمَهَا الله": هذه الجمْلة معْمُولة للقَول، وجملة "حرّمها" في محلّ خَبر "إنّ".
قوله: "ولم يُحرّمها النّاس": هَذه الجمْلَة معْطُوفَة على مَا قبْلها.
= (4/ 335)، البحر المديد (5/ 388).
(1)
انظر: شواهد التوضيح (ص 180، 181)، عقود الزبرجد (2/ 380)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 631)، شرح التسهيل (2/ 176).
وفيها تعظيمٌ لحرْمَة مَكّة، [وإخبارٌ](1) بأنّ ذلك التحريم مِن الله، لا بواسطة أحَدٍ مِن خَلْقه، ولا بسُؤَال أحَدٍ مِن أنبيائه.
وتقَدّم الكَلامُ على "لم" في الثّالث مِن "باب المذي".
قوله: "فَلا يحلّ لامرئ": "لا" نَافِيَة، و"لامرئ" يتعلّق بـ "يحلّ".
و"امرؤ" تقَدّم الكَلامُ عليه في السّادس مِن "الزّكاة"، وهمزته "هَمْزة" وَصْل. وتقَدّم القَول في "هَمزَة" الوَصْل في الأوّل مِن الكتاب.
قوله: "يُؤمِن بالله واليَوْم الآخِر": جملةٌ في مَوْضِع صِفَة لـ "امرئ"، و"بالله" يتعلّق بـ "يُؤْمِن".
و"اليَوم الآخر" تقَدّم الكَلامُ عَلى "يَوم" في الثّالث مِن "الاستطابة"، وعلى "الآخِر" في الحديثِ الأوّل من الكتاب.
قوله: "أنْ يَسْفِك بها دَمًا": في محلّ فَاعِل "يحلّ"، والتقديرُ:"لا يحلّ لمؤمِن سَفْك دَم".
ويُقَال: "سَفَكَ""يَسْفُك" و"يَسْفِك"، بكَسْر "الفَاء" وضَمّها. (2)
قوله: "ولا يَعْضِد": يُقَال: "عَضَدَ، يَعْضِد"، بفَتْح "الضّاد" في الماضي، وكَسْرها في المضَارع (3)، منْصُوبٌ بالعَطْف على "يسفك"، ويجوزُ فيه الرّفع لو رُوي.
قوله: "فَإنْ أحَدٌ ترَخّص": "أحَدٌ" فَاعِل بفِعْل مُقَدّر يُفسّره ما بعده، أي:"إنْ ترَخّص أحَدٌ"، فجُمْلة "ترَخّص" لا محلّ لها؛ لأنّها مُفسّرة للعَامِل. وأجَاز
(1) بالنسخ: "واختيار".
(2)
انظر: الإعلام لابن الملقن (6/ 108)، الصحاح للجوهري (4/ 1590)، لسان العرب لابن منظور (10/ 439).
(3)
انظر: لسان العرب (3/ 294).
الكُوفيون (1) أنْ يَلي الشّرْط الاسم، ورَفَعُوا الواقِعَ بعده بالابتداء؛ فتكُون جملة "ترَخّص" في محلّ الخبر.
قوله: "فقُولُوا": "الفَاء" جَوَابُ الشّرْط "إنّ الله أَذِن لرَسُوله" جُملة "أَذِن" في محلّ خَبر "أنّ"، و"أنّ" واسمها وخَبرها في محلّ مفْعُول القَول، و"لرَسُوله" يتعلّق بـ "أَذِن".
قوله: "ولم يَأذَن لكُم": يحتمل أنْ يكُون معْطُوفًا على "أذِن". ويحتمل أن تكُون "الواو" للحَال، أي:"أذِن لرَسُوله، وهُو لم يأذَن لكم".
قوله: "وإنّما أَذِن لي سَاعَة مِن نَهَار": "إنّما" تقَدّم الكَلامُ عليها في الحديثِ الأوّل مِن الكتاب. و"أَذِن" هُنا مَبني للفَاعِل، والفَاعِلُ هُو "الله" عز وجل، و"سَاعة" منصُوبٌ على الظّرْفيّة، أي:"في سَاعَةٍ مِن النهار".
