الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العجماء والبئر توطئةً واتساعًا في البيان. وأحال بيان المعدن على ما تقدَّم من قوله: "في الرِّقَّةِ [رُبُع] (1) العُشْر"(2)، والله أعلم.
الحديث الخامس:
[172]
: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ. فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ؟ وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، وَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَأَمَّا الْعَبَّاسُ: فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا". ثُمَّ قَالَ: "يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ "(3).
قوله: "بعث رسولُ الله": أي: "أنه قال: بعث رسولُ الله"، فـ "أنه قال" معمول متعلق حرف الجر، وجملة "بعث" في محل مفعول القول.
و"عمر" لا ينصرف للعدل والعلمية، وعدْله تقديريٌّ، كـ "زُفَر"، وتقدَّم في الحديث الأول تقرير ذلك [بزيادة](4).
قوله: "على الصدقة": يتعلق بحال من "عمر" أي: "عاملا على الصدقة"، أو يتعلق بـ "بعث". والألف واللام في "الصدقة" للعهد، أي:"الصدقة المفروضة".
قوله: "فقيل: منع ابن جميل": جملة معطوفة على محذوف مفهوم من سياق الكلام، أي:"بعث عمر فذهب، فامتنع ابن جميل، فقيل"، فهو معطوف على "امتنع"، وهو مبنيٌّ لِمَا لم يُسمَّ فاعلُه، والقائم مقام الفاعل: الجملةُ على الحكاية،
(1) بالنسخ: "نصف". والصواب المثبت، بنص الأحاديث.
(2)
صحيح: رواه البخاري برقم (1454).
(3)
رواه البخاري (1468) في الزكاة، ومسلم (983) في الزكاة.
(4)
في الأصل: "زيادة". والمثبت من (ب).
فيكون الإسناد إلى اللفظ لا إلى مدلوله.
قال أبو حيان: هو مذهب كوفيٌّ (1).
وقيل: يقدر ضمير قول.
وتقدَّم توجيه البناء في الفعل المعتل الوسط والقائم مقام الفاعل في الرابع عشر من "الجنائز". وفيه ثلاثة أوجه: كسر "الفاء"، وضمها، والإشمام.
والألف واللام في "الوليد" وفي "العباس" للمح الصفة (2).
ومفعول "منع" محذوف، أي:"منع دفع الصدقة"، أو:"منع الساعي من أخْذ الواجب".
[قوله](3): "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم": "الفاء" سببية.
"ما ينقم ابن جميل إلا أنّ كان فقيرًا فأغناه الله": "نقم" بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل، والعكس (4).
قال الشيخ تقيّ الدّين: "نَقم" هنا بمعنى "أنكر"، وهذا يدلّ على أنه لا عذر له في الترك، إذ لم يحصل له موجب للمنع، إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله، فلا موجب للمنع وهذا مما يقصد به العرب النفي على سبيل المبالغة بالإثبات، كما قال الشاعر:
(1) انظر: البحر المحيط (7/ 396).
(2)
تكون "ال" زائدة لِلَمْح الصفة إذا دخلت على اسم من الأعلام الوصفية، للتنبيه على أنه من الأعلام الوصفية، مثل: الحارث، والعباس. انظر: الجنى الداني (ص 196)، وشرح التسهيل (3/ 399)، وتوضيح المقاصد (1/ 357).
(3)
بياض بالأصل. وسقط من (ب).
(4)
انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2045)، ولسان العرب (12/ 591)، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 261).
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم
…
بهنَّ فلولٌ من قراعِ الكتائبِ (1)
لأنه إن لم يكن لهم عيب إلا هذا فهذا ليس بعيب فيهم، بل هو مدح. (2)
قال ابن الأثير: "نَقِم من فلان الإحسان"، إذا "جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة". ومعنى الحديث: أي: "ما ينقِم ابنُ جميل شيئًا من منع الزكاة إلا أنْ يكفر النعمة"، فكأنَّ غناه أدَّاه إلى كُفر نعمة الله (3).
قوله: "إلا أنْ كان فقيرًا": الاستثناء مفرَّغ، و"نقِم" متعدٍّ بمعنى أنكر، قال الشيخ تقي الدين: أي: "ما أنكر إلا غناه"(4).
