الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الاحتمال الأخير هو ما رجحته؛ لوجود الاختلاف على ابن إسحاق في لفظه، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ح-107) ما رواه البخاري من طريق يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله،
أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافا - يعني الطعام - يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم
(1)
.
[اختلف في زيادة (جزافًا)، فرواه سالم عن أبيه لم يختلف عليه في ذكرها، ورواه عبيد الله عن نافع، واختلف عليه في ذكرها، ورواه مالك عن نافع، ولم يختلف عليه في عدم ذكرها، كما رواه عبد الله بن دينار وغيره عن ابن عمر بدون ذكرها]
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (2137)، ورواه مسلم (1527).
(2)
هذا الحديث رواه عن ابن عمر جماعة منهم:
الأول: سالم، عن أبيه، وفي هذا الطريق لم يختلف على سالم في ذكر كلمة جزافًا، ولذلك لم أر داعيًا لاستكمال تخريجه، وهو في الصحيحين.
الطريق الثاني: نافع، عن ابن عمر، ورواه عن نافع جماعة.
(أ) عبيد الله بن عمر، عن نافع، واختلف فيه على عبيد الله:
فرواه أحمد (2/ 15)، والبخاري (2167)، وأبو داود (3494)، والنسائي في المجتبى (4606) وفي الكبرى (6199) وأبو عوانة في مستخرجه (4997)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 340) من طريق يحيى بن سعيد القطان.
وأخرجه ابن أبي شيبة (21420) ومن طريقه الطحاوي (4/ 8) عن علي بن مسهر.
كلاهما، عن عبيد الله بن عمر، بذكر كلمة (جزافًا)، إلا أن ابن أبي شيبة رواه في المصنف أيضًا (21322) عن علي بن مسهر، وابن أبي زائدة، عن عبيد الله بن عمر به، بلفظ: إذا ابتاع أحدكم طعامًا فلا يبعه حتى يَكتله، قال ابن أبي زائدة: ويقبضه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، واختلف عليه في لفظه:
فرواه أحمد (2/ 142).
وابن الجارود في المنتقى (607) عن محمد بن عثمان الوراق.
وابن ماجه (2229) عن سهل بن أبي سهل [صدوق].
وأبو عوانة في مسنده (4996) حدثنا موسى بن إسحاق القواس [صدوق].
وابن حبان (4982) والبيهقي (5/ 314) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، أربعتهم رووه عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بذكر (جزافًا) في متنه.
ورواه أحمد (2/ 22). ومسلم (34 - 1526) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، كلاهما (الإمام أحمد، ومحمد بن نمير)، عن عبد الله بن نمير.
وأبو عوانة في مسنده (4967، 4968) من طريق موسى بن إسحاق القواس، وشجاع بن الوليد فرقهما، كلهم (عبد الله بن نمير وموسى بن إسحاق، وشجاع بن الوليد) رووه عن عبيد الله ابن عمر بلفظ: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه» .
إلا أن شجاع بن الوليد زاد فيه (حتى يستوفيه ويقبضه) فجمع بين اللفظين، وقد انفرد شجاع في روايته عن عبيد الله بن عمر بكونه جمع بين اللفظين، وإن كان قد رواها غيره عن نافع كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
فيؤخذ من هذا أن عبد الله بن نمير، وموسى بن إسحاق القواس تارة يروونه عن عبيد الله ابن عمر بذكر كلمة (جزافًا) وتارة يروونه بإسقاطها.
(ب) مالك عن نافع:
ولم يختلف على مالك بكونه روى هذا الحديث، ولم يرد في أي لفظ من ألفاظه كلمة (جزافًا)، ومع ذلك فقد رواه بأكثر من لفظ، منها
«من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه» .
أخرجه البخاري (2136)، ومسلم (1526)، وأبو داود (3492)، والبيهقي (5/ 311) من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي.
ورواه البخاري (2123) من طريق موسى.
ومسلم (1527) والبيهقي في السنن (5/ 311) من طريق يحيى بن يحيى.
والشافعي في مسنده (ص: 189)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (8/ 101).
وأحمد في مسنده (1/ 56) ثنا إسحاق بن عيسى.
وأخرجه أيضًا (2/ 63) حدثنا عبد الرحمن (يعني ابن مهدي). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن ماجه (2226)، وأبو يعلى في مسنده (5797) حدثنا سويد بن سعيد،
والنسائي في المجتبى (4595، 4596)، و في الكبرى (6187، 6188) من طريق محمد ابن القاسم.
