الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فَسْخ الحَجّ إلى العُمْرَة
الحدِيث الأَوّل:
[237]
: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُةُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ [وَاحِدٍ](1) مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيُّ مِنْ الْيَمَنِ؛ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فأمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً؛ فَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ؛ فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: "لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ".
وَحَاضَتْ عَائِشَةُ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، [يَنْطَلِقُونَ](2) بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؛ فَأَمَرَ عَبْدَ الرحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ (3).
[قولُه](4): "أهَلّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصْحَابه بالحَجّ": الجُمْلَة معْمُولة للقَوْل، و"بالحَجّ" يتَعَلّق بـ "أهَلّ"، و"أصْحَابه" مَعْطُوفٌ عَليه.
قولُه: "وليس مَع واحِدٍ مِنْهُم هَدْي": جملة في محلّ الحَال مِن المعطُوف والمعطُوف عليه، و"هَدْي" اسمُ "ليس"، وخَبرهَا مُتعَلّق "مَع"، و"مِنْهُم" يتعَلّق بصِفَة لـ "وَاحِد".
(1) كذا بالنسخ. وفي البخاري (1651)، والعمدة (ط الثقافة، ص 167)، والعُمدة (ط المعارف، ص 120): " أحَدٍ".
(2)
في صحيح البخاري (1651)، والعمدة (ط المعارف، ص 120): "تَنْطَلِقُون". وفي البخاري (7230): "أتَنْطَلِقُون".
(3)
رواه البخاري (1651) في الحج، ومسلم (1213) في الحج.
(4)
بياضٌ بالأصل بقَدْر كَلمة، والرّاجح أنّها:"قوله".
وتقَدّم الكَلامُ على "لَيْس" في الحَديثِ الأوّل مِن "الحَيْض"، وعلى "مَع" في الحديثِ الأوّل مِن "المسْح على الخُفّين".
وَلَا يجُوزُ أنّ تتعَلّق "مِنْهُم" بصِفَة لـ "هَدْي"؛ لفَسَاد المعْنَى.
وتقَدّم مثل هَذَا التركيب في قَوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ على أكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"(1) في الحديثِ السّابع مِن "باب جَامِع"، فانظُر مَا قِيل فيه.
قولُه: "غَيرَ النّبِي صلى الله عليه وسلم": "غَير" نُصب بالاستِثْنَاء، وهُو الأصْلُ، ويجُوزُ فيه الجر على الصِّفَة لـ "وَاحِد"، وفيه بُعْدٌ، للفَصْل بَين الصِّفَة والموصُوف باسم "لَيس"، ولأنّه لَا يَبْقَى في الكَلامِ تَنْصيصٌ على أنَّ مَع النّبي صلى الله عليه وسلم هَدْي.
قولُه: "وطَلْحَة": معطُوفٌ على "النّبي"؛ فهو مخفُوضٌ، وعَلامَةُ الخفْض الفَتْحَة؛ لأنّه لا ينْصَرِف؛ للعَلَمِيّة والتّأنيث (2).
قولُه: "وقَدِم عَلَيٌّ مِن اليَمَن": جملةٌ مُستَأنَفَة، لا محلّ لها مِن الإعْرَاب، وتقَدّم ذِكْرُ الجُمَل التي لا محلّ لها في الحَديثِ الأوّل مِن الكِتَاب.
قولُه: "فقَالَ: أهْلَلتُ بما أهَلّ به النَّبي صلى الله عليه وسلم": يحتمل أنْ يكُون هَذا جَوَابًا لسُؤَال قيل له: "بم أهْلَلْت؟ فقَالَ: أهْلَلتُ بما أهَلّ به النبي صلى الله عليه وسلم"، والجمْلَة معْمُولَةٌ للقَول. ويحتمل أنْ يكُون إنْشَاء الإحْرام، و"مَا" مَوصُولَة بمَعْنى "الذي".
وقَد جَاء في البخَاري: "أنّ النّبي قال لعَليّ: بِمَا أهْلَلْت؟ فَقَالَ: أهْلَلْتُ. . . "(3)؛
(1) نصّه هناك: "عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يُصَلِّي أحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ". وانظر: العُمدة (ص 90).
(2)
راجع: المفصل للزمخشري (ص 35)، المغرب (ص 519)، تاج العروس (24/ 21، 22)، النحو المصفى (ص 47).
(3)
صحيحُ البخاري (1557، 1558، 1559)، من حديث جابر وأنس وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
ففيه دَليلٌ على أنَّه جَوَاب.