وعلى قول ابن الأثير يُقدَّر ما بعد "إلا" بالإحسان، أي:"ما نقم ابنُ جميل من الله إلا الإحسان إليه"، وهما يرجعان إلى معنى واحد، فتكون "أنْ" مع صلتها في محل مفعول "ينقم" المقدر بـ "أنكر".
ويحتمل أن تكون "أنْ" وصلتُها في محل مفعول لأجله، وتكون "ينقم" بمعنى:"يعيب"، أي:"ما يعيب ابن جميل طلب الزكاة إلا أن أغناه".
وذكر أبو البقاء في قوله تعالى: {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا} (5)[المائدة: 59] إعرابًا، فقال:""منَّا" مفعول لـ "تنقمون"، و"إلا أنْ آمنا" هو المفعول الأول، فالاستثناء مفرَّغ له ما قبله.
قال: ولا يجوز أن تكون "مِنَّا" حالًا من "أنْ" والفعل لأمرين، أحدُهما: تقدُّم
(1) البيت من الطويل وهو للنابغة الذبياني. انظر: المعجم المفصل (1/ 345)، تحرير التحبير (ص 133)، والبديع لابن المعتز (ص 157)، والحيوان (4/ 394).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 261).
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 110، 111)، ولسان العرب (12/ 591).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 261).
(5)
بالأصل: "وما تنقمون".
الحال على "إلا". والثاني: تقدُّم ما في الصّلة على الموصول" (1).
قال أبو حيان: الظاهر أن "مِنْ" هنا بمعنى "على"، أي:"هل تنقمون علينا؟ "، لأنَّ "نقم" يتعدى بـ "على"(2)، كقوله تعالى:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77]، أي:"على القوم"(3).
قلت: أراد أبو البقاء في "مِنَّا" أنها مفعول ثان، أنَّ الفعل يتعدى إلى المجرور، فهو في محل نصب، وكونه [ثانيًا](4) لأن تعدِّى الفعل إلى المفعول به بغير واسطة أقوى من تعديه بواسطة، وكونها لا تكون حالًا مقدَّمة، يريد لأنَّ "أنْ" المصدرية تقدر باسمٍ مفرد، فكأنه قال:"إلا إيمانًا كائنًا منه"، فهو صفة له لو تأخر فمنع منه الاستثناء.
وكون الحال صلة - فلا تتقدّم على الموصول - ظاهر؛ لأنَّ "أنْ" مصدرية كـ "ما" و"أنَّ" المشددة، والحال من تمام الصلة؛ فلا تتقدم على الموصول.
"وأما خالد": "أمَّا" حرف تفصيل، تقدَّم الكلام عليها في السادس من "باب الاستطابة"، وجوابها:"فإنكم تظلمون" في محلّ خبر "إن"، وجملة "قد احتبس" في محل الحال من "خالد"، أو من فاعل "تظلمون"، والرابط "الواو"، وعلى الأول: الرابط "الواو" والضمير.
قوله: "أدراعه وأعتاده": مفعول، ومعطوف عليه.
قال ابن الأثير: "الأدرع": جمع "دِرْع"، وهي "الزَّرَدِيَّة"(5).
قال: و"الأعتاد": هو "ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب"،
(1) انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 447).
(2)
انظر: البحر المحيط (4/ 305).
(3)
انظر: البحر المحيط (7/ 454)، وتفسير القرطبي (11/ 307).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 114).
و"الأَعْتُد" جمع قلة للعتاد، ويجمع على "أعتدة" أيضًا.
قال: وفي الرّواية: "أنه احتبس أدراعه واعتاده"(1).
قال الدَّارقطني: قال أحمد بن حنبل: قال علي بن حفص: "وأعتاده"، وأخطأ فيه [وصحَّف] (2)؛ فإنما هو:"وأعتُده"(3).
قلت: انظر كيف جعل "الأعتاد" خطأ مع ثبوتها في الصحيحين؟ !
قال الشيخ تقيّ الدّين: وقع في هذه الرواية: "أعتاده"، ووقع في روايةٍ أخرى:"أعتده"، واختلف فيها: فقيل: "أعتده" بالتاء، وقيل:"أعبُده" بالباء ثاني الحروف، وعلى هذا اختلفوا.
فالظاهر أن "أعبُده" جمع "عبد"، وهو الحيوان العاقل المملوك.
