الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابنُ المنير: أبطَلَ القَاضي والشّيخ (1) حمل "اليدين" على القُدرَة بأنّ "اليدين" تثنية، وقُدْرَة الله واحدة. وأبطلا الحمْل على النعمة بأنّ نِعَم الله لا تحصى، فكيف يُعبّر عنها بالتثنية؟ (2)
وقال ابنُ عَطيّة: عن القَاضي: إنّ هذه صِفَة ذَات، وضَعّفه، وتأوّله بمعنى القُدْرَة. (3)
الحديث الرابع:
[214]
: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [أَنْ تُسَافِرَ] (4) مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا حُرْمَةٌ". (5)
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: "تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". (6)
تقَدّم ذِكْر مُتعلّق حَرْف الجر، وتقَدّم أنّ جملتا "صلى الله عليه وسلم" و"رضي الله عنه" لا محلّ لهما حيث وقعتا، وتقَدّم ذِكْر الجمَل التي لا محلّ لها في الحديث [الأوّل مِن](7) الكتاب.
و"قَالَ" الثّانية معمُولة لـ "قَالَ" الأوْلى، والأوْلى معمُولة لمتعلّق حَرْف الجر،
= منهم الشعبي، وابن المسيب، والثوري: نؤمن بها ونقر كما نصت، ولا نعين تفسيرها، ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث مَن لم يمعن النظر في لسان العرب".
(1)
المراد بالشيخ: أبو الحسن.
(2)
انظر: حاشية ابن المنير على تفسير الزمخشري (4/ 106)، تفسير الزمخشري (1/ 656)، البحر المحيط لأبي حيان (4/ 315)، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص 122)، مرعاة المفاتيح (1/ 175).
(3)
انظر: تفسير ابن عَطية (2/ 215، 216)، البحر المحيط (4/ 315).
(4)
بالنسخ: "تسير". والصّواب المثبت.
(5)
رواه البخاري (1088) في تقصير الصلاة، ومسلم (1229)(421) في الحج.
(6)
هذا اللفظ ليس للبخاري، وإنما هو لمسلم بمعناه (1389)(420).
(7)
تكرار بالنسخ.
وجملة "لا يحلّ لامْرأة" معْمُولة لـ "قَالَ" الثّانية، و"لا" نافية، وتقَدّم ذِكْر "لا" النافية وأقْسَام "لا" في الثّاني مِن "باب الاستطابة".
ولا عَملَ لـ "لا" هُنا؛ لأنّ النفي لا عَمَل له في الفِعْل، بخلافِ النهي.
قوله: "لامرأة": يتعلّق بـ "يحلّ". وجملة "تُؤمِن" في موضع صفة لـ "امرأة"، و"بالله" يتعلّق بـ "تُؤمن".
و"اليوم" معطوفٌ على اسم "الله"، و"الآخِر" نعتٌ ما لليوم، وتقَدّم في الحديث الأوّل.
و"الآخِر" بكسر "الخاء": "بَعْد الأوّل"، وهو صِفَة؛ تقُول:"جَاء آخرًا"، أي:"أخيرًا"، والأنثى:"آخِرة"، والجمع:"أواخر". و"الآخَر" بالفَتْح: "أحَدُ الشيئين"، وهو اسمٌ على "أفعل"، والأنثى:"أُخْرَى". (1)
قوله: "أنْ تُسَافر": "أنْ" المصْدَريّة، وهي مَع الفِعْل بتقدير الفَاعِل، أي:"لا يحلّ سفر يوم".
قوله: "مسيرة": مصدرُ "سَار". يُقال: "سار"، "سيرًا" و"مسيرًا". (2) وهو هنا يحتمل أن يكُون ظرف زمان، أي:"زمن مسير يوم وليلة"، أو ظرف مكان، والتقدير:"أن تسافر مسافة يوم وليلة". وإن جعلته مَصْدرًا قَدّرت "تسافر" بمَعنى "تسير"؛ لأنّ السّفر مِن لازِمِه السّير. وتقدّم الكَلامُ على "مسيرة" في الحديث الثّالث من "التيمم".
قوله: "إلا ومعها حُرْمَة": التقدير: "إلّا أن تُسافر ومعها ذو حُرْمة"، فتكُون
(1) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 576)، المصباح المنير (1/ 7، 8)، لسان العرب لابن منظور (4/ 12، 13، 15).
(2)
انظر: المخصّص لابن سيده (3/ 303).
"أنْ" ومَا بعْدَها في محلّ الحال مِن ضَمير "تسافر"، أي:"إلّا في حَال سَفر يَوم وليلة". ويحتمل أنْ تكُون نعتًا لمصْدَر محذُوف، أي:"إلّا سَفرًا مع ذي حُرمة". ومعنى "حُرمة": "صَاحِب حُرْمة".
قال الشّيخُ تقيّ الدّين: إلّا أنْ [يستعملوا](1) لَفْظ "الحرمة" في غير معنى المحْرَميّة استعمالًا لُغَويًّا فيما يقتضي الاحترام؛ فيدخُل فيه الزَّوج لفظًا. (2)
قوله: "وفي لَفْظ البخاري": التقدير: "وجَاء في لفظ" أو "رُوي في لفظ"؛ فيتعلّق حرف الجر بالفِعْل المقَدّر. فإن كان المبني للمفعول كان جملة "تُسافر. . . إلى آخِره" في مَوضِع مفْعُول لم يُسَمّ فَاعِله. وإنْ قَدّرت "جَاء" كَان في محلّ فَاعِل، ويكُون الإسنادُ إلى اللفظ، لا إلى مَدْلُوله.
ويجوز أنْ [يكُون](3)"في لَفْظٍ" يتعَلّق بخَبر مُبتدأ محذُوف مُقَدّر بالجُمْلة كُلّها، و"البخاري" يتعلّق إمّا بصِفَة لـ "لفظ"، أو يتعلّق بـ "لَفْظ" بعَينه؛ لأنّه مَصْدَر فيه معنى الفِعْل.
قوله: "تُسَافر مَسيرة يَوْم إلّا مَع ذِي محْرَم": تقَدّم مِثْله في اللفظ والإعْراب. والله أعلم.
***
(1) بالأصل: "يستعملو في"، وفي (ب):"تستعمل في".
(2)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 56).
(3)
بالأصل: "كون". والمثبت من (ب).