واستدلّ [به](1) ابنُ مَالك على ثبُوت "الألِف" مَع "مَا" الاستفهاميّة بعْد حَرْف الجر. (2)
قَالَ ابنُ مَالك: في حديثِ [سُرَاقَةَ بن](3) مَالِك بن جُعْشُم "مُرْنِي بِمَ شِئْتَ"(4) دَليلٌ على إجراء "مَا" الموصُولة مجرَى "مَا" الاستفهاميّة، في حَذْف ألِفِهَا إِذَا جُرّت، لكن يُشترَط كَوْن الصِّلَة "شَاءَ" وفَاعِلها، انتهى. (5)
و"الهَاءُ" في قَوْلِه "بِه" تعُود على "مَا".
قولُه: "فأمَرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم أصْحَابَه أن يجعَلُوها عُمْرَة": تقَدّم الكَلامُ على "أمَرَ" في الحديثِ الأوّل مِن "بَاب السِّوَاك".
وتقَدّم [في](6) العَاشِر مِن أوّل الكِتَاب فَرْق بَين "كَرِهْتُ خُروجَك" و"كَرِهْتُ أنْ تخرُج"(7).
والضّميرُ في قَوْله: "يجعَلُوهَا عُمْرَة" يعُود على الحجّة التي أحْرَمُوا بها، بمَعْنى أنّهم حَوّلُوا عَمَلَها إِلَى عَمَل العُمْرَة.
و"عُمْرة" مفْعُول ثَان لـ "جَعَلَ"، والتقدير:"أنْ يجعَلُوا عَمَلها عَمَل عُمْرَة".
(1) سقط من النسخ. ولا يستقيم المعنى إلا به.
(2)
انظر: شواهد التوضيح (ص 217). وراجع: إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص 114)، عقود الزبرجد (1/ 130)، (2/ 319، 320).
(3)
سقط من النسخ. والمثبت من "شواهد التوضيح".
(4)
صحيح البخاري (3911)، من حديث أنس، بلفظ:"بما". وذكر القسطلاني في إرشاد الساري (6/ 223) اختلاف النسخ.
(5)
انظر: شواهد التوضيح (ص 251).
(6)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(7)
انظر: نتائج الفكر في النحو (1/ 97).
وتقَدّم الكَلامُ على "جَعَلَ" في الرّابع مِن أوّل الكتَاب.
قولُه: "فَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا": كُلّها معطُوفَات على "أنْ يجعلوها"، وعَلامَةُ النّصب فيها حَذْفُ "النون".
قولُه: "إلّا مَن كَان مَعَه الهَدْي": "مَن" موصُولة بمعنى "الذي"، وصلتها: جملة "كَان"، واسمها "الهَدْي"، وخَبرها مُتعَلّق "معه".
ومحلُّ "مَن" وصِلتها وعَائِدها نَصْبٌ بالاستثناء، وهو استثناء مُتّصِل مِن مُوجَب. وتقَدّم الكَلامُ على "إلّا" في الحديثِ الرّابع من "التشهد".
وتقَدّم الكَلامُ على "مَن" وأقسَامها في الرّابع مِن أوّل الكتاب، وعلى "ثُم" في الثّاني من "الجنابة".
وأتَى هُنا بـ "ثُم" ولم يَأت بـ "الواو"، لأنّ بين الطّواف والتقصير مُهْلَة، وهو زَمَنٌ طَويل.
و"اليَاء" في "يَحِلّوا" مَفتُوحَة؛ لأنّه مِن "حَلّ" الثُّلاثي.
وتقَدّم الكَلامُ على "مَع" في الحديثِ الأوّل مِن"المسْح على الخفّين".
قوله: "فقَالُوا: نَنْطَلِق إِلَى مِنًى": حَرفُ الجر يتعَلّق بـ "ننطَلِق"، والجملَة كُلّها محكيّة بالقَول. و"منًى" مصروفٌ، اسمٌ للمَوضِع.
وجملة "وَذَكَرُ أحَدِنا يَقْطر" مُبتدأ وخَبر، الخبرُ: جملة "يَقْطر". والجملة الكُبرى في محلّ حَال مِن فَاعِل "ننطلق"، والرابطُ:"الوَاو".
قولُه: "فبَلَغَ ذَلِك النَّبي صلى الله عليه وسلم: "ذَلِك" فَاعِلُ "بَلَغَ"، و"النّبي" مفعُوله. وإنَّما لم تظهر الحرَكَة في "ذَلِك"؛ لأنّه اسم إشارة. والجملَة معطُوفَة على الجمْلَة قبْلها. وجملة "صلى الله عليه وسلم" مُعترضَة، لا محلَّ لها.
قوله: "فَقَالَ": معطُوفٌ على "بَلَغَ"، والفَاعِلُ:"ضَميرُ النَّبي صلى الله عليه وسلم". " [فقَالَ] (1): لَو استَقْبَلتُ مِن أمْرِي مَا استَدْبَرت""لَو" حَرْفٌ لما [كَان](2) سَيَقَع لوقُوع غيره (3)، وجَوابُهَا:"مَا أهْدَيْت". وتقَدّم الكَلامُ على "لَو" في الحديث الأوّل مِن "الصّلاة".
