الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثّاني:
[217]
: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، [وَإِذَا] (1) اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تعالى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلَاهُ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ:"إلَّا الإِذْخِرَ"(2).
القينُ: "الحَدَّاد".
قوله: "يَوْم فَتْح مَكّة": ظَرْفُ زَمَان، ومخفُوض به. العَامِلُ في "يَوم":"قَال" الثّانية، وهي معمُولة لـ "قَال" الأوْلى، و"قَال" الأوْلى معمُولة لمتعلّق حَرْف الجر.
قوله: "لا هِجْرَة": "لا" نَافية، و"هِجْرَة" اسمُ نَكِرَة، مبني مع "لا". وقَد تقَدّم ذِكْر "لا" مع اسمها في الأوّل في "بَابِ التيمّم". وخَبرُ "لا" محذوفٌ، أي:"كائنة بعد اليوم"، حُذِف لدلالة الكَلام عَلَيه.
قوله: "ولكن جِهَاد": تقَدّم الكَلام على "لكن" في الحديث الأوّل من "باب الحيض"، وفي الثّاني من "بابِ الاستطابة". وجَاءَت هُنا على الحَسَن مِن وجُوهها بين نَفْي وإثبَاتٍ، ولكن هذه المخففة لا عمل لها، خلافًا ليونس والأخفش، وعلى مَذهَبِ الجمهُور الوَاقِع بعْدَها مُبتَدأ وخَبر (3)؛ فـ "جِهَاد" مُبتَدأ، و"نية" مَعْطُوفٌ عَليه،
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
رواه البخاري (1587) في الحج، ومسلم (1353) في الحج.
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 523)، (5/ 295)، مغني اللبيب (ص 385 وما بعدها)، شرح المفصل (5/ 29 وما بعدها)، شرح الشذور للجوجري (2/ 809 وما بعدها).
والخبرُ مُقَدّر، أي:"لَكن بعدَه جِهَاد"، فالعَامِلُ في ["بعده"](1) الخبر المقَدّر.
ويجُوزُ "وَنِيةً" بالنّصب، مفْعُولًا مَعَه، أي:"مَع نية". ويحتمل أنْ تكُون "الواو" بمَعْنى "أو"، أي:"جِهَادٌ في سَبيل الله، أو نية في الجهَاد"، كَما قِيل في قَوْله تعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، أي:"مَثْنَى أو ثُلَاث أو رُبَاع"(2). ويجوز أن يكُون التقدير: "ولكن يكُون جِهَادٌ ونية"، وتكُون "كَان" التّامّة أو النّاقِصَة، والخبرُ مُقَدّر، أي:"ولَكِن يكُون جِهَادٌ ونية بَعْد هَذَا اليَوْم".
قوله: "فإذا استنفرتم فانفروا": تقَدّم الكَلامُ على "إذا" وفِعْلها وجوابها في الحديث الثّاني مِن أوّل الكتاب. وجملة "فانفروا" جَوابُ "إذا"، ويترجّح عَمَل فِعْلها، وهو:"استنفرتم"؛ لأنّ مَا بعْد "الفَاء" لا يعمَل فيما قبلها (3).
قوله: "وقَال يَومَ فَتْح مَكّة": أعَادَ القَول مع معمُوله لطُول ما بين المعطُوف والمعطُوف عليه، وتأكيدًا للحَديث والمحَدَّث به، ولكَونه وَقَع في ذلك الوقْت العَظيم المستَلَذّ إعَادة ذِكْر يَوْمه ومَكَانه.
قوله: "إنّ هذا البَلَد حَرّمَه الله": "هَذا" اسمُ "إنّ"، و"البَلَد" نعته، و"حَرّمَه الله" في محلّ خَبر "إنّ".
قوله: "يَوْم خَلَق السّمَوات والأرْض": العَامِلُ في الظّرْف "حَرّمَه"، وجملة
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: البحر المحيط (3/ 505)، عقود الزبرجد للسيوطي (2/ 10)، مُغني اللبيب (ص 857 وما بعدها).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 105)، معاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/ 77)، إيجاز البيان عن معاني القرآن (2/ 775)، إرشاد الساري (1/ 333)، الكُليات للكفوي (1/ 677)، شرح الاشموني (2/ 10)، حاشية الصبان (2/ 114).
