الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
ما يدخله التسعير
[م - 251] الحالات التي يسوغ فيها التسعير بعضها يصدق عليه أنه حالات، وبعضها تجري مجرى الشروط، وهي:
الحالة الأولى: تعدي أهل السوق في قيم السلع:
اشترط الحنفية: أن يتعدى أهل السوق تعديًا فاحشًا، وقدر الحنفية التعدي الفاحش: بأن يبيع بضعف القيمة، ويعجز الحاكم عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فلا بأس به.
جاء في البحر الرائق: «ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديًا فاحشًا»
(1)
.
وقدر الحنفية التعدي الفاحش بضعف القيمة
(2)
.
ولم يقدر ابن تيمية وابن القيم التعدي بضعف القيمة، وإنما ذكرا فقط أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة عن القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل
…
(3)
.
الحال الثانية: أن يكون الإمام عادلًا.
هذا شرط ذكره بعض المالكية، جاء في التاج والإكليل: «الجالب لا يسعر
(1)
البحر الرائق (8/ 230).
(2)
انظر تبيين الحقائق (6/ 28)، البحر الرائق (8/ 230)، حاشية ابن عابدين (6/ 400).
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 76 - 77)، الطرق الحكمية (ص: 356).
عليه اتفاقًا، وإن كان التسعير لغيره، فلا يكون إلا إذا كان الإمام عدلًا، ورآه مصلحة، بعد جمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء»
(1)
.
وهذا الشرط لحظ فيه المالكية أن الإمام إذا لم يكن عادلًا ربما قصد من التسعير ظلم الناس، بائعًا كان، أو مشتريًا؛ لأن التسعير سلاح ذو حدين، إن ظلم به الإمام أرباب السلع امتنعوا عن بيع سلعهم، وإن ظلم به العامة ضيق عليهم في أرزاقهم، وأقواتهم، فكان الإمام العادل يتحرى الإنصاف في التسعير، ولذلك قالوا: يسعر بعد أن يجمع أهل السوق ليطلع على القيمة الحقيقية للسلع، لا وكس، ولا شطط، والله أعلم.
الحال الثالثة: أن تكون السلعة المسعرة مما يحتاجها عامة الناس.
لأن التسعير إنما جاز مراعاة للمصلحة العامة، والمصلحة العامة: تعني بذلك قيام الحاجة العامة لدى الناس إلى مثل تلك السلعة.
وبهذا المعنى يقول الحنفية: «ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس
…
إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة
…
»
(2)
.
ويقول ابن تيمية: «وما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة.
ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس، مثل حاجة الناس إلى الفلاحة، والنساجة، والبناية، فإن الناس لابد لهم من طعام يأكلونه، وثياب يلبسونها، ومساكن يسكنونها، فإذا لم يجلب لهم من الثياب ما يكفيهم، كما كان يجلب إلى الحجاز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .... احتاجوا إلى من ينسج لهم
(1)
التاج والإكليل (6/ 254).
(2)
الهداية شرح البداية (4/ 93)، شرح فتح القدير (10/ 59)، تبيين الحقائق (6/ 28).
الثياب
…
ولهذا قال غير واحد من الفقهاء كأبي حامد الغزالي، وأبي الفرج ابن الجوزي، وغيرهم: إن هذه الصناعات فرض على الكفاية، فإنها لا تتم مصلحة الناس إلا بها، كما أن الجهاد فرض على الكفاية .... والمقصود هنا: أن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما تحتاج إليه الناس من صناعتهم، كالفلاحة، والحياكة، والبناية، فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن ذلك، ولا يُمَكَّن الصانع من المطالبة بأكثر من ذلك، حيث تعين عليه العمل، وهذا من التسعير الواجب، وكذلك إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد، من سلاح، وجسر للحرب، وغير ذلك، فيستعمل بأجرة المثل، لا يمكن المستعملون من ظلمهم، ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم، مع الحاجة إليهم، فهذا تسعير في الأعمال، وأما في الأموال: فإذا احتاج الناس إلى سلاح الجهاد، فعلى أهل السلاح أن يبيعوه بعوض المثل، ولا يمكنون من أن يحبسوا السلاح حتى يتسلط العدو، أو يبذل لهم من الأموال ما يختارون .. »
(1)
.
الحال الرابعة: احتكار التجار للسلع الضرورية.
يشترط لجواز التسعير، أن يكون هناك احتكار من التجار للسلع، ينتج عنه غلاء تلك السلع، والناس يحتاجون إلى ما عندهم من الطعام، فيجبرون على بيع سلعهم بثمن المثل.
يقول ابن تيمية: «المحتكر: هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام، فيحبسه عنهم، ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين، ولهذا
(1)
مجموع الفتاوى (28/ 79 - 87).