قوله: "ولولا أنّ مَعي الهَدْي لأحْلَلت": "لَولا" حَرفُ امتناع لوجُود، يلزم بعدها المبتدأ، ويجب معها حَذْفُ الخبر إِذَا سَدّ جَوابها مَسَدّه (4)، كما جَاءَت هُنا. و"أنّ" في محلّ رَفْع بالابتِدَاء، أي:"لَولا وجود الهَدْي لأَحْلَلت". و"الهَدْي" اسمُ "أنّ" منْصُوبٌ، وخَبرهَا تقَدّم عَليه في "مَع". والجُملَة كُلّها مِن "أنّ" واسمها وخبرها في محلّ رَفْع.
وتقَدّم الكَلامُ على "لَولا"، والموَاضِع التي يُحذَف فيها الخبر وجُوبًا في "باب السّواك"، وفي الثّالِث مِن "بَاب استِقْبَال القِبْلَة".
قوله: "وحَاضَت عَائِشَة": جملَة مُستأنَفَة، "فنَسَكَت" معْطُوفٌ عَليه، و"المنَاسِك" مفعُولٌ على السّعَة، أي:"في المنَاسِك"، أو تضمّن "نَسَكَ" مَعْنى "فَعَلَ"،
(1) قبلها بياض صغير.
(2)
سقط بالنسخ. والمثبت من بعض المصادر.
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 144)، (3/ 645، 647)، (4/ 10)، شرح الكافية الشافية (3/ 1630)، شرح ابن عقيل (4/ 47)، الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 64)، اللمحة (2/ 806)، الجنى الداني (ص 272 وما بعدها)، مُغني اللبيب (ص 346).
(4)
انظر: الإعلام لابن الملقن (1/ 551)، الصاحبي (ص 119)، المفصل (ص 432)، شرح الكافية الشافية (3/ 1650)، الجنى الداني (ص 599 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (1/ 173)، (3/ 1307)، مُغني اللبيب (ص 359، 360)، شرح التصريح (2/ 431)، شرح التسهيل (1/ 283)، شرح المفصل (2/ 342)، (5/ 90)، تاج العروس (40/ 486)، جامع الدروس العربية (3/ 258).
أي: "فَعَلَت المنَاسِك"، و"كُلّهَا" تَأكِيدٌ للمَنَاسِك.
قوله: "غير أنَّها لم تَطُف": تقَدّم الكَلامُ على "غير" في الحديثِ الأوّل من "باب استقبال القبلة"، وحُكمُها مع "أنّ" في الثّاني عشر من "الجنائز". وبقي شيءٌ مِن مَواضِعها، وذَلك أنّها تقْطَع عَن الإضَافَة؛ فتقول:"ليس غير" و"لا غير"، والجمهُورُ على جَواز "لا غير".
وذَكر ابنُ هِشَام (1) أنّ "لا غير" لحنٌ، وفي قوله نَظَر، انتهى. (2)
و"غَير" منصُوبَة بالاستِثْناء المتّصِل، والتقديرُ:"نَسَكَت المنَاسَك كُلّها غَير الطّوَاف بالبيت".
قولُه: "فلَمَّا طهرت": "لمّا" حَرْفُ وجُوب لوجُوب، واختار الفَارسيّ أنَّها ظَرْف زَمَان بمَعنى "حين"، ومَا بعْدَها في محلّ جَر بها، والعَامِلُ فيها جَوابها، واختَار ابنُ مَالك كَونها بمَعنى "إذ"؛ فيكون أيضًا مَا بعْدَها في مَوضِع جَر بها. وعلى القَول بأنّها حَرفُ: فيجب أن يكُون الواقِع بعْدَها في محلّ جَزْم؛ لأنّها تكُون مِن حُروف [المُجَازَاة](3) لافتقَارِهَا إِلَى جَوَابٍ. (4)
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 209)، شرح شذور الذهب لابن هشام (ص 138)، أوضح المسالك (2/ 208).
(2)
انظر: شرح المفصل (3/ 104)، شرح الأشموني (2/ 165)، شرح التصريح (1/ 522)، الصبان (2/ 403)، الهمع (2/ 199)، جامع الدروس العربية (3/ 217).
(3)
في الأصل: "المجَازَات".
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 122)، (3/ 419)، (6/ 207، 298)، اللمحة (2/ 849)، المقتضب (2/ 44)، شرح التسهيل (4/ 65)، الجنى الداني (ص 594 وما بعدها)، مغني اللبيب (ص 369)، شرح الكافية الشافية (3/ 1642 وما بعدها، 1577)، الأصول في النحو (2/ 157)، شرح التصريح (1/ 700)، الكليات للكفوي (ص 790)، حاشية الصبان (2/ 391)، همع الهوامع (2/ 222، 544).