الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صَلاة الكُسُوف
[الحديث الأوّل](1):
[145]
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "خَسَفَتْ الشَّمْسَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ، فكَبَّرَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ [في] (2) رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ"(3).
قوله: "خسفت الشمس": قيل: "الخسوف" و"الكسوف" بمعنى، والأكثر استعمال "الخسوف" في "القمر"، و"الكسوف" في "الشّمس"(4). وسيأتي في الحديث الثّالث الكلام على ذلك.
قوله: "فبعث": معطوفٌ على ما قبله، و"على عَهْد" يتعلّق بـ "خسفَت"، والمراد "زمَن رسُول الله صلى الله عليه وسلم"، كأنّه سُمَّى الزّمان بما وَقَع فيه من عَهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو مَا عَاهَدهُم عليه.
وفي الحديث: "وَأنَا عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِك"(5) وجاء: "حُسْنُ العَهْدِ مِن الإِيْمَان"(6). وللعَهْد مَعانٍ كَثيرة ليس هذا مَوضع عَدِّها.
و"على" هنا يحتمل أن يكُون بمعنى "في"، كما هي في قوله تعالى:{عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] أي: "في ملك"(7).
(1) سقط من النسخ.
(2)
بالنسخ: "في كل". والمثبت ما في نسخ "العمدة" والشرح.
(3)
رواه مسلم (901) في الكسوف.
(4)
انظر: الصّحاح (4/ 1349)، لسان العرب (9/ 67).
(5)
صحيحٌ: أخرجه البخاري برقم (6306).
(6)
صحيحٌ: رواه الحاكم برقم (40) / (1/ 62)، وصحَّحه.
(7)
انظر: تفسير القرطبي (2/ 42).
قوله: "فبَعَث مُناديًا" أي: "أرسَل مُناديًا". ويحتمل أن يكُون بمعنى: "أمر مُناديًا"، ويكُون "بَعَث" بمعنى قولهم في حديث عائشة رضي الله عنها:"فَبَعَثْنا البَعِيرَ"(1)، أي:"أقمناه" و"أثرناه"(2).
و"مُناديًا": مفعول "بَعَث".
وسُمِّيَ "مُناديًا" باسم مَا آل إليه، من "النّداء"، أي:"بَعَث رجُلًا"، فحذف الموصُوف، وأقام الصّفة مقامه.
وقد تقدَّم أنه لا يجُوز حَذف الموصُوف إلَّا في مواضِع محصُورة، وإنما جاز هنا لأنَّ معنى الصّفة يدلّ على الموصُوف، وذِكْرُ ذلك تقدَّم في الثّامن من "باب صفة الصّلاة"، وفي الثّاني من "التيمم".
وجملة "يُنَادي" في موضع صِفَة لـ "مُناديًا"، وإعرابه مُقدّر، وتُقدّر حَركات إعراب الفِعل إذا كان مُعتلّ الآخر في حال الرّفع مُطلقًا، وفيما آخِره ["ألِف"](3) في حال النّصب لا غير.
وأمَّا "مناديًا": فمنقوصٌ، إعرابه في حالة النّصب لَفظًا، وفي حالتي الرّفع والجرّ تقديرًا (4).
قوله: "الصّلاة جَامعة": استحسن الأكثرون النّصب في "الصّلاة"(5) بتقدير: "احضروا الصّلاة". و"جامعة" حال من "الصّلاة" أي: "ذات جمع لكم"، ويكُون من
(1) متفق عليه: رواه البخاري برقم (334)، ومسلم برقم (108/ 367).
(2)
انظر: لسان العرب (2/ 117)، وتاج العروس (5/ 168).
(3)
غير واضحة بالأصل. وتشبه: "ألفه". والمثبت من (ب).
(4)
انظر: همع الهوامع (1/ 208)، وشرح الأشموني (1/ 77، وما بعدها).