والدرامي (2559) أخبرنا خالد بن مخلد. كلهم عن مالك، عن نافع به.
والحديث في موطأ مالك رحمه الله (2/ 640).
ورواه مالك بلفظ آخر، قال:«كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه، قبل أن نبيعه» .
رواه أحمد (1/ 56) حدثنا إسحاق.
ورواه مسلم (33 - 1526) عن يحيى بن يحيى.
ورواه أبو داود (3493) حدثنا عبد الله بن مسلمة.
ورواه النسائي في المجتبى (4605)، وفي السنن الكبرى (6198) من طريق ابن القاسم.
ورواه أبو عوانة في مستخرجه (4994) من طريق ابن وهب، كلهم عن مالك به.
فظاهر الحديث أن الطعام مطلق، جزافًا كان، أو مكيلًا، أو موزونًا، فلا يجوز التصرف فيه قبل نقله من مكانه.
(ج) عمر بن محمد، عن نافع. رواه مسلم (1526) من طريقه، بلفظ:(من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ويقبضه).
فجمع بين لفظ (حتى يستوفيه) وبين لفظ (حتى يقبضه) وأكثر الرواة يرويه إما بهذا اللفظ، وإما بهذا اللفظ.
(د) جويرية، عن نافع:
رواه البخاري في صحيحه (2166) من طريق جويرية، عن نافع،
عن ابن عمر قال: كنا نتلقى الركبان، فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يُبْلَغ به سوق الطعام.
فجعل غاية النهي أن يبلغ به سوق الطعام، وترجم له البخاري بعنوان: باب منتهى التلقي، فظاهره أن البيع لم يكن في سوق الطعام.
قال البخاري: هذا في أعلى السوق، يبينه حديث عبيد الله، ثم ساقه البخاري (2167) بإسناده من طريق عبيد الله، عن نافع به، بلفظ:
(هـ) موسى بن عقبة، نافع.
رواه البخاري (2123) من طريقه، عن نافع: بلفظ: أنهم كانوا يشترون الطعام من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الركبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى ينقلوه حيث يباع الطعام، قال: وحدثنا ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع الطعام إذا اشتراه حتى يستوفيه.
فقوله: (حيث يباع الطعام) موافق لقوله: حتى يبلغ به سوق الطعام.
وقد جمع مسلم بين اللفظين في سياق واحد.
رواه مسلم (1526) من طريق ابن نمير، حدثنا عبيد الله، عن نافع،
عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه، قال: وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافًا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه، حتى ننقله من مكانه.
فقوله (من الركبان) فيه إشارة إلى تلقي السلع من الركبان.
(و) عبد الله بن عمر (المكبر) عن نافع.
رواه ابن حبان في صحيحه (4986) من طريق إسماعيل بن زكريا، عن عبد الله بن عمر، عن نافع به، بلفظ:«من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه، قال: ونهى أن يبيعه حتى يحوله من مكانه، أو ينقله» . وهذا اللفظ جمع بين النهي عن بيعه حتى يستوفى، وعن البيع قبل أن يحوله من مكانه.
وأخرجه البزار في مسنده (162) وأبو يعلى الموصلي كما في إتحاف الخيرة المهرة (3715)، من طريق يونس بن محمد، أخبرنا أخبرنا عبد الله بن عمر به، بلفظ:(من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 98): " رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير، والبزار، وفيه عبد الله بن عمر العمري، وفيه كلام، وقد وثق.
(ز) محمد بن عبد الرحمن، عن نافع.
رواه أبو عوانة في مستخرجه (5060) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن عنج، عن نافع، بلفظ (فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوا في مكانهم الذي ابتاعوا إليه حتى ينقلوه إلى سوق الطعام).
ومحمد بن عبد الرحمن، قال عنه أحمد: شيخ مقارب الحديث، وقال فيه أبو حاتم الرازي: صالح الحديث، لا أعلم أحدًا روى عنه غير الليث بن سعد. وفي التقريب مقبول، يعني حيث يتابع، وقد توبع كما تقدم.
(ح) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، رواه الطحاوي في مشكل الآثار (3157) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب به، بلفظ: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (كنا نتلقى الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنشتري منهم الطعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوه حتى تستوفوه، وتنقلوه)، ورجاله ثقات، وقد جمع بين الاستيفاء والنقل.
