الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقص ذلك من أجره كما جاء في الحديث الصحيح، وهذا يدل على تحريم الاقتناء من غير حاجة، بخلاف سائر النجاسات، فإنها تملك ولو لغير حاجة، ولأن تعليل الحنفية نظر في مقابل النص، والنصوص صحيحة صريحة في النهي عن ثمن الكلب، سواء أطلق عليه الحنفية مالًا، أو ليس بمال.
دليل الجمهور على تحريم بيع الكلب:
الدليل الأول:
(ح-160) ما رواه البخاري في صحيحه من طريق شعبة،
عن عون بن أبي جحيفة، قال: رأيت أبي اشترى عبدًا حجامًا، فأمر بمحاجمه، فكسرت، فسألته، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وعن ثمن الدم
…
الحديث
(1)
.
وجه الاستدلال:
فقوله: (نهى عن ثمن الكلب) الكلب مطلق، يشمل المعلم وغير المعلم، وما يجوز اقتناؤه، وما لا يجوز، فمن قيده بالكلب غير المعلم، أو الكلب الذي لا يجوز اقتناؤه فعليه الدليل من الشرع المخصص لهذا الإطلاق، فما أطلقه الشارع لا يقيده إلا نص منه.
الدليل الثاني:
(ح-161) ما رواه البخاري ومسلم من طريق ابن شهاب، عن أبي بكر ابن عبدالرحمن،
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (2238).
(2)
صحيح البخاري (2237)، وصحيح مسلم (1567).
فقرن النهي عن ثمن الكلب بالنهي عن مهر البغي، وحلوان الكاهن، وهما محرمان إجماعًا، فدل على أن النهي للتحريم.
قال ابن عبد البر: «لا خلاف بين علماء المسلمين في أن مهر البغي حرام .... والبغي الزانية: والبغاء: الزنى، قال الله عز وجل {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:28]
…
وكذلك لا خلاف في حلوان الكاهن: أنه ما يعطاه على كهانته، وذلك كله من أكل المال بالباطل»
(1)
.
قلت: الاستدلال بالنهي أولى، لأن الأصل في النهي التحريم، وأما دلالة الاقتران فهي دلالة ضعيفة، ولذلك قرن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن ثمن الكلب بالنهي عن كسب الحجام، والأول حرام، والثاني مكروه.
يقول القرطبي في المفهم: «فإن قيل: فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين ثمن الكلب، وبين مهر البغي، وحلوان الكاهن، وهما محرمان بالإجماع، فليكن ثمن الكلب كذلك. فالجواب: إنا كذلك نقول، لكنه محمول على الكلب الغير مأذون فيه، ولئن سلمنا أنه متناول للكل، لكن هذا النهي ها هنا قصد به القدر المشترك الذي بين التحريم والكراهة، إذ كل واحد منهما منهي عنه، ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر، كما قد اتفق هنا، فإنا إنما علمنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن بالإجماع، لا بمجرد النهي
…
ثم استدل على ذلك بحديث رافع ابن خديج: شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام» فشرك بالعطف بين مهر البغي وثمن الكلب، وكسب الحجام في (شر الكسب)
(1)
الاستذكار (6/ 429).