(5)
انظر: شرح النوووي على مسلم (18/ 80)، وحاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 467)، وحاشية السيوطي على سنن النسائي (3/ 127).
باب الإغرَاء، نحو:{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"دِيَارَكُم تُكْتَبْ آثَارُكُم"(1).
وفي مثل هذا: لو صُرِّح بالعَامل لجاز، بخلاف باب التحذير، وسيأتي منه عند قول:"إيّاكَ وَكَرَائِم أمْوَالهِم"(2).
واختار بعضهم فيه الرّفع، أي:"الصّلاةُ جامعةٌ لكُم"، على الابتداء والخبر. وهو إمّا بمعنى الأمْر، أو بمعنى حكاية الحال الذي تضمَّن معنى الطّلب. وعلى الأول الحُذَّاق.
قوله: "وتقدّم": يحتمل أن تكُون الجملة في محل الحال، أي:"وقد تقَدّم النبي صلى الله عليه وسلم"، كقوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]. وقد تقدَّم ذكر المواضع التي يُشترط فيها "قد" وما لا يُشترَط فيه في الحديث السّابع من أوّل الكتاب.
ويحتمل أن تكون الجملَة معطوفة على الجملة قبلها.
و"الفاء" في قوله: "فاجتمعوا" فاء السّببية، أي:"بسبب النّداء اجتمعوا"، ويلزم من العطف بهذا المعنى أن يكُون تقدَّم النبي صلى الله عليه وسلم بسبب النّداء أيضًا؛ لأنَّ المعطوفَ في حُكم المعطوف عليه، وليس كذلك؛ لأنّه ما تقدَّم إلَّا بسبب اجتماعهم، فيضْعُف العَطف.
وقد يُقال: لا يَلزَم في المعطوف ما ثبت للأوّل (3)، بدليل قولهم:"رُبَّ شاة وسخلتها بدرهم".
(1) صحيحٌ: رواه مسلم بهذا اللفظ عن أنس برقم (280/ 665)، ورواه البخاري بمعناه عن جابر برقم (655).
(2)
متفقٌ عليه: رواه البخاري برقم (1496)، ومسلم برقم (29/ 19).
(3)
انظر: الكليات (ص 1019)، والكشكول (1/ 344).
ويجوز أن يكُون معطوفًا على "بَعَث"؛ فينتفي السّؤال.
قوله: "فكبّر وصلى": معطُوفان.
و"أربع رَكعات": "أربع" منصُوبٌ على المصدَرية؛ لأنّه عَدَد مصدر، ويكون "صلى" بمعنى:"ركع أربع ركعات".
قال أبو البقاء: "أربع ركعات" عَدَد مُضاف إلى المصدر؛ فينتصب انتصابه، كقولهم:"ضربته ثلاث ضربات"، أي:"ضربات ثلاثًا"، فقدّم وأضاف، وإذا أضيف صفة المصدَر انتصب نَصْب المصادر (1).
وتقدّم الكلام على ذلك في الخامس من "فضل الجماعة".
و"أربَع" عَدَدُ مؤنثٍ، فلذلك سَقَطت العَلامَة، قال الله تعالى:{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7].
قوله: "في ركعتين": يدلّ على أنّ المراد بـ "الرّكعات": "وضْع اليدين على الركبتين"، وأنّ المراد بـ "الركعتين" الشرعيتين اللتان تمامهما سُجودهما، فالتسمية الأولى حقيقة لغوية، والثانية حقيقة شرعية.
قوله: "وأربع سَجَدات": معطوفٌ على "أربع ركعات"، يعني:"في جميع الصّلاة"، وهذه السّجدات وإن دَخَلت في مُسمّى الركعتين الشّرعيتين، فلها اسم يخصها [لُغة، فذكرها](2) زيادة في البيان.
و"في رَكعتين" يتعلّق بصفة لـ "أربع".
(1) انظر: إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص/ 177)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 264).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).