الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفِدْيَة
الحديث الأوّل:
[215]
: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَسَأَلْتَهُ عَنِ الْفِدْيَةِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ، فِي خَاصَّةَ، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً. حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي؛ فَقَالَ:"مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ: مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ [بِكَ] (1) مَا أَرَى - أَتَجِدُ شَاةً؟ ". فَقُلْتُ: لا. فَقَالَ: "صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ [نِصْفُ] (2) صَاعٍ". (3)
وَفِي رِوَايَةٍ: "فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ". (4)
"الفَرَقُ": مِكيالٌ يَسَع ستة عَشر رَطْلًا. (5)
قوله: "قال: جَلَستُ": أي: " [ورُوي قَوله] (6): جَلَستُ".
و"جَلَس" هُنا تعَدّى بـ "إلى"، فيحتمل أنْ تكُون "إلى" بمعنى "مع"، كما قيل في قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]. (7) ويحتمل أن يكُون الفِعلُ مُضَمّنًا مَعنى "جئتُ"، أي:"جئتُ إلى كَعْب".
(1) سقط من النسخ. وقد أثبتها ابن فرحون بالشرح.
(2)
مشى الشيخ ابن فَرْحون هُنا على رواية الضم، وهناك روايات ونُسَخ بالفتح.
(3)
رواه البخاري (4517) في التفسير، ومسلم (1201)(85) في الحج.
(4)
هي في البخاري (1817) في المحصر.
(5)
انظر: إرشاد الساري (1/ 316)، الصحاح للجوهري (4/ 1540)، لسان العرب (9/ 195)، (10/ 305).
(6)
كذا بالأصل.
(7)
انظر: شواهد التوضيح والتصحيح (ص 253)، شرح التسهيل (3/ 141)، شرح المفصل لابن يعيش (4/ 464).
قوله: "فسَألتُه": معطُوفٌ على "جَلَسْتُ"، و"عن الفِدْيَة" يتعلّق به.
وجملة "نَزَلتْ" في محلّ مَعْمُول القَوْل، و"في" بإدْغَام "يَاء" حَرف الجر في "يَاء" المتكَلّم. وفَاعِلُ "نَزلَتْ" يعُود على الآيَة.
والضّميرُ يعُودُ على مَعْلُوم في الذّهْن، كقَوْله تَعَالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32]. (1)
قوله: "خَاصّة": أصْله أنْ يكُون نَعْتًا لمصْدَر محذُوف، أي:"مرة خاصة"، وهي هُنا حَال مِن فَاعِل "نزلتْ"، أي:"خاصّة [في"] (2)، أو حَال من الضّمير المجرور في قوله "في"، أي:"مخصُوصًا بذلك".
قوله: "وهي لكُم عَامّة": أي: "كائنة لكُم شرعة عامة". والحالُ من الضّمير في مُتعلّق المجرور.
قوله: "حُمِلْتُ إلى رَسُول الله": يحتمل أنْ تكُون الجمْلة كالتّعليل، أي:"وذلك لأني حملتُ". والفعلُ مبني لما لم يُسمّ فَاعِله؛ فيكون في محلّ خَبر لـ "أن" المقَدّرة. ويحتمل الاستئناف؛ فلا يكُونُ لها محلّ.
قوله: "والقَمْلُ يتنَاثر على وَجْهي": حَرْفُ الجر يتعلّق بـ "يتناثر"، فتكُون في محلّ نَصْب، وجملة "يتناثر" في محلّ خَبر عَن "القَمْل". والجمْلة الكُبرى في محلّ حَال من الضّمير في "حُمِلتُ".
قوله: "فَقَالَ": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم".
(1) انظر: تفسير القرطبي (15/ 195)، والبحر المحيط لأبي حيان (9/ 154)، وفتح الباري لابن حجر (2/ 43)، نخب الأفكار للعيني (3/ 211)، مرقاة المفاتيح (2/ 526)، الإعلام لابن الملقن (2/ 245)، عقود الزبرجد للسيوطي (1/ 445)، الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 80)، همع الهوامع (1/ 265).
(2)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "بي".
"مَا كُنتُ أُرَى": "مَا" نَافية، وجملَة "أُرَى" في مَوْضِع خَبر "كَان". والرّؤية بمَعنى الظَنّ والحسبان (1)؛ فتكُون الهمْزة مَضْمُومة، و"الوَجَع" المفعُول الأوّل، وجملة "بَلَغَ" في مَوْضِع المفعُول الثّاني.
وأمّا ["رَأَى"](2) الثّانية فبَصَريّة، فتكُون همْزَتها مفتُوحَة، وتتعَدّى إلى واحد، وهو هُنا محذُوفٌ، تقديره:"مَا أراه". فـ "مَا" مَوصُولة، وهو العَائدُ عليها، والصِّلة والموصُول في محلّ مفْعُول "بَلَغ".
و"بك": يتعَلّق بـ "بَلَغ".
قوله: "أوْ: مَا كُنْتُ أُرَى الجهْد بَلَغَ بِك مَا أَرَى": "أوْ" للشّك مِن الرّاوي. و"كُنتُ": "كَان" واسمها. وجملة "أرَى" في محلّ الخبر.