وقيل: إنه جمع صفة، من قولهم:"فرسٌ عبدٌ"، وهو "الطيب"، وقيل:"المُعَدُّ للركوب"، وقيل:"السريع الوثْب". ورجّح بعضهم هذا بأنّ العَادة لم تجر بتحبيس العبيد في سبيل الله، بخلاف "الخيل"(4).
وإعراب "خالد" بعد "أمَّا" رفعٌ بالابتداء، وخبره في الجواب، والتقدير:"مهما يكن من شيء فخالد مظلوم"، وقد تبين ذلك في موضعه مع "أمَّا" وأحكامها.
وكان وجه الكلام: "فإنكم تظلمونه"؛ لأن المضمر أخصرُ، ولكنه قد يكون الإظهار أبلغ في التنبيه على الشيء، كما يجيء ذلك في التعظيم والتهويل، كما وقع في
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 176).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: لسان العرب (3/ 280)، وشرح القسطلاني (3/ 41)، وذخيرة العقبى في شرح المجتبى (22/ 147).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 382).
قوله:
لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ
…
نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا (1)
فأعاد المظهر للتعظيم والتهويل، وقد يعاد للتلذذ بذكره، كما قال:
وما سعاد غداة البين. . . . . .
…
. . . . . . . . . . . .
بعد قوله:
بانت سعاد. . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . (2)
وقد يكون التكرار هنا للتفخيم له، إذ فعل خيرًا وزاد على غيره منْقَبةً، والمراد:"أنَّ من احتبس ماله فلا مال له تجب زكاتُه".
قوله: "وأمَّا العباس: فهي علىَّ ومثلها": قال الشيخ تقيّ الدّين: فيه وجهان، أحدُهما: أن يكون هذا اللفظ صيغة إنشاء لالتزام ما لزم العباس، ويرجّحه قوله:"أن عم الرجل صنو أبيه"، ففي هذا اللفظ إشعار بما ذكرناه؛ فإن كونه صنو أبيه يُناسب تحمُّل ما عليه.
الثاني: [إخبارًا](3) عن أمر وقع ومضى، وهو تسلُّف صدقة عامين من
(1) البيت من الخفيف، وهو لعدي بن زيد، وقيل: لابنه سوادة، وصحّح البغدادي الأول. انظر: المعجم المفصل (3/ 168)، وخزانة الأدب للبغدادي (1/ 381).
(2)
البيتان من البسيط، وهما لكعب بن زهير في ديوانه، وهما من قصيدة أنشدها لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن جاء مسلمًا، وتمام البيتين:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
…
متيّم إثرها لم يجز مكبول
وما سعاد غداة البين إذ عرضت
…
إلَّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول
انظر: الشعر والشعراء (1/ 153)، والمعجم المفصل (6/ 294).
(3)
أي: أن يكون إخبارًا.
العباس، وقد رُوي في ذلك حديث منصوص:"إنَّا تعجَّلنا منه صدقة عامين"(1).
و"الصِّنْو": "المثلُ"، وأصله من "النَّخْل": أنْ يجمع النخلتين أصل. (2) انتهى.
قوله: "فهي علىَّ": أي: "الزكاة علىَّ"، والجملة في محل الخبر كما تقدم، و"مثلها" معطوف على "هي".
ويحتمل أن يكون معطوفًا على الضمير في متعلق المجرور على مذهب الكوفيين في العطف على الضمير [المرفوع](3) من غير تأكيد ولا فصل (4)، إلا أن يقال: حرف الجر فصل. والله أعلم.
(1) ورد هذا الحديث من طرق مختلفة، قال الحافظ ابن حجر عنها:"وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم" فتح الباري (3/ 334)، وعلق الألباني رحمه الله على قول ابن حجر قائلا:"وهو الذي نجزم به لصحة سندها مرسلًا، وهذه شواهد لم يشتد ضعفها؛ فهو يتقوى بها، ويرتقى إلى درجة الحسن على أقل الأحوال". انظر: إرواء الغليل (3/ 349).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 383، 384).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
انظر: البحر المحيط (10/ 10)، إرشاد الساري (1/ 328)، عقود الزبرجد (3/ 179، 180)، الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 388 وما بعدها)، الأصول في النحو (1/ 336)، علل النحو (ص 320)، توضيح المقاصد (2/ 665، 1024)، شرح ابن عقيل (3/ 239)، أوضح المسالك (3/ 350 وما بعدها)، المدارس النحوية (ص 50).