الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الاستدلال:
دل أثر ابن عمر على أن الأصل في المال المعقود عليه مما لا يحتاج إلى استيفاء، أنه من ضمان المشتري، ولو لم يقبضه.
ودل حديث عبد الله بن عمرو بمنطوقه على النهي عن ربح ما لم يضمن، ومفهومه الإذن بالربح فيما كان من ضمان المشتري، فما دخل في ضمانه، فله أن يربح فيه، والإذن بالربح إذن بالتصرف، فدل على جواز التصرف في المبيع قبل القبض، إذا كان ضمانه قد استقر على المشتري
(1)
،
كالمبيع الذي لا يحتاج
(1)
يقول ابن رجب في القواعد (القاعدة: الثانية والخمسون): «في التصرف في المملوكات قبل قبضها، وهي منقسمة إلى عقود، وغيرها، والعقود نوعان: أحدهما: عقود المعاوضات، وتنقسم إلى بيع، وغيره.
فأما البيع، فقالت طائفة من الأصحاب: التصرف قبل القبض والضمان متلازمان، فإن كان البيع مضمونًا على البائع لم يجز التصرف فيه للمشتري حتى يقبضه، وإن كان قبل القبض من ضمان المشتري جاز له التصرف فيه، وصرح بذلك القاضي في الجامع الصغير وغيره، وجعلوا العلة المانعة من التصرف توالي الضمانات.
وفي المذهب طريقة أخرى: وهي أنه لا تلازم بين التصرف والضمان، فيجوز له التصرف، والضمان على البائع، كما في بيع الثمرة قبل جدها، فإنه يجوز في أصح الروايتين، وهي مضمونة على البائع
…
».
وقد اعتبر ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 154) من كمال الشريعة ومحاسنها النهي عن الربح فيه حتى يستقر عليه ويكون من ضمانه، فييئس البائع من الفسخ، وتنقطع علقه عنه.
ويستثنى من مسألة النهي عن الربح فيما لم يضمن مسألتان:
إحداهما: بيع الثمار بعد بدو صلاحها، فيجوز لمشتريها أن يبيعها على رؤوس الأشجار، وأن يربح فيها، ولو تلفت بجائحة لكانت من ضمان البائع.
والمسألة الثانية: يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة بمثل الأجرة وزيادة، مع أنها لو تلفت لكانت من ضمان المؤجر، فهذا ربح ما لم يضمن.
وأجيب عن ذلك:
أولًا: هاتان المسألتان ليستا محل إجماع بين الفقهاء، فقد نص أحمد في إحدى روايتيه =
إلى كيل، أو وزن أو عد أو ذرع أو نحوها، وهذا هو الذي جعل المال
= على منع بيع مثل ذلك. وبناء على هذه الرواية لا يعترض فيها أحد بالنقض، ولا يستثنى شيء من النهي عن الربح فيما لم يضمن.
ثانيًا: أن الثمر على رؤوس الشجر في حكم المقبوض، لأنه قد خلِّي بينه وبينها، ولو تلفت من فعل المشتري لكانت من ضمانه.
ثالثًا: أن الحاجة تدعو إلى جواز بيعها، فإن الثمار قد لا يمكن بيعها إلا كذلك، فلو منعناه من بيعها أضررنا به، ولو جعلناه من ضمانه إذا تلفت بجائحة أضررنا به أيضًا، فجوزنا له بيعها لأنها في حكم المقبوض بالتخلية بينه وبينها، وجعلناها من ضمان البائع بالجائحة؛ لأنها ليست في حكم المقبوض من جميع الوجوه، ولهذا يجب عليه تمام التسليم بالوجه المحتاج إليه، فلما كانت مقبوضة من وجه، وغير مقبوضة من وجه رتبنا على الوجهين مقتضاهما، وهذا من ألطف الفقه. انظر تهذيب السنن (5/ 154 - 155).
وأما مسألة الإجارة: فاختلفت الرواية عن أحمد في جواز إجارة الرجل ما استأجره بزيادة على ثلاث روايات:
إحداهن: المنع مطلقًا؛ لئلا يربح فيما لم يضمن، وعلى هذا فالنقض مندفع.
والثانية: أنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة، وإلا فلا، لأن الزيادة لا تكون ربحًا، بل هي في مقابلة ما أحدثه من العمارة، وعلى هذه الرواية أيضًا فالنقض مندفع.
والثالثة: أنه يجوز أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها مطلقًا، وهذا مذهب الشافعي، وهذه الرواية أصح، فإن المستأجر لو عطل المكان وأتلف منافعه بعد قبضه لتلف من ضمانه؛ لأنه قبضه القبض التام، ولكن لو انهدمت الدار لتلفت من مال المؤجر، لزوال محل المنفعة، فالمنافع مقبوضة، و لهذا له استثناؤها بنفسه وبنظيره، وإيجارها، والتبرع بها، ولكن كونها مقبوضة مشروط ببقاء العين، فإذا تلفت العين زال محل الاستيفاء، فكانت من ضمان المؤجر.
وسر المسالة: أنه لم يربح فيما لم يضمن، وإنما هو مضمون عليه بالأجرة. انظر تهذيب السنن (5/ 155 - 156).
ويقول ابن رجب في القواعد (1/ 387): «ويصح إجارتها - يعني العين - بمثل الأجرة، وبأزيد في إحدى الروايتين، وفي الأخرى يمنع بزيادة لدخوله في ربح ما لم يضمن، والصحيح الجواز؛ لأن المنافع مضمونة على المستأجر في وجه، بدليل أنه لو عطلها حتى فاتت من غير استيفاء تلفت من ضمانه، فهي كالثمر في رؤوس الشجر، فهو مضمون عليه بإتلافه» .