الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "من جميعهن": يتعلّق بـ "تبلغ".
قوله: "ثلاثًا وثلاثين": مفعول بـ "تبلغ"؛ لأنّ الفعل يسلَّط عليه، بخلاف الأوّل.
الحديث الرابع:
[129]
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ، فَنَظَرَ إلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاتِي"(1).
قوله: "صلى في خميصة": جملة في موضع خبر "أنَّ".
وجملة "لها أعلام" من مبتدأ وخبر، الخبر متعلَّق المجرور، وهو مُسوّغ للابتداء بالنّكرة، ومحلّ المبتدأ والخبر صفة لـ "خميصة".
قوله: "فنظر إلى [أعْلامها] (2) ": أراد "النبيَّ صلى الله عليه وسلم". والجملة معطوفة على "صلى"، والمراد:"شرع في الصلاة، فنظر بعد دخُوله فيها"، لا بعد الصّلاة، لقوله:"فإنها ألهتني آنفًا عن صَلاتي".
و"الخميصة": "كِسَاء مُربع له أعْلام"(3).
و"الإنبجانية": "كساء غليظ"، يُقال بفتح "الهمزة" وكسرها، وكذلك في "الباء"، وكذلك "الياء" تخفّف وتشدّد. وقيل: هي "الكساء من غير عَلَم"، فإن كان فيه عَلَم فهو "خميصة".
(1) رواه البخاري (373) في الصلاة، ومسلم (556) في المساجد.
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1038)، ولسان العرب (7/ 31)، وتاج العروس للزبيدي (17/ 566).
قال ابنُ الأثير: المحفوظ بكسر "الباء"، ويُروى بفتحها، وهو منسوب إلى "مَنبِج" المدينة المعروفة، وهي مكسورة "الباء"، ففتحت في النّسب، وأُبدَلت "الميمُ" همزة. وقيل: إنها منسوبة إلى موضع، واسمه "انبجان"، وهو أشبه؛ لأنّ الأول فيه تعسّف. وهو "كساء يتّخذ من الصّوف، وله خُمل، ولا عَلَم له"، وهي من أدوَن الثّياب الغَليظة (1).
وإنما بعَث "الخميصة" إلى أبي جهم؛ لأنّه كَان أهْدَى للنبي صلى الله عليه وسلم خميصة ذات أعْلام، فلما أشغَلته في الصّلاة قال:"ردّوها عليه، وائتوني بأنبجانيته"، وإنما طَلَبها منه لئلا [يُؤثر](2) رَدُّ الهَديّة في قلبه.
و"الهمزة" فيه زائدة في قَول (3).
و"إلى أعْلامها" يتعلّق بـ "نَظَرَ".
و"نَظْرَة" مصدَر مُؤكِّد، ويُفيد وحْدة العَدَد، ولا يتعلّق بـ "نظرة"؛ لأنّ معمُول المصدَر لا يتقَدّم عليه (4). وتقدّم الكلام على عمل المصدَر في الثّاني من أوّل الكتاب.
ويحتمل أن يتعلّق بصفة لـ "نظرة"، أي:"فنظر نظرة كائنة إلى أعْلامها"، فلما تقدّم انتَصَب على الحال.
(1) انظر: فتح الباري (1/ 483)، وشرح النووي على مسلم (5/ 43)، وغريب الحديث لابن الجوزي (1/ 43)، والمخصص (1/ 391)، ولسان العرب (2/ 209)، وتيسير العلام شرح عمدة الأحكام (1/ 228).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 73).
(4)
هذا إذا لم يكن ظرفًا ولا جارًا ومجرورًا، فإنه يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما. انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني (1/ 315). وقال ابن هشام: "إنما يمتنع تقدم معمول المصدر عليه إذا قُدِّر المصدر بحرف مصدري وفعل". انظر: مغني اللبيب (ص 569)، وحاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (4/ 17).
وفي قوله: "نظرَة" تنبيه على قِلَّتها، وأنَّ النّظر لم يتكرّر منه.
وأفادَت "إلى" معنى الانتهاء، أي:"انتهاء نظره صلى الله عليه وسلم فيها إلى أعلامها"، فكأنّ الذي كَره منها صلى الله عليه وسلم إنما هو تزينها بالأعلام، ولولا ذلك لقال:"فنظر أعلامها".
ومن تغيُّر المعنى مع حروف الجر: ما ذَكَره الثعالبي، قال: سمعتُ والي خوارزم أبو العبّاس مأمون بن مأمون يقول: "همّتي كتاب أنظر فيه، وحبيب أنظر إليه، وكريم أنظر له"(1).