(ط) الضحاك بن عثمان، عن نافع، رواه أبو عوانة في مستخرجه (5061) بلفظ:(كانوا يتبايعون الطعام جزافًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر أن لا نبيعه مكانه حتى نحوله إلى مكان آخر، فنحوله، ونبيعه).
(ك) ابن إسحاق، عن نافع. أخرجه أحمد في المسند (2/ 135) بلفظ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عليهم إذا ابتاعوا من الركبان الأطعمة من يمنعهم أن يتبايعوها حتى يؤووا إلى رحالهم.
(ل) عمر بن نافع، عن أبيه. أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (8/ 187) بلفظ:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث رجالًا يمنعون أصحاب الطعام أن يبيعوه حيث يشترونه، حتى ينقلوه إلى مكان آخر). ورجاله ثقات.
(م) مطر الوراق، رواه أبو عوانة في مستخرجه (4976)، والطبراني في مسند الشاميين (2782) بلفظ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشترينا طعامًا ألا نبيعه حتى نقبضه.
الطريق الثالث: عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رواه عنه بلفظ:(من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه)
رواه أحمد (2/ 108) والطحاوي (4/ 37) عن عفان.
وأخرجه أحمد أيضًا (2/ 79) حدثنا محمد بن جعفر.
والبخاري (2133) حدثني أبو الوليد.
وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (2/ 46) وجدت في كتاب أبي: حدثنا يزيد، يعني: ابن هارون.
والطحاوي (4/ 37) من طريق وهب، يعني: ابن جرير.
وأبو عوانة في مستخرجه (4972) من طريق بشر بن عمر. كلهم عن شعبة، عن عبد الله ابن دينار به، بلفظ (فلا يبعه حتى يقبضه).
ورواه أبو داود الطيالسي (1887) عن شعبة به، بلفظ (حتى يستوفيه).
وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 640) ومن طريقه الشافعي في مسنده (ص: 189)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والنسائي (4596)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 38)، وأبو عوانة في مستخرجه (4973)، والبيهقي في المعرفة (8/ 105).
وأحمد (2/ 59) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 37)، وأبو عوانة في مستخرجه (4974) من طريق الثوري.
وأخرجه أيضًا (2/ 73) من طريق عبد العزيز بن مسلم.
ومسلم (36 - 1526)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 37) وابن حبان (4981) من طريق إسماعيل بن جعفر.
والطبراني في الأوسط (1615) من طريق أبي جعفر الرازي، كلهم عن عبد الله بن دينار به، بلفظ (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه).
قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 339): «ظاهر هذا الحديث يوجب التسوية بين ما بيع من الطعام جزافًا، وبين ما بيع منه كيلًا، أن لا يباع شيء من ذلك حتى يقبض؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص هذا الحديث طعامًا من طعام، ولا حالًا من حال، ولا نوعًا من نوع، وفي ظاهر هذا الحديث أيضًا ما يدل على أن ما عدا الطعام لا بأس ببيعه قبل قبضه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خص الطعام بالذكر دون غيره
…
».
قلت: إذا فسرنا قوله (حتى يقبضه) باللفظ الثاني (حتى يستوفيه) وأن القبض المراد به الاستيفاء، كان ذلك مخصوصًا فيما يحتاج إلى استيفاء، مما اشتري بكيل، أو أوزن، والله أعلم.
وقد روى أبو داود (3495)، والنسائي في المجتبى (4604) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 38) والطبراني في المعجم الكبير (13098) من طريق المنذر بن عبيد، عن القاسم ابن محمد، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه.
وهذا إسناد حسن، فجعل غاية النهي حتى يستوفى، فإذا استوفاه جاز له بيعه ولو لم يقبضه.
الطريق الرابع: القاسم بن محمد، عن ابن عمر.
رواه أبو داود (3495)، والنسائي (4604)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 38)، والطبراني في الكبير (13098)، والبيهقي في السنن (5/ 314) من طريق المنذر بن عبيد، عن القاسم بن محمد به، بلفظ:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه» . =
حمل بعضهم الحديث على تلقي السلع.
وترجم له البخاري بعنوان: باب منتهى التلقي.
(ح-108) ورواه في صحيحه من طريق جويرية، عن نافع،
عن ابن عمر قال: كنا نتلقى الركبان، فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يُبْلَغ به سوق الطعام
(1)
.
فجعل غاية النهي أن يبلغ به سوق الطعام، فظاهر أن البيع لم يكن في سوق الطعام.
