الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثامن
في بيع الجثة (ميتة الآدمي)
[م - 278] سبق لنا أن تحريم بيع الميتة من الحيوان إجماع بين الفقهاء، لم يخالف في ذلك أحد، وهل يشمل ذلك ميتة الآدمي، فالجواب:
ميتة الآدمي يخالف ميتة الحيوان:
أن ميتة الآدمي طاهرة، فإذا كانت ميتة السمك، وميتة الجراد، لا تدخل في عموم قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] لم يدخل في النص ميتة الآدمي؛ لأنها على الراجح من أقوال أهل العلم أنها طاهرة، وأن الموت لا ينجس الآدمي مسلمًا كان، أو كافرًا، وقد بحثت ذلك في كتاب أحكام الطهارة (النجاسات) وسقت الأدلة على طهارة ميتة الآدمي مطلقًا.
وإذا كانت ميتة الآدمي طاهرة، فهل يجوز بيع ميتة الآدمي؟
وقبل الجواب يتوجه سؤال، من يملك جثة الآدمي؟ وما الغرض من بيعه؟
وهل بدن الميت حق للورثة؟ أو حق لله، أو حق مشترك؟
وإذا قيل: إن للورثة حقًا في بدن مورثهم، فهل هو حق اختصاص، أو حق تملك، كما يتملك المال، والمتاع، فيملك التصرف فيه ببيع، وهبة وتبرع ونحو ذلك.
والذي أرى أن حق الوارث في بدن مورثه هو حق اختصاص ليس إلا؛ لأنه إذا كان المسلم الحر لا يملك أن يبيع نفسه في حال حياته، وهو ألصق ببدنه من وارثه، فكيف يملك الورثة أن يبيعوا بدن مورثهم؟
وإذا كان الحر لا يملك حيًا، فكيف يملك ميتًا؟
(ح-156) وقد روى البخاري في صحيحه بسنده من طريق سعيد ابن أبي سعيد،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا، فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره)
(1)
.
هذا فيما يتعلق بالجواب عن الشق الأول من السؤال: من يملك جثة الآدمي؟
وأما الشق الثاني: وهو: ما الغرض من شراء جثة الميت؟ أو بسؤال آخر: ما هي المنفعة المرجوة من شراء جثة الميت.
فقد يتوجه لبدن الميت إما حاجة إلى تشريحه.
وإما حاجة إلى أخذ عضو من أعضائه، بما يسمى في الطب الحديث: غرس الأعضاء.
وإما أن يضطر المسلم إلى بدن الميت، ليتناوله كطعام لينقذ نفسه المعصومة من الموت بسبب الجوع.
وكل مسألة من هذه المسائل نحتاج إلى بحثها بخصوصها.
فإذا تبين أن هذه المنافع جائزة، فهل ثبوت هذه المنافع لجثة الآدمي يسوغ بيعها أو أن الانتفاع أوسع من البيع، فقد يجوز الانتفاع، ولا يجوز البيع؟ هذا ما سوف نستكشفه من خلال المباحث التالية.
* * *
(1)
صحيح البخاري (2227).