الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثّاني:
[249]
: عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثامَةَ اللَّيْثيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًا، وَهُوَ بالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدهُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى مَا في وَجْهِه؛ قَالَ:"إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ"(1).
وَفي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "رِجْلَ حِمَارٍ"(2).
وَفي لَفْظٍ: "شِقَّ حِمَارٍ"(3).
وَفي لَفْظٍ: "عَجُزَ حِمَارٍ"(4).
قَالَ الشّيخُ تقيّ الدِّين: الأصْلُ أن يتعَدّى "أهْدَى" بـ "إلى"، وقَد يتعَدّى بـ "اللام"، ويكُون بمعناها. ويحتمل أن تكُون "اللام" بمَعنى "لأَجْل"، وفيه ضَعفٌ. انتهى. (5)
و"وَحْشيًّا": صِفَة لـ "حمار".
وجملة "وهُو بالأبْوَاء" في مَوضِع الحَال مِن ضَمير الفَاعِل في "أهْدَى"، أو مِن "النّبي صلى الله عليه وسلم". و"بالأبْوَاء" يتعَلّق بخَبر "هُو".
و"وَدَّانَ" لا ينصرف؛ للعَلَمية وزِيَادة الألِف والنُّون. (6)
"فرَدّه عليه": أي: "رَدَّه النّبي صلى الله عليه وسلم عَليه".
(1) رواه البخاري (1825) في جزاء الصيد (2573) في الهبة، ومسلم (1193) في الحج.
(2)
رواه مسلم (1193)(54).
(3)
رواه مسلم (1193)(54).
(4)
رواه مسلم (1193)(54).
(5)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 102).
(6)
انظر: معجم ما استعجم للبكري (4/ 1375).
قَالَ صَاحبُ "العُمْدة": إنَّما رَدّه عَليه؛ لأنّه ظَنّ أَنَّه صِيد لأَجْلِه، والمحْرِمُ لا يَأكُل مَا صِيد لأَجْلِه. (1)
وقَالَ الشّيخُ تقيّ الدّين: حمل على أنّه كَان حَيّا، ويدلُّ عليه تبويب البُخَاري (2). ويرُدّه ما ذُكر مِن الرّوايَات من قَوله:"عَجُز حمار" و"شِقّ حمار"؛ فإنّها قَويّة في الدّلالة على كَون المهْدَى بعضًا غير حَي؛ فيحمَل "حمارًا وَحْشيًا" على المجَاز وتسمية البعض باسم الكُلّ، أو فيه حَذْف مُضَاف. (3)
قُلْتُ: يُريد: يُقَدّر: "أهْدَى بعض حمار وَحْشي"، وفيه ضَعْفٌ.
قَوله: "إنّا لم نَرُدّه عَليْك إلّا أنّا": "إنّ" الأولى مكْسُورة؛ لأنّها في ابتداء الكَلَام. و"أنّ" الثّانية مفتُوحَة؛ لأنّه حُذف منها "اللام" التي للتعليل، أي:"إلّا لأجْل أنّا حُرُم"(4)؛ فتكُون "أنّا" في محلّ مفعُول لَه.
قوله: "لم نَرُدّه": قَالَ الشّيخُ تقيّ الدّين: المشهورُ عند المحَدِّثين فيه فتْحُ "الدّال". وهو خِلاف مَذْهَب المحقّقين مِن النُّحَاة، ومُقتضى مَذهَب سيبويه فيه الضّم، وكَذلك في كُلّ مُضَاعَف مجزُوم أو موقُوف اتّصَل به ضَمير المذَكّر. وذلك مُعلّل عندهم بأنّ "الهاء" حرفٌ خَفي، فكأنّ "الواو" تالية "الدّال"؛ لعَدَم الاعتِداد بـ "الهاء"، ومَا قبل "الواو" يُضَمّ، وعبّروا عن ضَمّتها بالاتباع لما بعدها.
