الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرّابِع:
[222]
: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحجَرِ الأَسْوَدِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ:"إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"(1).
قوله: "أنّه جَاءَ": الضّميرُ في "أنّه" يعُود على "عُمَر"، وفُتِحَت "أنّ" لأنّها معْمُولة للعَامِل في "عَن" (2). و"جَاءَ" أصْلُه:"جَيَأ"، تقَدّم الكَلامُ عليه في الحديث الثّامِن مِن "بَاب الصّوْم في السّفَر".
قوله: "إلى الحَجَر الأسْوَد": يتعَلّق بـ "جَاءَ". و"إلى" تقَدّم الكَلامُ عَليها في الحديثِ الثّاني مِن "بَاب الوتر".
و"الحجَر الأسْوَد" جَاءَ في الحديثِ: أنّه "وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا أنّ اللهَ طَمَسَ نُورَهُمَا [لأَضَاءَتا] (3) مَا بَيْنَ المشْرِق والمَغْرِب"(4). وفي الترمذي: أنّه "كان أَشَدّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ"(5)، وجَاء: "خَطَايَا
(1) رواه البخاري (1597)، كتاب الحج، و (1605)، ومسلم (1270/ 248 - 251)، كتاب الحج.
(2)
راجع: شرح المفصل (4/ 531)، اللمحة (2/ 552)، الجمل في النحو (ص 268)، علل النحو (ص 446)، شرح التسهيل (2/ 18 وما بعدها)، المقدمة الجزولية (ص 121)، توضيح المقاصد والمسالك (1/ 563)، حاشية الصبان (2/ 43، 327)، همع الهوامع للسيوطي (2/ 446).
(3)
بالنسخ: "لأضَاء". والمثبت من المصادر.
(4)
رواه الحاكم في مستدركه (1677)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ومختصرًا (1678) من حديث أنس. وصحّحه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزياداته"(3559).
(5)
رواه الترمذي (877)، من حديث ابن عباس، وقال:"حسَنٌ صَحيح". وصحّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة"(2618)، وكذا صحّحه في "صحيح الجامع الصغير وزياداته"(6756).
المُشْرِكِين" (1).
وأوْرَد بعضُهم سُؤَالًا، وقَالَ: فما بَاله لا يُبيّضه توحيد المؤْمِنين؟
وأجَابَ ابنُ قُتيبة، فقَالَ: لَو شَاءَ الله لكَان ذَلك. ثُمّ أمَا عَلِمْت أيّها السَّائل أنّ السّوادَ يَصبِغ. ولا يُصبَغ، والبياضُ يُصبَغ ولا يَصبِغ؟ ! (2)
و"الأسْوَد" صِفَة للحَجَر، وهُو لا ينْصَرف للصِّفَة والوَزْن، وإذا دَخَلَه الألِف واللام انصَرَف (3)، وقَد تقَدّم ذَلك.
قوله: "فقَبّلَه": معْطُوفٌ على "جَاءَ". و"القُبْلَة" مِن "التقبيل"، يُقَال:" [قبّله] (4) تقْبيلًا". (5)
قوله: "وقَالَ": معْطُوفٌ على "قَبّل".
قوله: "إنّي لأعْلَم أنّك حَجَرٌ": "إنّ" واسمها. و"إنّي" الأصْلُ فيها "إنّني"، حُذِفَت "النّون" الوسْطَى، لا "نُون" الوقَاية. (6)
و"لأَعْلَم" الخبَر، و"اللامُ" الدّاخِلَة في خَبر "إنّ" تُسَمّى "المزحلقة"
(1) رواه أحمد (2796)، وابن خزيمة في صحيحه (2734)، من حديث ابن عباس. وصحّحه الشيخ الألباني في "الصحيحة"(2618).
(2)
انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري (ص 415)، الإعلام لابن الملقن (6/ 196).