قوله: "وقَد عَادَت حُرْمَتُها اليَوم": "عَادَ" هُنا بمَعْنَى "صَار"، و"حُرْمَتها" اسمها، و"اليَوم" ظَرْفٌ، العَامِلُ فيه "حُرْمَتها"؛ لأنّه مَصْدَر "حَرُم الشيءُ حُرْمة"، ويُقَال:"حَرُمَت الصّلاة على الحَائِض"(2). ويجُوز أنْ تعْمَل فيه "عَادَت" إذا قُلْنا بعَمَل الأفْعَال النّاقِصَة في الفَضَلات (3).
و"مِن النّهَار": يتعلّق بصِفَة لـ "سَاعَة".
قوله: "كحُرْمتها": يتعَلّق بخَبر "عَاد"، وإذا قدّرت "الكَاف" اسمًا بمَعنى "مِثْل" كَان مَا بعْدَها مجرورًا بالإضَافة.
(1) انظر: شرح الكَافية الشافية (3/ 1596 وما بعدها).
(2)
انظر: الصّحاح للجوهري (5/ 1897)، كتاب الأفعَال (1/ 207)، المعجَم الوسيط (1/ 168)، مختار الصّحاح (ص 71).
(3)
انظر: اللمحة (2/ 577)، شرح ابن عقيل (1/ 276)، توضيح المقاصد (2/ 692)، الخصائص (1/ 198)، (2/ 276)، الهمع (1/ 490).
قوله: "بالأمْس": جَار ومجرُور يتعَلّق بـ "حُرْمتها"، ومتى عُرّف "أمْس" بالألِف واللام أو بالإضَافَة أُعْرب، تقُول:"ذَهَب الأمْس"، و"كَرهتُ الأمس"، و"كَان أمْسنا طَيبًا". وإنْ كَان بغَير "لام" ولا إضَافَة بُنيَت؛ لتَضَمّنها الألِف واللام، ولم تُبْن على السّكُون؛ لأنّ قبْل آخِرها سَاكِنٌ، فكُسِرَت لالتقَاءِ السّاكنين، وهِي عَنْد "بني تميم" كذلك إذا كَانَت في مَوْضِع نَصْب أو خَفْض بغَير "مُذ" و"مُنْذ"، وإنْ كَانَت في مَوضِع رَفْع أو خَفْض [بـ "مُذ" أو](1)"مُنذ"، فيُجرونها مجْرَى اسْم لا ينصَرّف، فيقُولُون:"ذَهَب أمْس بما فِيه" و"مُذ أمْس"، فيُعربُونها، ويمنَعُونها الصَّرْف للتعريف والعَدْل، وذَلك لأنّ "أمْس" في الأَصْل نَكِرَة، فكَان حَقّه أنْ يُعَرّف بالألِف واللام أو بالإضَافَة، فعَدلُوا عَن ذَلك، وعَرّفُوه بالعَلَمية. (2)
قَالَ الغَافقي: هَذا كُلّه نصّ عليه سيبويه. (3)
قَالَ أبُو القَاسِم الزّجّاج: ومِن العَرَب مَن يَبْنيه على الفَتْح (4)، وأنْشدَ:
لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا
…
عَجَائزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسَا
(1) هذا ما يظهر لي بالأصل.
(2)
انظر: الكتاب (3/ 283 وما بعدها)، الجمل في النحو (ص 201)، شرح الأشموني (3/ 164)، الأزمنة وتلبية الجاهلية، لقطرب، (ص 31 وما بعدها)، شرح المفصل (3/ 136 وما بعدها)، شرح الكافية الشافية (3/ 1481 وما بعدها)، شرح شذور الذهب لابن هشام (ص 126 وما بعدها)، اللمحة (2/ 909 وما بعدها)، الهمع (2/ 189 وما بعدها)، لسان العرب (6/ 8 وما بعدها)، تاج العروس (15/ 407).