"خَلَق" في محلّ جَرّ بالظّرْف. و"السّمَوات": مفعُولُ "خَلَق"، وعَلَامَةُ النّصْب فيه الكَسْرَة.
قوله: "فهُو حَرَامٌ": "الفَاءُ" سَببية، وذَكَر الضّمير لأنّه أرَادَ الموضِع. و"حَرَام" خَبرُ "هو". والجمْلَة مُستَأنَفَة.
قوله: "بحُرْمَة الله إلى يَوْم القيامَة": "بحُرمَة" يتعلّق بـ "حَرَام". و"حُرْمَة الله" يُريد: "تحريم الله"؛ فتتعَلّق "إلى" به. و"البَاء" سَببية، أو "باء" الإلصَاق، ويحتمَل أنْ تتعَلّق بـ "حَرَام".
قوله في الحديث: "تَعَالَى": هَذَا الفِعْل من "العُلو"، خَاصٌّ باسم الله تعالى؛ فلا يُقَال:"زَيد تَعَالى"، ولا تقُول:"تَعَالَيتُ".
قوله: "إلى يَوم القيامة": تقَدّم الكَلامُ على "يَوم" في الحديثِ الثّالث من "الاستطابة".
والضّميرُ في "إنّه" ضَميرُ الأَمْر والشّأن. وتقَدّم الكَلامُ على ضَمير الأمْر والشّأن في الحديثِ السّادِس مِن "بَابِ القِرَاءَة". و"لم يحِلّ القِتَال" في محلّ خَبر "إنّ"، و"قَبْلِي" في محلّ صِفَة لـ "أَحَد".
قوله: "وَلَم يَحِلّ": معْطُوفٌ على "لم يحلّ". و"سَاعَة" ظَرْفُ زَمَان، العَامِلُ فيه:"يحلّ"، والتقْدير:"إلّا في سَاعَة"، فالاستِثْناءُ مُفرغ. و"مِنْ نَهَار" يتعَلّق بصِفَة لـ "سَاعَة"، و"مِن" للتبعِيض.
قوله: "فهُو حَرَامٌ بحُرمة الله إلى يَوْم القِيَامَة": مُبتدأ وخبر، أي:"فالبَلَدُ حَرَامٌ". و"بحُرْمَة" يتعَلّق بـ "حَرَام". و"حُرْمَة الله" بمَعْنَى "تحريم الله". ويتعَلّق "إلى يَوم القِيَامَة" بـ "حَرَام" كما تقَدّم، أو بـ "حُرْمَة".
قوله: "لا يُعْضَدُ شَوْكُه": يحتمل أنْ يكُون خَبرًا بعْد خَبر. ويحتمَل أنْ يكُون
مُستأنَفًا، و"لا" نَافِيَة؛ فهُو خَبرٌ بمَعْنى النّهي. ويحتمل الجزْم بـ "لا" النّاهِيَة، والرّواية الرّفْع، أي:"لا تعضد"، وإنّما قُدّر فيه مَعْنى النّهي لأنّ خَبَر الله لا خُلْف فيه، وقَد وُجِد العضد والتنفير.
قوله: "وَلَا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ": باليَاء المثنّاة مِن تحْت. و"لُقْطَتَه" مفعُولٌ واجبُ التقْديم؛ لأنّ الفَاعِلَ وَقَع بعْد "إلّا"(1).
قوله: "إلّا مَن عَرّفَهَا": الاستِثْنَاءُ مُفرغ؛ لأنّ "مَن" فَاعِل "يَلْتَقِط"، أي:"إلّا شَخْصٌ عَرّفَها"؛ فتكُون "مَن" نَكِرَة مَوْصُوفَة.