(3)
راجع الكتاب (3/ 283)، شرح المفصل (3/ 137)، اللمحة (2/ 909).
(4)
غير واضحة بالنسخ، وتظهر كأنها:"فيه"، أو:"منه". ولعل الأصوب المثبت.
(5)
انظر: الصّحاح (5/ 1795).
(6)
انظر: البحر المحيط (9/ 306)، إرشاد الساري للقسطلاني (7/ 263)، مشكلات موطأ مالك بن أنس لابن السيد البطليوسي (ص 78)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 218)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 450)، شرح المفصل (2/ 348)، أوضح المسالك (1/ 117)، الهمع (1/ 255).
و" [المزحلفة] (1) "؛ لأنّ محلّها كَان قَبْل "إنّ"، فزُحلقت لئلا يجتمع حَرْفَان لمعنى، وكَانت "اللام" أوْلَى بالتّأخير؛ لأنّ "إنّ" عَامِلَة، و"اللام" غَير عَامِلَة، وتَقَدّم الكَلامُ عَليها، وفائدتها [التأكيد](2). (3)
وجَعَل بعضُهم هذه "اللام" تخلّص الفِعْل المضَارع للحَال.
واعترض ذلك ابن مالك بقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النحل: 124]، و {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} [يوسف: 13]. (4)
وأجيبَ عَن ذلك: بأنّ الحُكْم في ذلك اليوم واقِعٌ لا محالة؛ فنزل منزلة الحاضر المشاهد، و {أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} [يوسف: 13] يُقدَّر: "وإنني ليحزنني قَصْد أنْ تذهبوا به". (5)
وتدخُل هَذه "اللام" في موضِعين، أحدهما: المبتدأ، نحو قوله تعالى:{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} [الحشر: 13]. والثاني: بعد "إنّ".
ولها ثلاث مواضع: -
الاسم، نحو:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (6)[إبراهيم: 39].
(1) بالنسخ: "المزلحقة". والتصويب من المصادر. وانظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (7/ 431)، شرح التصريح (1/ 311)، مغني اللبيب (ص 304).
(2)
يظهر منها بالأصل: "التأ". وسقط من (ب). وأخذت من المصادر.
(3)
انظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (7/ 431)، إرشاد الساري (10/ 326)، مُغني اللبيب (ص 304)، اللمع في العربية (ص 42)، شرح المفصل (4/ 533، 534)، شرح ابن عقيل (1/ 362 وما بعدها)، أوضح المسالك (1/ 333)، شرح الأشموني (1/ 305 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 311).
(4)
انظر: شرح التسهيل (1/ 22)، مُغني اللبيب لابن هشام (ص 300، 301، 302)، الهمع للسيوطي (1/ 38).
(5)
انظر: مُغني اللبيب (ص 300 وما بعدها).
(6)
بالنسخ: "ربك".
والمضَارع؛ لشبهه به، نحو:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [النحل: 124].
والظرف: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1)[القلم: 4].
وتدخُل على ثلاثة باختلاف (2)، أحدها: الماضي الجامِد، نحو:"إنّ زيدًا لعَسَى أنْ يقُوم"، أو:"لَنِعْم الرّجُل".
الثاني: الماضي المقرون بـ "قد"، قاله الجمهور.
الثالث: الماضي المتصرف المجرّد مِن "قَد"، أجَازَه الكسائي على إضمار "قد"، ومنعَه الجمهُور، نحو:"إنّ زيدًا لَقَام"، فمَتى وجدت مع الماضي جَعَلوها "لام" القَسَم. (3)
فإنْ تقَدّم فِعْل مِن أفعَال القُلوب فُتِحَت "أنّ"؛ لأنها ليست "لام" الابتداء الموجِبة لكَسْر "إنّ"، نحو:"عَلِمتُ أنّ زيدًا لَقَام". (4)
واختُلف في دخُولها في الخبر المقَدّم - نحو: "لقام زَيد" - وعلى الفعل المضَارع، نحو:"ليقوم زَيد"، انظر تمامه مبسُوطًا في "المغني" لابن هشام. (5)
قوله: "أعْلَم": فِعْلُ مُضَارع، وفَاعِلُه مُستتر ضَمير المتكَلّم. و"أنّك": مفتوحة،
(1) بالنسخ: "إنك".