ثم قال البخاري: هذا في أعلى السوق، يبينه حديث عبيد الله، ثم ساقه البخاري بإسناده من طريق عبيد الله، عن نافع به، بلفظ:
(2)
.
= وهذا إسناد حسن، والمنذر بن عبيد قد توبع، فقد أخرجه أحمد (2/ 111) عن إسحاق بن عيسى.
وأخرجه الطبراني في الكبير (13097) من طريق النظر بن سليمان، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن القاسم بن محمد به.
الطريق الخامس: عمرو بن دينار، عن ابن عمر.
أخرجه ابن حبان (4979) بلفظ: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه» .
الطريق السادس: حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أخرجه ابن حبان في صحيحه (4987) من طريق عمرو بن محمد بن أبي رزين، قال: حدثني الأوزاعي، عن الزهري، قال: حدثني حمزة به، بلفظ:(رأيت أصحاب الطعام يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعامًا مجازفة، قبل أن يؤووه إلى رحالهم).
(1)
البخاري (2166).
(2)
البخاري (2167).
ورواه البخاري من طريق موسى عن نافع: بلفظ: «أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى ينقلوه حيث يباع الطعام، قال: وحدثنا ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع الطعام إذا اشتراه حتى يستوفيه»
(1)
.
فقوله (حيث يباع الطعام) موافق لقوله: (حتى يبلغ به سوق الطعام).
وقد جمع مسلم بين اللفظين في سياق واحد مما يجعل الحديث حديثًا واحدًا
فقد رواه مسلم من طريق ابن نمير، حدثنا عبيد الله، عن نافع،
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه، قال: وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافًا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه
(2)
.
فقوله (من الركبان) فيه إشارة إلى تلقي السلع من الركبان.
والذي أريد أن أتوصل إليه من خلال الرواية التي جمعت اللفظين، أعني لفظ:«النهي عن بيع الطعام حتى يستوفى» ، ولفظ «وكانوا يشترون الطعام جزافًا، فيبيعونه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه حتى يبلغ به سوق الطعام» وفي لفظ: «حتى ينقلوه حيث يباع الطعام» .
هو أن الجزء الأول من الحديث في طعام يجب الاستيفاء فيه، واستيفاء الطعام هو كيل ما اشتري بكيل، أو وزن ما اشتري بوزن، هذا هو الاستيفاء.
(1)
البخاري (2123).
(2)
مسلم (1526).
قال ابن عبد البر في التمهيد: «والاستيفاء عنده - يعني مالكًا - وعند أصحابه لا يكون إلا بالكيل أو الوزن، وذلك عندهم فيما يحتاج إلى الكيل أو الوزن مما بيع على ذلك، قالوا: وهو المعروف من كلام العرب في معنى الاستيفاء، بدليل قوله عز وجل:{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 2]
وقوله {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: 88].
{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ} [الإسراء: 35]» اهـ
(1)
.
وأما لفظ (كانوا يشترون الطعام جزافًا) فالنهي عن بيع ما اشتروه من الركبان جزافًا حتى يبلغ به سوق الطعام ليست العلة لكونه اشتري جزافًا وإنما لكونهم تلقوا الركبان، فإذا فعلوا، كان النهي عن بيع الطعام حتى يبلغ به سوق الطعام من أجل التلقي، لا من أجل اشتراط القبض، فالحديث جعل غاية النهي أن ينقل الطعام حيث يباع الطعام، وحتى يبلغ به سوق الطعام، وهو أخص من اشتراط القبض، ولذا نقول: إن ما بيع من الطعام جزافًا لا يحتاج إلى كيله، فإن اشتري من أهل السوق كان لمشتريه حق التصرف فيه قبل قبضه، وإن اشتراه من الركبان قبل دخول السوق، كان ممنوعًا من بيعه حتى يبلغ به سوق الطعام، هذا هو ما دلت عليه مجموع النصوص، وبذلك نكون قد جمعنا بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، والله أعلم.
جاء في المنتقى للباجي: «وفي كتاب أبي القاسم الجوهري بإثر هذا الحديث، إنما هو في تلقي الركبان، وهذا أيضًا يحتمل، فيكون معناه: أن من اشتراه في موضع غير سوق ذلك الطعام، فلا يبعه ممن يلقاه قبل أن يبلغ به السوق
…
»
(2)
.
(1)
التمهيد (13/ 336).
(2)
المنتقى للباجي (4/ 284).