الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَن كان في مَطْمُورةٍ أو ما أشْبَه ذلك. (1)
وقد قال "مُطَرِّفِ": إنّ معنى "اقدروا له": "احسبوا له بحِسَاب المنجِّمين". (2)
قال "ابنُ سيرين": "وليته لم يَقُله، وإنْ كَان من كبار التّابعين". والله أعلم. (3)
قوله: "فاقدروا له": جَوَابُ "إنْ". وقَد تقَدّم الكَلامُ على "إنْ" الشَّرْطِيّة، ومَا لها مِنْ فِعْل وجَوَاب، في الرّابع من أوّل الكتاب.
الحديث الثالث:
[178]
: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً"(4).
قال "ابنُ الأثير" في "النّهاية": "السّحُور" بالفتح: اسمٌ لما يُتَسَحّر به من
= السحاب، وممن قال بهذا أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان. وقال ابن شريح وجماعة فيهم مُطرّف بن عبد الله وابن قتيبة وآخرون: معناه قدروه بحساب المنازل. وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف إلى أنّ معناه: قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا. واحتج الجمهور بالروايات المذكورة في "مسلم" وغيره: "فأكملوا العدد ثلاثين"، وهو تفسير لـ "اقدروا له"، ولهذا لم يجتمعا في رواية، بل تارة يذكر هذا ويؤكده رواية:"فاقدروا ثلاثين".
قال المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم: "فاقدروا له" على أن المراد إكمال العدة ثلاثين، كما فسره في حديث آخر. قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجّمين؛ لأنّ الناسَ لو كُلفوا به ضاق عليهم؛ لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يُعرِّف الناسَ بما يَعرفه جماهيرهم. كذا قال النووي. انظر: شرح النووي على مسلم (7/ 186، 189)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (5/ 173 وما بعدها).
(1)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 8)، الإعلام لابن الملقن (5/ 173 وما بعدها).
(2)
انظر: شرح النووي على مسلم (7/ 186)، إحكام الأحكام (2/ 8)، الإعلام لابن الملقن (5/ 175 وما بعدها).
(3)
راجع: إحكام الأحكام (2/ 8).
(4)
رواه البخاري (1933) في الصوم، ومسلم (1095) في الصيام.
الطّعَام والشّرَاب. وبالضّمّ: المصْدَر، والفِعْلُ نفْسه. وأكثرُ ما يُروَى بالفَتْح. وقيل: الصّوَابُ بالضّم؛ لأنّه بالفَتْح: الطّعَام. والبركَةُ والأَجْرُ والثّوابُ في الفِعْل، لا في الطّعام. انتهى. (1)
قوله: "عن أنس": تقَدّم أنّه يتعلّق بفِعْل مُقَدّر، أي:"رُوي"، والتقديرُ:"أنّه قَال"؛ ليَقُوم مَقَام المفْعُول الذي لم يُسّمّ فَاعِله. (2)
و"قَالَ رَسُولُ الله": في محَلّ مَفْعُول القَول.
وجُملة "تسَحّروا": مَفْعُولَة بالقَوْل.
وجُملة صلى الله عليه وسلم: مُعترضَة، لا محلّ لها.
وجَاء الأمْر منه (3) بفَتح "التّاء"؛ لأنّها كذلك في المضَارع، والأمْر مختَصَرٌ من المضَارع، فإنْ كان ما بعد حَرْف المضَارعة مَفْتُوحًا بنوا الأمْرَ على تلك الحركة، وإن كان سَاكنًا اجتلبوا له همزة الوَصْل؛ لأنّ العَرَبَ لا تبتدئ بسَاكِن، وعَلامةُ البناءِ فيه حَذْفُ النّون، التي هي عَلامة للرّفع في المضَارع، فكَما جُعِل حَذفُها في المضَارع عَلامَة الجزْم وعَلامَة النّصْب جُعِل حَذفُها في الأمْر عَلامَة للسّكون. هذا اختيارُ جماعة من النّحويين. (4)
واختار أبو حَيّان ومَن قَبْله - كـ "ابن مَالك" - البناء على السّكُون، إلا أنْ يمْنَع
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 347).
(2)
راجع: شرح قطر الندى (ص 190)، شرح ابن عقيل (2/ 127)، جامع الدروس العربية (2/ 246 وما بعدها).
(3)
أي: من الفعل "يتسحّر".
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 254)، إيجاز التعريف في علم التصريف (ص 81 وما بعدها)، المفتاح في الصرف (ص 54، 55)، مسائل خلافية في النحو للعكبري (ص 119 وما بعدها)، توضيح المقاصد (1/ 305 وما بعدها)، النحو المصفى (ص 111 وما بعدها).
