الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في حبس المبيع في حال تقديم الرهن والكفيل
[م - 234] إذا أعطى المشتري رهنًا، أو كفيلًا بالثمن، فهل يسقط حق البائع في حبس المبيع؟
هذه المسألة مبنية، على أن للبائع حق حبس المبيع، إلى أن يستلم الثمن، ولم أجد من يقول بحبس المبيع إلا الحنفية والمالكية؛ لأن هذه المسألة كما بينا مبنية على مسألة من يطالب بالتسليم أولًا؟ وقد عرفنا من خلال البحوث السابقة ما يلي:
أولًا: إذا كان الثمن مؤجلًا، لا يحق للبائع أن يحبس المبيع، إلا برضا المشتري، وهذا قول عامة الفقهاء كما سبق بحثه.
ثانيًا: إذا كان الثمن عينًا، فإنه لا يحق للبائع حبس المبيع عند الحنفية؛ لأنهم يرون أن التسليم يتم معًا، وبالتالي فليس هناك أحد يطالب بالتسليم أولًا، ليكون من حق الثاني حبس ما في يده، حتى يقوم الأول بدفع ما وجب عليه.
وكذلك عند من يقول: يجعل بينهما عدل يقبض منهما، ويسلم إليهما، وهذا هو الأصح في مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وقول في مذهب المالكية.
ثالثًا: كذلك لا يحق له حبس المبيع عند من يقول: يجبر البائع على دفع السلعة أولًا، وهو قول في مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد؛ لأن البائع إذا كان مطالبًا بالتسليم أولًا، لم يحق له حبس المبيع. وقد سبق بحث هذه الأقوال معزوة إلى كتب أهلها، وبيان أدلتهم فيما قالوه.
رابعًا: إذا كان الثمن حالًا في الذمة وليس عينًا، فقد اختلف العلماء في من يطالب بالتسليم أولًا، فالشافعية والحنابلة يرون أن المطالب بالتسليم هو البائع، وبالتالي لا يحق له حبس المبيع، وقيد الشافعية ذلك ما لم يخف البائع فوات الثمن
(1)
.
وأما الحنابلة في المشهور فقد صرحوا بأنه ليس للبائع الحق في حبس المبيع مطلقًا.
قال ابن قدامة: «ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده، باختيار البائع وبغير اختياره؛ لأنه ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن»
(2)
.
بقي عندنا مذهب الحنفية والمالكية الذين يقولون: إن المطالب هو المشتري
(1)
يقول النووي رحمه الله في روضة الطالبين (3/ 426): «أمر مهم، وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في الابتداء، خلاف في أن البائع، هل له حق الحبس أم لا؟ إن قلنا: الابتداء بالبائع فليس له حبس المبيع لاستيفاء الثمن، وإلا فله.
ونازع الأكثرون فيه، وقالوا: هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد الابتداء، وكان كل واحد يبذل ما عليه، ولا يخاف فوت ما عند صاحبه، فأما إذا لم يبذل البائع المبيع، وأراد حبسه خوفًا من تعذر الثمن فله ذلك بلا خلاف، وكذلك للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر المبيع، وبهذا صرح الشيخ أبو حامد والماوردي». وانظر حواشي الشرواني (4/ 305).
(2)
المغني (4/ 91)، وجاء في المحرر (1/ 333):«وإذا تشاحنا في التسليم، والثمن عين نصب عدل، فقبض منهما، ثم أقبضهما، وإن كان دينًا فليس للبائع حبس المبيع على قبضه، نص عليه، وقيل: له ذلك» . وجاء فيه أيضًا (4/ 247): «وروي عن أحمد أنه قال: إذا حبس المبيع ببقية الثمن فهو غاصب، ولا يكون رهنًا إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع» .
وجاء في شرح منتهى الإرادات (2/ 57): «ليس للبائع حبس المبيع على ثمنه» ، وهناك قول آخر يقابل المشهور: أن له الحق في حبس المبيع، وقد أشرنا له فيما تقدم.
بالتسليم أولًا، فهذه المسألة: أعني (حبس المبيع في حال تقديم المشتري رهنًا أو كفيلًا) لا تأتي إلا على هذين المذهبين فقط، ولم أجد في كتب المالكية من تعرض لهذه المسألة، وأما الحنفية فقد توجهوا لها، وتكلموا عليها في كتبهم.
جاء في تبيين الحقائق: «ولو دفع المشتري إلى البائع بالثمن رهنًا أو تكفل به كفيل لا يسقط حق الحبس»
(1)
.
وجاء في فتح القدير: «وللبائع حبس المبيع، ولو بقي من ثمنه درهم، ولا يسقط حق حبس البائع للمبيع، ولو أخذ بالثمن كفيلًا، أو رهن المشتري به رهنًا»
(2)
.
وعلل ذلك في تحفة الفقهاء: بأن هذا وثيقة بالثمن، فلا يبطل حقه في حبس المبيع؛ لاستيفاء الثمن
(3)
.
* * *
(1)
تبيين الحقائق (4/ 14)، تحفة الفقهاء (2/ 41)، وانظر مادة (280) من مجلة الأحكام العدلية، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 228)، الجوهرة النيرة (1/ 190)، البحر الرائق (5/ 331).
(2)
فتح القدير (6/ 296).
(3)
تحفة الفقهاء (2/ 41).