(3)
انظر: الكتاب (3/ 283 وما بعدها)، شرح الكافية الشافية (3/ 1482).
(4)
انظر: اللامات لأبي القاسم الزجاجي (ص 54)، درة الغواص في أوهام الخواص (ص 282)، شرح التسهيل (2/ 223)، شرح الأشموني (3/ 164)، الكتاب (3/ 284، 285)، شرح الكافية الشافية (3/ 1481)، شرح شذور الذهب لابن هشام (ص 129) ووهمه ابن هشام - الهمع (2/ 190).
يأْكُلْنَ مَا فِي رِحَالِهنَّ هَمْسَا
…
لَا تَرَكَ اللَّهُ لَهُنَّ ضِرْسَا (1)
قوله: "فليبلغ الشّاهِد الغَائِب": "اللام" لام الأمْر، وتقَدّم أنّها تُسَكّن مع "الفَاء" و"الواو"، وتكْسَر مَع "ثُمّ"(2)، و"الشّاهِد" فَاعِل به، و"الغائب" مفْعُولٌ به.
قوله: "فقيل لأبي شُريح": الفِعْلُ مَبني لما لم يُسَمّ فَاعِله، والمفْعُولُ الذي لم يُسَمّ فَاعِله الجمْلَة المحْكيّة، وهي المقُول، وقيل: قَول محذُوف. وتقَدّم الكَلامُ على ذلك في الرّابع عَشر مِن "الجنائز".
و"مَا" استفهامية، محلّها رَفْع بالابتداء. وجملة "قَالَ" في محلّ الخبر، و"اللام" في "لَك" لام التبليغ، ومِثل هذه "اللام" "اللام" في قوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ} [البقرة: 228]. (3)
ومعنى الحديث: أنّ أبا شُريح لما قَصّ مَا وَقَع لَه مع عمرو بن سعيد وما عَرَض عليه من حَديث النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه عن انتهاك حُرمة مَكّة حتى انتهى إلى آخر الحديث، قيل له عند ذلك:"مَا قَالَ لك عمرو بن سَعيد؟ "، ففَاعِلُ "قَالَ" ضَمير يعُود على "عمرو"، أي:"قَالَ عَمرو: أنَا أعْلَم. . ."، فجُمْلَة "أنَا أعْلَم" معمُولة للقَول، و"أعْلَم" أفْعَل التفضيل استُعْمِل بـ "مِن"، و"بذَلك" يتعَلّق بـ "أعْلَم"، وتقَدّم الكَلامُ على أفْعَل التفضيل في الأوّل مِن "الصّلاة". والإشَارَة بـ "ذَلك" إلى النّهي عَن مَكّة وقتال أهْلِها. و"مِن" في أفْعَل التفضيل للتبعيض.
(1) الأبيات من الرجز، وهي لغيلان بن حريث الربعي، وقيل: للعَجاج. والمروي فيه: "رحلهن". انظر: الجمل في النحو (ص 202)، درة الغواص في أوهام الخواص (ص 258، 282)، شرح الكافية الشافية لابن مالك (3/ 1481)، شرح القطر لابن هشام (ص 19)، المعجم المفصل (10/ 261).
(2)
انظر: شواهد التوضيح والتصحيح (243، 244)، الإعلام لابن الملقن (2/ 528)، عقود الزبرجد (1/ 123، 124).
(3)
انظر: البحر المحيط (2/ 457).
وفي قوله "أنا أعْلَم بذلك مِنْك" شِدَّة على أبي شُريح وإغْلاظ عليه، ولو تَرَك "مِنْك" صَحّ الكَلام، ولكنّه أدْخَلها للمَعنى الذي ذَكَرناه.