(2)
أي: مع وجود اختلاف بين النحويين.
(3)
انظر: مُغني اللبيب (301، 305، 306)، أوضح المسالك (1/ 336، 338)، شرح الأشموني (1/ 309، 310)، شرح التصريح (1/ 311، 312، 313، 315).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص 302)، شرح الأشموني (1/ 310)، شرح التصريح (1/ 313)، توضيح المقاصد والمسالك (1/ 531).
(5)
انظر: مغني اللبيب (ص 302)، الجنى الداني (ص 125)، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 333)، شرح الأشموني (1/ 309، 311)، شرح التصريح (1/ 311، 312)، النحو الوافي (1/ 660).
سَدّت مسَدّ مفعُولي "عَلم". ويجوز في "أعْلَم" هُنا ما جَاز في قوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ} [البقرة: 33](1).
قَال "مكي" و"المهدوي": يجوز أن يكون "أعْلَم" اسم فَاعِل بمعنى "عَالم"، وما بعْدَها في محلّ نصْب أو جَر. (2)
قلتُ: فيكُون التقدير هُنا: "إني عَالم بأنّك حَجَر"؛ فتكون "أنّ" في محلّ نصْب أو جر على الخلاف.
قَالَ أبو حيّان: هَذا مَردودٌ، لا يجيء إلّا على مَذهب مَن يجيز "أفْعَل" بمعنى "فَاعِل"، وقَال [به](3) أبو عُبيدة، وخَالَفه النّحويون، وقالوا: لا يخلو "أفعَل" مِن التفضيل. وقد وَقَع في كَلام بعض المتأخّرين أنّها تخلو منه، وبنوا عليه جَواز "يوسف أحْسَن إخوته".
وذَكَر بعضُهم في جَواز اقتباسه خِلافًا مبنيًا على أنّه مسمُوع مِن كَلام العَرَب؛ قال: واستعماله عَاريًا دون "مِن" مجرّدًا عَن مَعنى التفضيل [مُؤوّلًا](4) باسم فَاعِل أو صِفَة مُشبّهة مُطّرد عند أبي العَبّاس (5)، والأصَحّ قَصْره على السّمَاع.
ولو سُلِّم وجُوده عَاريًا عن التفْضيل فالقَائِلُون بذَلك لا يجيزون إعْماله عَمَل اسْم الفَاعِل، خِلافًا لبعْضِهم.
والصّحيحُ: مَا ذَهَب إليه الجمهُور أنّ "أفْعَل" لا تخلو عن التفضيل؛ لأنه لم
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 242).
(2)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (1/ 232، 242)، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي (6/ 4361).
(3)
سقط بالنسخ. والمثبت من البحر المحيط.
(4)
بالنسخ: "مؤول". والمثبت من البحر المحيط.
(5)
هو المبرد.
