الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوتر
[الحديث الأوّل](1):
[123]
: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر، مَا ترَى فِي صَلاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ:"مَثْنَى، مَثْنَى، فَإذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى".
وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". (2)
جملة "سأل رجل" معمولة للقول، وتقدّم القول على "سأل" في الحديث الثاني عشر من "باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم".
و"النبي" مفعول بـ "سأل".
وجملة "وهو على المنبر": في موضع الحال من "النبي صلى الله عليه وسلم".
و"ما ترى": "م" ههنا استفهام في موضع نصب بـ "ترى"، أيْ:"أيَّ شيء ترى؟ ". و"ترى" من الرأي؛ فيتعدّى لواحد، وهو "ما"، والجملة مفعول لـ "سأل". ومتى كان المفعول اسم استفهام، أو اسم شرط، أو "كم" الخبرية وجَب تقديمه (3).
وتقدّم أن "سأل" - وحكمها حُكم أفعال القُلوب - تُعلَّق عن العمل بالاستفهام، وإنما كان ذلك؛ لأنها سبب العلم، فأجرى السّبب مجرى المسبَّب (4)، قال تعالى:{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: 40].
(1) سقط من النسخ.
(2)
رواه البخاري (998) في الوتر، ومسلم (751) في صلاة المسافرين.
(3)
انظر: شرح ابن عقيل (2/ 97)، والتعليقة على كتاب سيبويه (1/ 300)، وتفسير القرطبي (3/ 27).
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 355، 2/ 349، 10/ 246).
قوله: "قال: مَثْنَى مثنى": خبر مبتدأ، أيْ:"هي مثنى"، و "مثنى" الثاني تأكيد للأوّل، ولو اكتفى بأحَد اللفظين أجزأ عن الآخر، كقوله تعالى:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، ولكنه أكَّد، كقولك:"ضربتُ زيدًا زيدًا"، فجَمَع بين الاختصار في العَدل، والتأكيد بالتكرار، والله أعلم. وهو لا ينصرفُ للعَدْل الحقيقي عن اثنين اثنين، وللصّفة (1).
وأجاز صرْفه الفرّاء، وصرَفَها الخليل وأبو عمرو إذا كانت نكرات، وأنشَدُوا [على ذلك] (2):
وَإنَّ الغُلامَ المُسْتَهَامَ بذِكْرِهِ
…
قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بين مَثْنًى وَمَوْحَدِ (3)
أي: "الذي يستهام بذكْره".
وقيل: هذا شاذ، لا يقاس عليه. والمنع أولى.
واختلف في علّة منع الصّرف: فمذهب سيبويه ما تقدّم. وقال الفراء: يمتنع للعَدل والتعريف بنية "ال". وقال الزَّجَّاج: والمنع؛ لأنها معدولة عن مؤنث؛ لأنّ الأصل: "اثنين اثنين"، و "ثلاثة ثلاثة"، و"أربعة أربعة"، وهذه كُلها مؤنثات. وقيل: المنع؛ لتكرار العَدل؛ لأنّه عدل عن لفظ "اثنين" وعن معناه؛ لأنه لا يُستعمل في موضع يُستعمل فيه الأعدَاد غير المعدولة؛ ولهذا تقول: "جاءني اثنان"، ولا تقول:"جاءني مثنى"، حتى يتقدّمه جمع؛ لأنّه وأخواته جعل بيانًا لترتيب الفعل، فإذا قلت:"جاءني القوم مثنى"، أفاد أنّ ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين، بخلاف غير المعدولة فإن الغرض منها إنما هو الإخبار عن مقدار المعدود دون غيره، فقد بان اختلافهما في المعنى.
وذكر أبو حيان وجوهًا أخرى في العدل. وهذه الألفاظ إنما تأتي أخبارًا كما
(1) انظر: اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 514)، واللمع (ص/156).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 254)، تفسير الطبري (7/ 544).
جاءت هنا، أو أحوالا كما في قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء 3]، فـ "مثنى" حال من "ما" وهو الصحيح، وقيل: حال من النساء. وتأتي صفات نحو قوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ} [فاطر 1](1).
قوله: "فإذا خشي الصبح" فاعل "خشي" مقدر مفهوم، أي: خشي أحدكم الصبح، وهنا محذوف آخر تقديره: إذا خشي أحدكم على وتره ظهور الصبح.
قوله: "صلى واحدة" جواب "إذا"، وهو العامل فيها عند الأكثرين، وقيل: فِعلُها إنْ قدرتها شرطًا عاملًا في الفعل (2). وتقدّم الكلام على "إذا" وفعلها وجوابها والعامل فيها في الحديث الثّاني من الأوّل.
قوله: " [واحدة] (3) ": أي: "صلى ركعة واحدة".
وتقدّم أنّ "صلى" يتعدّى إلى مصدر هو ظرفه، أو يتضمّن معنى ما يتعدّى إلى مفعول. وتقدّم ذكر المواضع التي لا يجوز فيها حذفُ الموصوف، في الثّاني من "باب التيمم".
قوله: "فأوترَتْ": "الفاء" سَببية، أي:"صلى واحدة فصلاتها أوترت ما صلى"، فالمقدَّر مبتدأ، وجملة "أوترت" خبره.
ويحتمل أن تكون "أوترت" في محلّ "توتر"، فأوقَع الماضي موضع المستقبل، كقوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل 1]، وفي ذلك تحقيق للحُكم.
و"ما" موصُولة، وجملة "صلى" صِلتُها، والصِّلة والموصُول في محلّ مفعول "أوترت"، والعائد محذوف، تقديره:"أوترت ما صلاه"، والفاعل مستتر يعود على
(1) انظر تفصيل أقوال النحاة حول "مثنى" في: البحر المحيط (3/ 488 - 490)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (2/ 9)، والكتاب (3/ 225)، والصبان (3/ 349).
(2)
انظر: الجنى الداني (ص/ 369).
(3)
غير واضحة بالأصل.