وقَد قَالُوا في قوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 72]: فيه بعضُ مُسامَحَة ولِين؛ لأنها أوّل خصاله، فعَذَره فيها، وقَالَ له في الثانية:{أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف: 75]، فزاد لَفْظة "لك" إغْلاظًا عليه؛ لأنّها الثانية. (1)
وفي كَلامِه تغليظ آخَر سُوَى الخطَاب، وهو [نداؤه] (2) حين قَال له:"يا أبا شُريح". وقد قَالوا في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74]، قُرئ بالضّمِّ على النِّداء، وبالنَّصب على البَدَل (3)، ولم يجئ مِثله في قَوله تعالى:{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ} [الأعراف: 142] بالرفع، وإنما قُرئ بالنصب لا غير. (4)
قال الإمامُ فخْر الدِّين: لأنّ النّداءَ استخفافٌ بالمنادَى، والاستخفاف بالمنادَى يكُون لائقًا في قصة إبراهيم عليه السلام؛ لأنّ أباه كَان كافرًا مُصرًّا على كُفره؛ فحَسُن أنْ يخاطبه بالغِلْظة زَجرًا له على ذلك [القُبْح] (5). وأمّا في قِصّة مُوسى: فقد كَان مُوسى استخْلَف هَارون على قَومه، فما كان الاستخفافُ لائقًا بهذا الموضع؛ فلا جَرَم لم تكُن القراءة بالضَّمِّ جَائزةً. (6)
قوله: "إنَّ الحَرَمَ لا يُعيذُ عَاصِيًا ولا فَارًّا بدَم": الجمْلَة محكيّة بالقَوْل، وجملة "لا
(1) انظر: البحر المحيط (7/ 209).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
قرأ الجمهور بفتح "الراء"، وقرأ أبي وابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم بضمها على النداء. انظر: البحر المحيط (4/ 561).
(4)
انظر: تفسير الرازي (13/ 34)، البحر المحيط (4/ 561)، (5/ 161).
(5)
كذا بالأصل. وفي "تفسير الرازي"(13/ 34): "القبيح".
(6)
انظر: تفسير الرازي (13/ 34).
يُعيذُ" في محلّ خَبر "إنّ"، و"عَاصِيًا" مَفْعُول "يُعيذ". و"يُعيذ" مِن "أعَاذ" رُبَاعيًا (1). والفَاعِلُ مُستَتر. "وَلَا فَارًّا" مَعْطُوفٌ على "عَاصِيًا"، و"لا" مُؤَكِّدَة للنّفي، أي: "ولا يُعِيذُ فَارًّا"، و"بدَم" يتعَلّق بـ "فَارّ".
قوله: "وَلَا فَارًّا بخَربَةٍ": تقَدّم مِن تفْسير صَاحِب "العُمْدة" فيه مَا يُغْني عَن إعَادته. وقَالَ في "الصّحاح": "الخَاربُ": "اللّص". وقَالَ الأصْمعي: هُو سَارِقُ الإبل خَاصّة (2).
ويُرْوَى "بخُرْبَةٍ" بضَمّ "الخَاء" وفتْحِهَا. ويُروَى "بخِزْيَة"(3) بـ "الزّاي" المعْجَمَة و"اليَاء" المثنّاة مِن تحْت. (4)
والجمْعُ: "الخُرَّابُ"، يُقَال منه:"خَرَب فُلانٌ بإبل فُلان، يخرب، خرابة" مِثْل: "كَتَب [يَكْتُب] (5) كِتَابة". (6)
ويَأتي في الثّالث مِن "السّرقَة" جُملَة مَا جَرَى هَذَا المجْرَى، فانظُره هُنالك.
(1) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (6/ 118)، تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (ص 408).
(2)
انظر: الصّحاح للجوهري (1/ 119).
(3)
سُنن الترمذي (809).
(4)
انظر: نخب الأفكار (10/ 274)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (3/ 534)، تحفة الأحوذي (3/ 453)، قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي (1/ 279)، نيل الأوطار للشوكاني (7/ 53).
(5)
سقط من النسخ. والمثبت من "الصّحاح"(1/ 119).
(6)
انظر: الصّحاح (1/ 119).