و"الجهْد" بفَتح "الجيم": "المشَقّة"، وبضَمّها:"الطّاقَة". والمعنى هُنا على الفَتْح. (3)
قوله: "أتجِد شَاة؟ ": تقَدّم الكَلَامُ على "وَجَد" في الثّاني من "باب الاستطابة"، وهو هُنا بمَعنى "أتُصيب؟ "(4)؛ فيتعَدّى لوَاحِد، وهو "الشّاة". والهمزةُ هُنا للاستفهام، وقد تقَدّم الكَلامُ على حُروف الاستفهام في الرّابع مِن "الجنابة".
قوله: "فقُلْتُ: لا": المعنى: "لا أجِد"، وهَذا الحذْف جَائز؛ لفَهْم المعنى، وتقَدّم الكَلامُ على ذَلِك في الأوّل مِن " [باب] (5) الحيْض".
(1) انظر: إحكام الأحكام (2/ 57).
(2)
كذا بالنسخ. والمراد أصل الفعل.
(3)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 58)، الإعلام لابن الملقن (6/ 89)، الصحاح (2/ 460)، لسان العَرب لابن منظور (3/ 133).
(4)
انظر: شرح التصريح على التوضيح (1/ 365)، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 79)، جامع الدروس العَربية (1/ 40).
(5)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "كتاب". والصواب المثبت.
قوله: "فصُم": "الفَاءُ" سَببية، أي:"فبسبب ذَلك، فصُم".
و"ثَلاثَة أيّام": ظَرْفُ زَمَان، والتقْدير:"فصُم في زَمَن ثَلاثة أيَّام"، ثم انتصَب على السّعة. وأنّث العَدَد؛ لأنّ المعدودَ مُذَكّر.
قوله: "أوْ أَطْعِم": "أو" للتخيير. و"سِتّة" مفْعُولٌ به. و"مَسَاكين" مُضَافٌ إليه، وهُو لا ينْصَرف؛ [لأنّه](1) على صيغة مُنتهَى الجمُوع (2).
قوله: "لكُلّ مِسكين نِصْفُ صَاع": مُبتَدأ وخَبر، الخبر في المجرور. ويحتمل أنْ يكُون "نِصْف صَاع" منْصُوبًا، أي:"يُعْطِي لكُلّ مِسْكين نصْفَ صَاع"، وهُو أقْوَى في المعْنى.
وتقَدّم الكَلامُ على "كُلّ" في أوّل حَديثٍ مِن الكتَاب. وأُضِيف "كُلّ" إلى نَكِرة، وتقَدّم الكَلامُ عليه.
قوله: "وفي روايةٍ: فأَمَرَه النبي": يتعَلّق حَرْف الجرّ بمُقَدّر، كـ "جَاءَ" أو "رُوي"، "أنْ يُطْعِم": في محلّ نَصْب أوْ جَرّ، على الخِلاف في ذَلك. وقَد تقَدّم الكَلامُ على "أمَر" في أوّل [حَديثٍ](3) مِن "السّواك".
قوله: "فَرَقًا": هُو بفَتْح "الفَاء" و"الرّاء".
قوله: "بَيْن": تقَدّم الكَلَامُ عَليها في الثّالث مِن "بَاب السّواك".
وتمييزُ "ستة" محذوفٌ، أي:"ستة مَسَاكِين".
قَالَ ابنُ الأثير: "الفَرَق" بالتحريك: مِكْيال يَسَع ستة عشر رطلًا، وهو اثنا
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: المفصل للزمخشري (ص 35)، تاج العروس (24/ 21، 22)، المغرب للمطرزي (ص 519)، النحو المصفى (ص 47).
(3)
بالنسخ: "باب". والصّواب المثبت.
عَشر مُدًّا، أو ثلاثة آصع عند أهْل الحجاز. وقيل:"الفَرَقُ" خمسة أقساط، و"القسط" نصفُ صَاع.
فأما "الفَرْق" بالسّكُون: فمائة وعِشْرون رَطْلًا، ومنه الحديث:"مَا أسْكَرَ الفَرْق مِنْهُ فَالحَسْوَةُ مِنْه حَرَامٌ"(1). (2)
قوله: "أوْ تُهْدِي": "أو" هُنا للتخيير، وتقَدّم حُكمها والكَلامُ عليها في الحديث الثّالث مِن "بَاب السّواك".
وهَذا فيه حِكَاية الرّاوي عن "كَعب"، لا حكاية "كَعْب" عن نفسه؛ ولذلك جَاءَت الضّمَائر على الغَيبة.
قوله: "أوْ يَصُوم ثَلَاثة أيّام": الكَلَامُ كالكَلَام على مَا قبْله.
***
(1) صَحيحٌ: رواه الترمذي في سُننه (1866) وحسّنه، وأبو داود في سننه بنحوه (3687)، والإمام أحمد في مسنده بنحْوه (24468)، من حَديث عائشة. وصَحّحه الشيخ الألباني في كتابه "إرواء الغليل"(2376).
(2)
انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 437).