الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
حبس المبيع ببعض الثمن
[م - 231] لو نقد المشتري بعض الثمن، وبقي بعضه، فهل للبائع أن يحبس جميع المبيع ببعض الثمن، أو يسلم من المبيع ما يقابله من الثمن؟
اختلف العلماء في ذلك:
(1)
.
وجاء في كتاب الإنصاف: «لو أحضر نصف الثمن، فهل يأخذ المبيع كله أو نصفه أو لا يأخذ شيئًا حتى يزن الباقي
…
قال في الرعاية: يحتمل وجهين .... قلت - والقائل المرداوي-: أما أخذ المبيع كله ففيه ضرر على البائع، وكذا أخذ نصفه للتنقيص، فالأظهر أنه لا يأخذ شيئًا من المبيع، حتى يأتي بجميع الثمن»
(2)
.
قلت: هذا التنظير ليس موافقًا للمذهب، فإن القول في مذهب الحنابلة يقضي بأن البائع ليس له الحق في حبس المبيع
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع (5/ 250)، وانظر تبيين الحقائق (4/ 14)، الجوهرة النيرة (1/ 190)، البحر الرائق (5/ 331).
(2)
الإنصاف (4/ 459)، وانظر المبدع (4/ 116).
(3)
ولذلك كان البهوتي في كشاف القناع (3/ 240) دقيقًا حين قال: «وإن أحضر المشتري بعض الثمن لم يملك أخذ ما يقابله إن نقص الباقي بالتنقيص، وقلنا للبائع حبس المبيع على ثمنه، وإلا فله أخذ المبيع» .
وجاء فيه أيضًا (3/ 244): «ويصح قبضه أي المبيع قبل نقد الثمن، وبعده، ولو بغير رضا البائع؛ لأنه ليس له حبس المبيع» .
وقال ابن قدامة في المغني (4/ 91): «ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده، باختيار البائع وبغير اختياره؛ لأنه ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن» .
وجاء في المحرر (1/ 333): «وإذا تشاحنا في التسليم، والثمن عين نصب عدل، فقبض منهما، ثم أقبضهما، وإن كان دينًا فليس للبائع حبس المبيع على قبضه، نص عليه، وقيل: له ذلك» . وجاء فيه أيضًا (4/ 247): «وروي عن أحمد أنه قال: إذا حبس المبيع ببقية الثمن، فهو غاصب، ولا يكون رهنًا، إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع» .
وجاء في شرح منتهى الإرادات (2/ 57): «ليس للبائع حبس المبيع على ثمنه» . هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وهناك قول آخر يقابل المشهور اختاره بعضهم، جاء في قواعد ابن رجب (ص: 69): «وقال أبو الخطاب في انتصاره: الصحيح عندي أنه لا يلزمه التسليم حتى يتسلم الثمن، كما في النكاح» .
يقصد أنه كما أن للمرأة أن تمتنع عن تسليم نفسها حتى تقبض مهرها، فكذلك للبائع أن يمتنع عن تسليم المبيع، حتى يقبض الثمن.
وقد جاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية: «إذا كان المبيع مما لا ينقصه التفريق، فأحضر المشتري بعض الثمن، فله أخذ ما يقابله من المبيع، أما إذا نقصه التفريق فليس له ذلك»
(1)
.
ومن لم أقف له على نص في بقية المذاهب فيمكن تخريج هذه المسألة في مذهبهم على مسألة أخرى مشابهة، فقد تكلموا في مسألة الراهن لو قضى بعض الحق الذي عليه، فهل ينفك شيء من الرهن بقضاء بعض الدين، أو يبقى الرهن جميعه مرهونًا بما تبقى من الدين؟
وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أن الرهن لا ينفك ما بقي في الدين درهم
(2)
.
(1)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (330).
(2)
تبيين الحقائق للزيلعي (6/ 78)، البحر الرائق (8/ 287)، المبسوط (21/ 165)، حاشية ابن عابدين (6/ 498)، الفتاوى الهندية (5/ 436)، الشرح الكبير (3/ 257)، الخرشي (5/ 259)، منح الجليل (5/ 486)، التاج والإكليل (5/ 29)، الوسيط (3/ 517)، التنبيه (ص: 100)، كفاية الأخيار (1/ 255)، مغني المحتاج (2/ 141)، نهاية المحتاج (4/ 295)، الإنصاف (5/ 160)، المبدع (4/ 228)، المغني (4/ 235)، كشاف القناع (3/ 342).
قال في الجوهرة النيرة: «وإن قضاه البعض فله أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية، اعتبارًا بحبس المبيع حتى يستوفي الثمن»
(1)
.
وجاء في أسنى المطالب: «ولا ينفك شيء من الرهن ما بقي من الدين شيء، للإجماع كما قاله ابن المنذر، وكحق حبس المبيع»
(2)
.
والإجماع الذي نسبه إلى ابن المنذر هذا نصه:
(3)
.
ومثل هذه المسألة ما لو أبرأ البائع المشتري من بعض الثمن، فله أن يحبس المبيع حتى يستوفي الباقي.
قال في الجوهرة النيرة: «ولو أبرأ المشتري عن بعض الثمن، كان له الحبس حتى يستوفي الباقي؛ لأن البراءة كالاستيفاء، ولو استوفى البعض كان له الحبس بما بقي»
(4)
.
* * *
(1)
الجوهرة النيرة (1/ 233).
(2)
أسنى المطالب (2/ 176).
(3)
المغني لابن قدامة (4/ 235).
(4)
الجوهرة النيرة (1/ 190)، البحر الرائق (5/ 331).