الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثّاني:
[212]
: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ [نَعْلَيْنِ] (1) فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ". (2)
قوله: "سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم": تقَدّم الكَلامُ على "سَمعتُ" في أوّل حَديثٍ من الكتاب، وهُو هُنا تعَلّق بالذّوات؛ فلَك في جملة "يخطُب" وَجْهَان: الحال، وهو المختارُ عند المتأخّرين، والنصب على المفعولية، وهو اختيار الفارسي ومَن وافقه. (3)
قوله: "بعَرَفَات": هو اسمُ جَبَل، وهو مُؤنّث، [حَكَى سيبويه] (4):"هذه عَرفاتٌ مُبارَكًا فيها". وهي مُرادفة لـ "عَرَفة"، وقيل: إنها جمعٌ. فإنْ عنى في الأصل فصَحيح، وإن [عنى](5) حالة كونها عَلَمًا فليس بصحيح؛ لأنّ الجمعية تنافي العَلَمية. (6)
وقَال قَومٌ: "عرفة" اسمُ اليوم، و"عرفاتٌ"[اسمُ](7) البقعة. (8)
والتنوينُ في "عَرفَات" ونحوه تنوين مُقَابَلَة، وقيل: تنوينُ صَرْف. واعتَذَر عن
(1) بالنسخ: "النعلين". والمثبت من "العمدة"(ص 151)، وعليه الشرح.
(2)
رواه البخاري (5804)، (5853) في اللباس، ومسلم (1178) في الحج.
(3)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (3/ 472، 473)، (7/ 446، 447)، (8/ 163)، إرشاد السّاري (8/ 188)، (9/ 401)، (10/ 15)، شواهد التوضيح والتصحيح (ص 182)، شَرح التسهيل (2/ 84).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(6)
انظر: البحر المحيط (2/ 275).
(7)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(8)
انظر: البحر المحيط (2/ 275).
كَونه مُنصرفًا مع التأنيث والعَلَمية بأنّ التأنيث إن كان بـ "التاء" التي في اللفظ - كـ: "طَلحة" - فالتي في "عَرَفات" ليست للتأنيث، وإنما هي مع "الألف" التي قبلها عَلامَة جمع المؤنّث. وإن كان بالتقدير، كـ "سُعَاد"؛ فلا يصحّ تقْديرها في "عَرَفات"؛ لأنّ هذه "التاء"[لاختصاصها](1) بجَمْع المؤنّث مانعة من تقْديرها، كما لا تُقدّر "تاء" التأنيث في "بنت"؛ لأنّ "التاء" التي هي بَدَل من "الواو" لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث تمنع من تقديرها. (2)
وأجرى "عَرَفات" في القُرآن مجرَى ما لا يُسَمّ [به](3)، مِن إبقاء التنوين في الجر، ويجُوز حَذْفه حَالة التسمية. (4)
وحَكَى الكُوفيون والأخفش إجراءَ ذلك وما أشبهه مجرَى "فَاطمة". من كَلام أبي حيّان. في "المجيد". (5)
قوله: "مَن لم يجد نعلين": أي: "يقُول في خُطبته هذا الكَلام"؛ فهو معمُول لقَول مُقدّر، لا لـ "يخطُب" المذكُور.
وجملة "يقُول" في محلّ الحال من ضَمير "يخطُب". وتقَدّم الكلام على "يخطب" في الحديث الرّابع من "صَلاة الجمعة".
قوله: "مَن لم يجد نعلين": "مَن" شَرطيّة، في محلّ رَفع بالابتداء، و"لم" حَرفُ جَزْم. و"يجد": مُضَارع "وَجَد"، تقَدّم الكَلام على "وجَد" في الثّاني من "باب الاستطابة"، وهي هُنا المتعدّية لواحد؛ لأنها بمعنى "يُصِب"؛ فـ "نَعْلين" مفعُوله.
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: البحر المحيط (2/ 275).
(3)
كذا بالنسخ. وفي "البحر المحيط"(2/ 275): "فاعله".
(4)
انظر: البحر المحيط (2/ 275).
(5)
انظر: البحر المحيط (2/ 275).
وخَبرُ "مَن" فِعلها، وقيل: جوابها، على مَا تقَدّم.
قوله: "فليلبس الخفين": جملة من فِعْل وفَاعِل ومفعُول، جَوابُ "مَن".
