الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
في حكم التسعير
[م - 250] ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأصل في التسعير الحرمة، خاصة إذا كان أهل السوق يقومون بما أوجب الله عليهم
(1)
.
(1)
جاء في شرح فتح القدير (10/ 59): «ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس» . وانظر العبارة نفسها في بداية المبتدئ (1/ 224)، الهداية شرح البداية (4/ 93).
وجاء في بدائع الصنائع (5/ 129): «وكذا لا يسعر لقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:29]» .
وقال في الدر المختار (6/ 399): «ولا يسعر حاكم
…
». وانظر حاشية ابن عابدين (6/ 399)، وانظر فتاوى السغدي (2/ 810).
وفي كتب المالكية، قال ابن الجلاب في التفريع (2/ 168):«ولا يجوز التسعير على أهل الأسواق» ، وفي المنتقى للباجي (5/ 18):«وأما الضرب الثاني من التسعير، فهو أن يحد لأهل السوق سعر ليبيعوا عليه، فلا يتجاوزوه، فهذا منع منه مالك» .
وقال ابن جزي في القوانين (ص: 169): «لا يجوز التسعير على أهل الأسواق، ومن زاد في سعر، أو نقص منه أمر بإلحاقه بسعر الناس، فإن أبى أخرج من السوق» . وانظر التاج والإكليل (4/ 380).
وفي كتب الشافعية، قال الشيرازي في المهذب (1/ 292):«ولا يحل للسلطان التسعير .. » . وقال النووي في الروضة (3/ 411): «ومنها التسعير، وهو حرام في كل وقت على الصحيح» . وانظر الحاوي الكبير (5/ 409)، الوسيط (3/ 68)، مغني المحتاج (2/ 38).
وانظر في مذهب الحنابلة: الإنصاف (4/ 338)، الروض المربع (2/ 56)، الكافي في فقه أحمد (2/ 41)، المبدع (4/ 47).
ومن أجاز التسعير منهم كالحنفية
(1)
، وابن عبد البر من المالكية
(2)
، وبعض الشافعية
(3)
، وابن تيمية
(4)
، وابن القيم
(5)
،
فإنما أجازوه في حالات خاصة، بشروط معينة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وقيل: يجوز التسعير، وهو قول سعيد بن المسيب
(6)
، وربيعة
(1)
جاء في البحر الرائق (8/ 230): «ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديًا فاحشًا .. » ، وقال في تحفة الملوك (ص: 235): «ويحرم التسعير إلا إذا تعين دفعًا للضرر العام» . وسيأتي بسط هذه الشروط في فصل مستقل إن شاء الله تعالى.
(2)
قال ابن عبد البر في الكافي (ص: 360): «لا يسعر على أحد ماله، ولا يكره على بيع سلعته ممن لا يريد، ولا بما لا يريد إلا أن يتبين في ذلك ضرر داخل على العامة، وصاحبه في غنى عنه، فيجتهد السلطان في ذلك، ولا يحل له ظلم أحد» .
(3)
في مذهب الشافعية قول بتحريم التسعير وقت الغلاء خاصة، وهذا القول خلاف القول المعتمد في مذهبهم، قال النووي في الروضة (3/ 411): «ومنها التسعير، وهو حرام في كل وقت على الصحيح. والثاني: يجوز في وقت الغلاء دون الرخص
…
». اهـ فيمكن لنا أن نعتبر الغلاء شرطًا في جواز التسعير حسب هذا القول في مذهب الشافعية.
(4)
مجموع الفتاوى (28/ 77).
(5)
شرط ابن القيم للتسعير أن يمتنع التجار من بيع سلعهم مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، هنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقمية المثل، فالتسعير إلزام بالعدل.
ومثله التسعير على أناس يحتكرون بيع سلع معينة، فلا تباع تلك السلع إلا عليهم، ثم هم يبيعونها بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب، فهذا من البغي والفساد والظلم، فهؤلاء يجب التسعير عليهم، وألا يبيعوا إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء؛ لأنه إذا منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا كان ذلك ظلمًا للناس. انظر الطرق الحكمية (ص: 355، 356، 357).
(6)
المنتقى (5/ 18)، مجموع الفتاوى (28/ 93)، الاستذكار (20/ 76 - 77).
ابن عبد الرحمن
(1)
، والليث بن سعد
(2)
، ويحيى بن سعيد الأنصاري
(3)
، وهو رواية أشهب عن مالك
(4)
، واختاره ابن العربي من المالكية
(5)
.
وأوجب ابن تيمية وابن القيم التسعير في حال التزم الناس ألا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون، لا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع
(6)
.
(1)
انظر المراجع السابقة.
(2)
الاستذكار (20/ 76 - 77).
(3)
المنتقى (5/ 18)، مجموع الفتاوى (28/ 93)، الاستذكار (20/ 76 - 77).
(4)
المنتقى (5/ 18).
(5)
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/ 54): «قال سائر العلماء بظاهر الحديث - يعني حديث: إن الله هو المسعر - لا يسعر على أحد.
والحق التسعير، وضبط الأمر على قانون لا تكون فيه مظلمة على أحد من الطائفتين، وذلك قانون لا يعرف إلا بالضبط للأوقات، ومقادير الأحوال، وحال الرجال، والله الموفق للصواب، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق، وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم، واستسلموا إلى ربهم، وأما قوم قصدوا أكل المال، والتضييق عليهم، فباب الله واسع، وحكمه أمضى».
(6)
وانظر أدلة كل قول في باب موانع البيع (البيوع المنهي عنها) من أجل الضرر، فقد فصلت المسألة هناك، والحمد لله، وبينت أن الأصل في التسعير الحرمة، وأن ارتفاع الأسعار منه ما هو مقبول، ولا يعالج بالتسعير، كما لو كان ذلك نتيجة عدم توفر السلع في الأسواق، أو كان ذلك بسبب كثرة الطلب على السلع، فهنا يترك السوق على حاله، والله هو المسعر كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على ترك التسعير، واعتباره من الظلم، وأما إذا كان الباعة يظلمون الناس، كما لو كان أهل السوق يتفقون على عدم البيع إلا بسعر معين، أكثر من ثمن المثل، أو كانوا يحتكرون السلع طلبًا لغلاء الأسعار، فهنا يجب على ولي الأمر، أو نائبه، أن يتدخل ليحمي الناس من الإضرار بهم، فيسعر عليهم بطريقة تضمن حق البائع، كما تضمن حق المشتري، وسنأتي إن شاء الله تعالى على كيفية التسعير وطريقته بما يحفظ المصالح العامة، ولا يظلم الناس حقوقهم، والله أعلم.
* * *