ويحتَمَل أنْ تكُون مَوصُولَة، أي "إلّا الذي عَرّفَها"، ويكُون الفِعْلُ بمَعْنَى المستَقْبَل، أي:"إلا مَن يُعرّفها". أو يكُون "يَلتَقِط" بمعنى " [يتَمَلّك] (2) "؛ فلا يحتَاجُ إلى تَقْدِير؛ لأنّك إنْ حملْت اللفْظ على ظَاهِرِه - مِن أنّه "لا يأخُذها مِن مَوضِعها إلّا مَن عَرّفها" - لم يصِحّ المعنى؛ لأنّ تعريفها إنّما يكُون بعد التقَاطِهَا، وعلى هَذا مَذْهَب مَن يقُول:[يتمَلّكها](3) بعْدَ التعريف. (4)
ويحتمل أنْ يكُون المعنى: "لا يَلتَقِطُها إلا مَن نَوَى تعريفها"، وهَذَا أظْهَر.
(1) انظر: توضيح المقاصد والمسالك (2/ 595 وما بعدها)، شرح ابن عقيل (2/ 100، 104)، شرح الأشموني (1/ 404)، شرح التصريح (1/ 418).
(2)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "يملك".
(3)
غير واضحة بالأصل. ولعلها: "بتملكها".
(4)
قال الشافعي ومتأخرو المالكية وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم: لا تحلّ لُقطة مكة لمن يريد أن يعرّفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد، بل لا تحلّ إلا لمن يعرّفها أبدًا، ولا يتملّكها. وقال مالك - وهو الصحيح من مذهب المالكية - والحنفية: يجوز تملّكها بعد تعريفها سنة، كما في سائر البلاد، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وانظر: فتح الباري (5/ 85، 88)، عُمدة القَاري (9/ 224)، إرشاد الساري (3/ 152، 306)، شرح النووي (9/ 126)، مرعاة المفاتيح (9/ 470)، مجمع بحار الأنوار (4/ 499).
قوله: "وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ": "الخَلَى" مَقْصُور: "الحشيشُ اليَابس"، الواحِدَة:"خَلاة"، و"المُخْتَلُونَ" و"الخَالُونَ":"الذين يَخْتَلُونَ الخَلى، [ويخلونه] (1) ". (2)
و"خَلَاهُ" هُنا مفْعُول لم يُسَمّ فَاعِله بـ "يُختَلَى".
قوله: "فَقَالَ العَبّاس": يعني: "عَمّ النبي صلى الله عليه وسلم": "يَا رَسُولَ الله، إلّا الإِذْخَر": أي: "قُلْ يَا رَسُولَ الله: إلّا الإذْخَر، فنَحْن نَسْمَع ونُطيع"، فتكُون الجمْلَة مَعْمُولة للقَوْل المقَدّر على الحِكَاية، والمرادُ مَدْلُول اللفْظ؛ فيجُوز فيه الرّفْع على البَدَل، والنصب على الاستثناء. (3)
قوله: "فإنّه لقينِهِم": "الفَاءُ" سَببية، والضّمير في "إنّه" للإذْخَر. "ولبيوتهم" يتعَلّق بخَبر "إنّ"، كأنّه عَرَضَ على النبي صلى الله عليه وسلم ضرورتهم إلى "الإذْخَر"؛ فرَخّص لهم فيه، إمّا بوَحْي أو باجْتِهَاد. (4)
***
(1) كذا بالنسخ. وفي "الصّحاح" للجوهري (6/ 2332) و"لسان العرب" لابن منظور (14/ 243): "ويقطعونه".
(2)
انظر: عُمدة القَاري (2/ 77، 164)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (10/ 68)، الإعلام لابن الملقن (6/ 129)، غرب الحديث لابن الجوزي (1/ 293)، الصحاح (6/ 2331 وما بعدها)، المخصص (4/ 433)، لسان العرب (14/ 242، 243)، طلبة الطلبة للنسفي (ص 34)، شمس العلوم (3/ 1880).
(3)
انظر: إرشاد الساري (3/ 307)، مرقاة المفاتيح (5/ 1864).
(4)
انظر: فتح الباري (4/ 49)، إحكام الأحكام (2/ 64).