مَانِعٌ. والمانعُ: اتصَالُ الضّمائر به. (1)
[قوله: "تسَحّروا"](2) اتّصَل به [ضَمير](3) جَمَاعَة [المُذَكَّرِين؛ فمُنِع من السّكُون.
كما أنّ المضَارع - مع إعْرَابه - إذا اتّصَل به الضّمَائر يتَغَيّر آخِره، وينتَقِل إعرابه مِن الحرَكَات إلى الحُرُوف.
قوله: "فَإنْ": "الفَاءُ" سَبَبيّة، أي:"تَسَحّروا بسَبَبِ أنّ فيه بَرَكَة".
وأعاد "السّحُور" تأكيدًا له، وحَضًّا على فِعْله. ولَو قَال:"فإنَّ فيه بَرَكَة"؛ أغنى.
و"في السّحُور": يتعَلّق بخَبر "إنّ". و"بَرَكَةً": بالنَّصْب، اسم "إن".
و"في": معناها "الوعاء"(4)، وهو هُنا مَجَازٌ، كقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]. (5)
قال القاضي أبو بكْر ابن العَرَبي: تأمّلتُ "فَعُول" من طَريق العَرَبيّة؛ فوَجَدتُ فيه مَطْلعَا شَريفًا، وهُو أنّ بناءَ "فعُول" للمُبالَغة، والمبَالَغة قد تكُون في الفِعْل المتعَدِّي، كما قَال الشّاعرُ:
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 254، 255)، شرح قطر الندى (ص 26)، توضيح المقاصد (1/ 305 وما بعدها)، مسائل خلافية في النحو (ص 119 وما بعدها).
(2)
كذا بالنسخ. ولعلّ الصواب: "وقوله". والعبارة مُتعلّقة بما اختاره أبو حيان وابن مالك ومُرتبة عليها.
(3)
كتب ناسخ الأصل: "جميع ضمير"، ثم وضع علامة تشبه المدة بلون أحمر فوق كلمة "جميع"، مما يدلّ على أنها علامة الإسقاط في المخطوط.
(4)
"في" هنا ظرفية مجازية.
(5)
انظر: البحر المحيط (1/ 57)، الجنى الداني (ص 250)، مغني اللبيب (ص 223، 224، 902)، شرح الأشموني (2/ 84)، الهمع (2/ 445).
ضَروبٌ بنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سِمانِها
…
. . . . . . . . . . (1)
وقد تكُون (2) في الفِعْل القَاصِر، كَما قَال الشّاعرُ:
. . . . . . . . . .
…
نَؤُومُ الضُّحَى لَم [تَنتَطِقْ](3) عَنْ
فوصف الأوّل بالمبالغة في الضّرب وهو فِعلٌ يتعَدّى، ووصف الثاني بالمبالغة في النّوم وهو فِعلٌ لا يتعَدّى.
وقد يأتي بناء "فعُول" لوَجْهٍ آخَر لا مُبالَغَة فيه، وهو العبارة به عن آلة الفعل، لا عَن الفِعل، كقولنا:"وَقُود" و"سَحُور" بفتح "الواو" و"السين"(5)؛ فإنه عبارة عن "الحطب" وعن "الطَّعَام الذي يُتَسَحّر به"، فإذا ضَمَمْت "الفَاء" من "الوُقُود" و"السُّحُور" و"الطُّهُور" عَاد إلى الفِعْل. (6) وله هُنا مع الحنفية
(1) صدرُ بيتٍ من الطويل، وهو لأبي طالب بن عبد المطّلب، في قصيدة رثى بها أَبَا أُميَّة ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، زوج أخته. وعجزه:"إذا عَدِموا زادًا فإنك عاقر". والشاهد: أنه نصب "سوق" جمع "ساق" بـ "ضروب"؛ لاعتماده على ذي خبر محذوف؛ أي: هو ضروب، أو: أنت ضروب. انظر: الكتاب لسيبويه (1/ 111)، الأصول في النحو (1/ 124)، خزانة الأدب (4/ 242)، (8/ 146)، شرح التصريح (2/ 15)، المقتضب (2/ 114)، شرح الأشموني (2/ 220)، المعجم المفصل (3/ 288).
(2)
أي: المبالغة.
(3)
بالنسخ: "ينتطق". والمثبت من المصادر.
(4)
عجز بيت من الطويل، وهو لامرئ القيس. وصدره:"وَتُضْحِي فَتيتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشها". وقيل فيه: "وَيُضْحى فَتِيتُ". انظر: ديوان امرِئ القيس (ص 44)، جمهرة أشعار العرب (ص 129)، شرح ديوان المتنبي للعكبري (3/ 202)، المعجم المفصل (6/ 514).
(5)
أي: بفتح "الواو" من "وَقُود"، و"السين" من "سَحُور".
(6)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 437، 438).