قوله: "فلمّا انصرف": "لمّا" حرفُ وجوب لوجوب، أو وجُود لوجود، عند سيبويه ومَن تبعه. وذَهَب الفَارسيُّ ومَن تبعه إلى أنها ظرف بمعنى "حين"، وتقدّم الكلام عليها في الحديث الرّابع من "باب المذي".
قوله: "قال اذهبوا": جملة "اذهبوا" مفعُول القَول، والقَول جوابُ "لمَّا".
و"الباء" في قوله: "بخميصتي" باء الحال، أي:"اذهبوا مصحوبين بخميصتي". ويحتمل أن تكون "باء" التعدية، أي:"أذْهِبوا خميصتي".
ذَكَر الوجْهين أبو حيّان عند قوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} [يوسف: 93](2).
و"هذه"(2) نعتٌ للخميصة، ويحتمل البَدَلية.
قوله: "وائتوني بأنبجانية أبي جهم": أوقَع الظّاهر موقع المضمَر، ولو قال:"وائتوني بأنبجانيته" صحّ، كما جاء في بعض طُرق هذا الحديث (3).
قوله: "فإنها": الضّمير يعود على "الخميصة"، وجملة "ألهتني" خبر "إنَّ".
(1) انظر: المقتطف من أزاهر الطُرف (ص/ 96).
(2)
انظر: البحر المحيط (6/ 322).
(3)
رواه أبو داود (914)، وابن ماجه (3550).
و"آنفًا" جاء فيه القصر والمدّ، وهما اسما فاعل، ولم يُستَعمل فعلهما، والمستعمل:["ائْتَنف"](1)(2).
قال أبو حيّان في قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: 16]: تقديره: أي: "مؤتنفا"، أي:"مبتدئًا"، وهذا منصوبٌ على الحال، وأعرَبَه الزّمخشري ظرفًا (3)، أي:"السّاعة"(4).
قال أبو حيان: ولا أعلم أحَدًا من النّحويين عدَّه من الظروف (5).
قلت: وإن لم يعدَّه أحَد، فالمعنى عليه هنا، لا يصحّ خلافه، إلا أنْ تُقدّر:"أنها ألهَت عند ابتداء الصلاة"، فيكون حَالًا، أي:"ألهتني عن صلاتي مؤتنفًا للصلاة"، وفيه خروجٌ عن الظّاهر، وتكلُّف لا يخفى.
والعاملُ في "آنفًا": "ألهتني".
ويحتمل أن تكون "صلاتي" المجرور بعد "آنفًا". وحرف الجر يتعلّق بـ "ألهتني". ولا يمتنع عمَل المصدَر غير المنحلّ إلى "أنْ" والفعل فيما قبله، على المختار عند أبي حيّان ومُوافقيه (6)، وتقدم ذلك في الحديث الثّاني من أوّل الكتاب، لكنه عامِلٌ معنوي، والعاملُ المعنوي لا يتقدّم عليه الحَال عند البصريين، بخلافِ الظّرف (7).
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "ائتنفت".
(2)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (9/ 456)، واللباب في علوم الكتاب (17/ 447)، والدر المصون (9/ 695، 696).
(3)
انظر: الكشاف (4/ 322).
(4)
انظر: البحر المحيط (9/ 467، 468).
(5)
انظر: البحر المحيط (9/ 468).
(6)
قال أبو حيان رحمه الله: "ومعمول المصدر المنحل لحرف مصدري والفعل لا يتقدّم على عامله". انظر: البحر المحيط (2/ 41).
(7)
انظر: الكافية في علم النحو (ص 24)، وشرح ابن عقيل بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (2/ 271 - 273)، وشرح المفصل (2/ 42).
ويحتمل أن يتعلّق بـ "ائْتوني" أو "اذهبوا"، أي:"اذهبوا السّاعة"، أو:"ائتوني السّاعة". ولولا الفصل الكبير يُضعِفه لكَان حَسَنًا، وكذلك [يضعفه الفصْل](1) بين متعلّق معمول "إن" بأجنبي، ويُسوّغه كوْنه ظَرفًا، والعَرَب تتّسع في الظّروف بالتقديم والتأخير.
والوَجْه ما تقدّم من تعلّقه بـ "ألهتني". ومتى علّقت بـ "ائْتوني" أو بـ "اذهبوا" دخَل التّنازع بين الفعلين، وإن أُدخل في التنازع "صلاتي" جَرَى على الخلافِ في تنازع عَوامل المعمُول مُتقدّمًا عليها. والله أعلم.
***
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).