وإنما نَكّر "النعلين" اللذين أمر بقطْعهما أسْفَل من الكعبين، وكذلك لم يذكر هنا مُوجَب الإباحة، وهو القَطْع، فكَأن التعريفَ لمعْهُودٍ في الذّهن.
قوله: "ومَن لم يجد إزارًا": مِثْل مَا تقَدّم. و"لم" تقَدّم ذِكْرها في الحديث الثّالث مِن "باب المذْي". و"الإزار": "ما يئتزر به".
قَال "ابنُ الأثير": في حَديث بيعة العَقَبة " [لَنَمْنَعَنَّك] (1) مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنا"(2)، أي:"نساءنا وأهلنا"، كنّى [عنهم] (3) بـ "الأُزُر". وقيل: أراد "أنفسنا"، وقد يُكنّى عن "النّفس" بـ "الإزار". ومنه حَديث عُمر: "كُتب [إليه](4) من بعض البعوث أبياتٌ في صحيفة:
ألا أبْلِغْ أبا حفْصٍ رَسُولًا
…
فِدًى لَكَ مِنْ أَخى ثِقَةٍ إِزَارِي" (5)
أراد: "أهْلي ونفسي". (6)
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "نمنعك".
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 460 وما بعدها/ برقم 15836)، والطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 87 وما بعدها، برقم 174)، من حديث كعب بن مالك. قال في "مجمع الزوائد" (6/ 45):"رواه أحمد، والطبراني بنحوه، ورجالُ أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرّح بالسماع".
(3)
كذا بالنسخ. وفي "النهاية"(1/ 45): "عنهن".
(4)
غير واضحة بالنسخ.
(5)
البيتُ من الوافر، وهو لنُفَيْلَة (أو: بقية) الأكبر الأشجعي، وكنيته أبو المنهال. انظر: لسان العرب (4/ 17، 18)، تاج العروس (10/ 45)، المعجم المفصل (3/ 409).
(6)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 45).
قلتُ: قَالَ أبو عَليّ الفَارسي: "الإزارُ" هُنا "المرأة"، وهو إغراءٌ، بتقدير:"احفظ إزاري". (1)
وقَال ابنُ قتيبة: "الإزارُ" هُنا "النّفس"، وهو خَبرُ "فِدًى". (2)
وقال السّهيلي: وقولُ الفارسي بعيدٌ عن الصّواب؛ لأنّه أضمر الخبر والفعل الناصب، ولا دَليلَ عليه؛ لبُعْده. (3)
وبَعْد هذا البيت:
قَلَائِصَنَا هَدَاك اللهُ [إنّا](4)
…
شُغِلْنَا عَنكُمْ زَمَنَ الْحِصَارِي (5)
قوله: "فليلبس سَراويل": تقَدّم الكَلام على "سَراويل" في الحديث قبل هذا. و"سَراويل" مفعُول "فليَلبس"، وهو لا ينْصَرف؛ لأنّه على صيغة مُنتهى الجمُوع. وقيل: هُو أعْجَمي، حمِل على مُوازنه، وقيل: جمع " [سروالة] (6) " تقديرًا. (7)
قُلتُ: وَرَد في بعْض طُرق هَذا الحديث (8) بعد قوله "فليلبس سَراويل":
(1) انظر: الصّحاح للجوهري (2/ 578)، لسان العرب لابن منظور (4/ 18)، تاج العروس للزبيدي (10/ 45).
(2)
انظر: غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 23، 24)، تاج العروس (10/ 45).
(3)
انظر: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، شرح السهيلي (ط إحياء التراث، 4/ 72)، تاج العروس (10/ 45).
(4)
كذا بالنسخ. وفي "الروض الأنف"(4/ 72): "مهلا".
(5)
انظر: غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 22)، لسان العرب لابن منظور (4/ 17)، المعجم المفصّل (3/ 413).
(6)
بالنسخ، وبشَرح التصريح (2/ 320):"سراوله"، ولعله نظر إلى لفظ:"مُوازنه"، فقاس عليها. وانظر: الكافية (ص 13)، والمصباح (1/ 275)، وغيرهما.
(7)
انظر: عمدة القاري (4/ 72)، إرشاد الساري (3/ 310)، (8/ 422)، الإعلام لابن الملقن (6/ 34)، الكافية في علم النحو (ص 13)، شرح التصريح (2/ 320، 321)، شرح الأشموني (3/ 149)، اللمحة (2/ 756)، المصباح (1/ 275).
(8)
البخاري (1841).