يُسْمَع، ولو سُلِّم فإنْ جَاء منه شيء فهو نَادِرٌ لا يُقَاسُ عليه، ولو سُلِّم فلا يَعْمَل؛ لأنه لم يُسْمَع، وكيف نثبت قانونًا كليًّا لم يُسْمَع مِن العَرَب شيء من إفراد تركيباته؟ إذ لا يحفظ:"هذا رجلٌ أَضْرَبُ عمرا"، بمعنى:"ضَارِبٌ عمرا"، ولا:"هذه امرأة أَقْتَلُ خالدًا"، أي:"قَاتِلَةٌ خالدًا". (1)
قَال أبو حيّان: وأجَاز بعضُهم في "أعْلَم" هُنا - يعني: في الآية - أنْ تكون "أفعَل" التفضيل، والتقدير:"أعْلَم منكم"، و"مَا"[مفعولة](2) بفِعْل محذُوف يدُلّ عليه "أعْلَم"، أي:"علمت، وأعْلَم ما لا تعلمون". (3)
قَالَ أبو حيّان: وهُو بَعيدٌ؛ لأنّ فيه حَذفين مِن غير احتياج إليهما. (4)
قلتُ: وتقديرُ "أعْلَم" هنا "أفعَل" أسْهَلُ منه في الآية؛ لأنّ التقدير: "إني لأعْلَم النّاس بأنّك حَجَر لا تضُر ولا تنفَع"، وحَذْفُ المضَاف إليه في الكَلام [كثيرٌ](5) أسْهَل مِن حَذف "مِن" التي هي مِن صلة "أفعَل" ومِن تمامه (6).
قوله: ["لا تضُر ولا تنفَع"](7): صِفَتَان لـ "حَجَر"، كقَوله تعالى:{لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68]، والصِّفة إذا كانت مَنفيّة بـ "لا" وَجَبَ تكْرَار "لا"، ولا تكُونُ غير مُكرّرة إلا في الشِّعر. (8)
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 233، 242)، توضيح المقاصد (2/ 939)، شرح المفصل (2/ 162)، شرح الأشموني (2/ 306، 308)، الهمع (3/ 97).
(2)
كذا بالأصل. وفي "البحر المحيط": "منصوبة".
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 232).
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 233).
(5)
بالنسخ: "كثيرًا".
(6)
انظر: تفسير النسفي (2/ 346)، الكتاب لسيبويه (2/ 347)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 221).
(7)
بالنسخ: "لا تنفع ولا تضر".
(8)
انظر: البحر المحيط (1/ 406)، مغني اللبيب (ص 321).
وجَعَلَه بعضُهم مِن [وَصْف المُجْمَل](1)، على حَذف مُبتدأ، أي:"لا هي فارض. . .". واستُبعِد؛ لأنّ الأصْلَ الوصْف بالمفرَد، والأصلُ عَدَم الحذْف. (2)
قلتُ: ويُسوّغ هَذا التقدير هُنا، أي:"لا أنت تنفع، ولا أنت تضُر"، لكنّه يَذهَب بعُذُوبة الكَلام.
قوله: "ولَولا أني رأيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم": "لَولا" حَرفُ امتناع لوجُود، ولا يقَع بعْدَها إلا المبتدأ، ويجب حذفُ الخبر معها حيث يُعلَم. (3) وقد تقَدّم الكَلامُ عليها وعلى المواضع التي يجب حَذف المبتدأ فيها في "باب السواك"، وفي الثّالث من "باب استقبال القبلة". وتقَدّم الكَلامُ على "رأى". والتقديرُ هنا:"لولا تقبيلُ النبي صلى الله عليه وسلم ما قبّلتك".
فـ "أنّ" في محلّ رَفْع بالابتداء، وجملة "رأيتُ" خَبر "أنّ"، وجملة "يُقبّلك" في محلّ حَال مِن اسْم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، والرّؤيَة بَصريّة.
و"مَا قَبّلتُك": جَوَابُ "لَوْلَا".
(1) في "البحر المحيط": "الوصف بالمجمل". وفي (ب): "وصف الجمل".
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 406).
(3)
انظر: الإعلام لابن الملقن (1/ 551)، الصاحبي (ص 119)، المفصل (ص 432)، شرح الكافية الشافية (3/ 1650)، الجنى الداني (ص 599 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (1/ 173)، (3/ 1307)، مغني اللبيب (ص 359، 360)، شرح التصريح (2/ 431)، شرح المفصل (2/ 342)، (5/ 90)، شرح التسهيل (1/ 283)، تاج العروس (40/ 486)، جامع الدروس العربية (3/ 258).