الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: عقد الحوالة والمقاصة لا يجريان إلا في الديون دون الأعيان؛ لأن الأعيان إنما تستوفى بذواتها، لا بأمثالها
(1)
.
تعريف الدين باعتبار المضمون:
الدين باعتبار المضمون له معنيان، عام، وخاص:
تعريف الدين بمعناه العام: قال ابن نجيم: الدين «لزوم حق في الذمة»
(2)
.
وكان هذا التعريف عامًا؛ لأنه يشمل كل ما يشغل ذمة الإنسان، سواء أكان حقًا لله، أم للعبد، ودَيْن الله: حقوقه التي ثبتت في الذمة، ولا مطالب لها من جهة العباد، كالنذور، والكفارات، وصدقة الفطر
…
(3)
.
وأما تعريف الدين بمعناه الخاص: (أي في الأموال):
عرفه ابن عابدين بقوله: «الدين: ما وجب في الذمة بعقد، أو استهلاك، وما صار في ذمته دينًا باستقراضه»
(4)
.
فقولنا: (ما وجب في الذمة) الذمة: وصف يصير به الإنسان أهلًا لما له وما عليه، فيكون أهلًا للتملك، كما يكون أهلًا لتحمل دفع ثمن ما يملك
(5)
.
كما أن التعريف جعل الدين يشمل ثلاثة أمور:
الأول: ما وجب بعقد كالمعاوضة عن طريق البيع، والشراء، والإجارة.
(1)
انظر: المدخل إلى نظرية الإلتزام العامة - الشيخ الزرقاء (ص: 183)، مصادر الحق للسنهوري (1/ 15)، تبيين الحقائق (4/ 171)، قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، نزيه حماد (ص: 189).
(2)
فتح الغفار بشرح المنار (3/ 20)، وانظر شرح التلويح على التوضيح (2/ 132 - 133).
(3)
الموسوعة الكويتية (21/ 142).
(4)
حاشية ابن عابدين (5/ 157).
(5)
انظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 25).
الثاني: ما ثبت عن طريق الاستهلاك، كالإتلاف مثلًا.
الثالث: ما ثبت عن طريق القرض.
فالدين أعم من القرض، فكل قرض دين، وليس العكس.
وقد ذهب الحنفية إلى أن الدين لا يعتبر مالًا حقيقة، وإنما يعتبر مالًا حكمًا، باعتبار أنه يتحول إلى المال بالاستيفاء
(1)
، وهذا هو القول القديم للشافعي
(2)
.
وذهب الجمهور إلى أن الدين قسم من أقسام الأموال، فقد سبق لنا: أن
(1)
الحنفية تارة يعتبرون الدين مالًا، وتارة لا يعتبرونه كذلك، ففي باب النكاح اعتبروا الدين مالًا، فلو تزوج امرأة بعشرة دراهم، دينا له على فلان، صحت التسمية، وعللوا ذلك بأن الدين مال، وأدخلوه تحت قوله تعالى:{أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24] ولم يجعلوا الدين مالًا في باب الزكاة، والأيمان، فلو حلف أنه لا مال له، وله دين على موسر، لا يحنث. انظر البحر الرائق (3/ 152)، و (4/ 404)، المبسوط (9/ 14)، تبيين الحقائق (3/ 158 - 159، 163)، حاشية ابن عابدين (3/ 789).
(2)
قال الزركشي في المنثور في القواعد (2/ 160): «الدين هل هو مال في الحقيقة، أو هو حق مطالبة يصير مالًا في المآل؟ فيه طريقان، حكاهما المتولي في كتاب الصلح.
ووجه الأول: أنه يثبت به حكم اليسار، حتى تلزمه نفقة الموسرين وكفارتهم، ولا تحل له الصدقة.
ووجه الثاني: أن المالية من صفات الموجود، وليس ههنا شيء موجود، قال: وإنما استنبط هذا من قول الإمام الشافعي، من ملك ديونًا على الناس، هل تلزمه الزكاة؟ المذهب الوجوب، وفي القديم قول: أنها لا تجب.
ويتفرع عليه فروع:
منها: هل يجوز بيع الدين من غير من هو عليه الدين؟ إن قلنا: إنه مال، جاز، أو حق، فلا؛ لأن الحقوق لا تقبل النقل إلى الغير.
ومنها أن الإبراء عن الدين، هل هو إسقاط أو تمليك؟
ومنها: حلف لا مال له، وله دين حال على ملئ، حنث على المذهب، وكذا المؤجل، وعلى المعسر في الأصح». اهـ
المال ينقسم إلى أعيان ومنافع
(1)
، وكل منهما قد يكون دينًا وقد يكون معينًا.
وقد ذكرت أدلة كل قول، فأغنى عن إعادته هنا.
فإذا عرفنا الدين، وأنه مال، يأتي الكلام إن شاء الله تعلى على حكم التصرف في الدين، وسوف نبحث في هذا الباب مسألتين:
الأولى: بيع الدين بالدين. وهذه لها صور أربع، وسوف نتكلم بحول الله وقوته على كل صورة.
والمسألة الثانية: مسألة ابتداء الدين بالدين، وهذه ليس لها إلا صورة واحدة.
* * *
(1)
قال الزركشي في المنثور في القواعد (1/ 101): «أداء الواجبات على أضرب:
«الأول: المالية، وتنقسم إلى عين ودين، أما الدين فإما أن يكون لله تعالى، أو لآدمي
…
» وانظر روضة الطالبين (8/ 227)، حاشية البجيرمي (2/ 407)، إعانة الطالبين (3/ 33)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/ 636)، كفاية الأخيار (1/ 258).
وجاء في تعريف البيع عند الحنابلة: «مبادلة مال ولو في الذمة
…
» انظر حاشية ابن قاسم (4/ 326)، وزاد المستقنع (ص: 102).
فجعل ما يثبت في الذمة لا يخرجه عن مسمى المال. وانظر الموسوعة الكويتية (36/ 34).