وحُكي في مثل الأوّل الموقُوف لُغَتَان أُخْرَيان، [إحداهما] (5): الفَتْح، الثانية:
(1) هذا ثابت في نُسخة "العُمدة"(ط المعارف، ص 125)، وكذا في متن العُمدة المطبوع مع "الإعلام" لابن الملقن (6/ 410).
(2)
بوّب الإمام البخاري (3/ 13) له في صحيحه بعنوان: "بَابٌ: إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ".
(3)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 102).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 102).
(5)
بالنسخ: "أحدهما".
الكَسر. وأُنْشِد فيه:
قَالَ أَبُو لَيْلَى لِحبلى مُدِّهِ
…
حتَّى إذا مَدَدْته فَشُدِّهْ
إنَّ أَبَا لَيْلَى نَسِيجُ وَحْده (1).
انتهى. (2)
قُلتُ: حَكى ثَعْلَب: "زُرّ القميص" و ["زُرَّه"](3) بالحرَكَات الثّلاث (4).
والأوْجُه المتقَدّمَة إنّما هِي فيما اتّصَل به ضَمير المذَكر.
فإن اتّصَل به ضَمير مُؤنث: فالفَتح ليس إلّا، نحو:"ردّها" و"لم يردّها"؛ لأنّ "الهاء" حَرْفٌ خَفيّ، فكَأنّ "الألِف" وَلِيت "الدّال"، و"الألِف" لا يكُون قبلها إلّا [مفتُوحًا](5). (6)
واعلَم أنّ "رَدّ" إذا كَانت بمَعنى "صَيّر" تعَدّت إلى مفعُولين، كقوله تعالى:{لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109]. (7) وليست "رَدّ" هُنا بمَعنى
(1) الأبيات من الرجز، ولا يُعرف قائلها. انظر: إعراب القرآن للأصبهاني (ص 421) وهو فيه بلفظ: "لحبلٍ"، الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 182، 231)، تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح (السفر الأول) للبلي (ص 256، 257).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 102).
(3)
بالنسخ: "زر". والمثبت من الإعلام لابن الملقن.
(4)
انظر: الفصيح لثعلب (ص 267).
وراجع: شرح النووي على مسلم (8/ 104)، الإعلام لابن الملقن (6/ 415)، تحفة المجد الصريح (السفر الأول) للبلي (ص 256)، المخصص (1/ 393).
(5)
بالنسخ: "مفتوح".
(6)
انظر: الإعلام لابن الملقن (6/ 416)، تحفة المجد الصريح (السفر الأول) للبلي (ص 256، 257)، علل النحو (ص 171، 419).
(7)
انظر: شرح التسهيل (1/ 347)، (2/ 82)، أوضح المسالك (2/ 45)، الهمع =
"صَيّر".
قوله: "فلمّا رَأى مَا في وَجْهه": تقَدّم الكَلامُ على "لمّا" قَريبًا. و"مَا" موصُولة بمَعنى "الذي"، وصِلتها المجْرور. وهُنا محذُوف، أي:"مِن الكَراهِيَة لرَدّه عَليه"(1).
قوله: "إنّا لم نَرُدّه": جملة "لم نرُدّه" في محلّ خَبر "إنّ".
قوله: "إلّا أنّا": الاستثناءُ مُفرغٌ، أي:"إلّا لأجْل أنّا حُرُم".
قوله: "وفي لفظ لمسْلِم": المجرورُ الأوّل يتعَلّق بـ "رُوي"، أو يتعَلّق بخبر مُبتدأ عن الوَاقِع بعده على الحِكَاية. والمجرورُ الثّاني يتعَلّق بـ "لَفْظ"، أو بنَعْتٍ لـ "لَفْظ".
و"رِجْل حمار" منْصُوبٌ بـ "أهْدَى" مُقَدَّرًا، يُفَسِّره الحديث قَبله، وكَذلك "شِقّ حمار" و"عَجُز حمار".
* * *
= (1/ 544)، جامع الدروس العربية (1/ 44).
(1)
راجع: الإعلام لابن الملقن (6/ 416).