الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم السادس
حبس المبيع من أجل استلام الثمن
يترتب على عقد البيع أن يكون العقد ملزمًا للعاقدين، فلا يستطيع أحد العاقدين بمفرده التحلل من قيده، ما لم يتفقا على الإقالة، ويكتسب العقد صفة اللزوم إما بمجرد تمام العقد بتطابق الإيجاب والقبول، كما هو مذهب الحنفية والمالكية، أو بعد انقضاء مجلس العقد كما هو مذهب الشافعية والحنابلة، وقد بحثت هذه المسألة في مبحث مستقل عند الكلام على الخيار، ولله الحمد.
وفور اكتساب العقد صفة اللزوم فإن ملك المبيع ينتقل إلى المشتري، وملك الثمن ينتقل إلى البائع، ويكون البائع مطالبًا بتسليم المبيع إلى المشتري، كما أن المشتري يكون مطالبًا بتسليم الثمن إلى البائع؛ لأن تسليم البدلين واجب على العاقدين لتحقق الملك لكل منهما في البدلين.
والبحث هنا: متى يحق للبائع حبس المبيع إلى أن يستلم الثمن؟
[م - 225] من العلماء من بنى هذه المسألة على مسألة أخرى، وهو من المطالب أولًا بتسليم ما وجب عليه بسبب العقد، هل يطالب البائع أن يسلم أولًا، أو يطالب المشتري أن يسلم أولًا، فمن قال: إن المطالب بالتسليم أولًا هو البائع، فمعنى هذا أن البائع ليس له حق في حبس المبيع، ومن قال: إن المطالب بالتسليم هو المشتري أولًا، كان للبائع حق حبس المبيع حتى يستلم الثمن.
ومن العلماء من خالف في ذلك، فقال: بحث مسألة التسليم أولًا فيما إذا كان كل من البائع والمشتري مستعدًا لبذل ما عليه، ولا يخاف فوت ما عند صاحبه، أما إذا خاف البائع أو المشتري من تعذر أخذ العوض، فله حبس ما عنده.
يقول النووي رحمه الله: «أمر مهم، وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في الابتداء
خلاف في أن البائع، هل له حق الحبس أم لا؟ إن قلنا: الابتداء بالبائع فليس له حبس المبيع لاستيفاء الثمن، وإلا فله.
ونازع الأكثرون فيه، وقالوا: هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد الابتداء، وكان كل واحد يبذل ما عليه، ولا يخاف فوت ما عند صاحبه، فأما إذا لم يبذل البائع المبيع، وأراد حبسه خوفًا من تعذر الثمن فله ذلك، بلا خلاف، وكذلك للمشتري حبس الثمن خوفًا من تعذر المبيع، وبهذا صرح الشيخ أبو حامد، والماوردي»
(1)
.
وبناء على القول الأول، سوف نبحث إن شاء الله تعالى من هو المطالب بالتسليم أولًا، لنعرف من يحق له حبس المبيع، بناء على هذا القول.
وحبس المبيع ليس مختصًا بالبائع، فقد يحبس المشتري المبيع، كما لو حصلت إقالة، أو فسخ البيع بعيب ونحوه، فللمشتري أن يحبس المبيع حتى يقبض ما دفعه من ثمن.
جاء في كفاية الأخيار: «إذا فسخ المشتري لعيب كان له حبس المبيع إلى قبض الثمن»
(2)
.
وجاء في أسنى المطالب: «للمشتري بعد الفسخ حبس المبيع إلى استرجاع الثمن من البائع»
(3)
.
وبمنزلة المبيع الإجارة، فإذا اشترط المؤجر تعجيل الأجرة كان له الحق في حبس الدار حتى يستلم الأجرة.
(1)
روضة الطالبين (3/ 526).
(2)
كفاية الأخيار (1/ 257).
(3)
أسنى المطالب (2/ 66).
جاء في الجوهرة النيرة: «المؤجر إذا اشرط تعجيل الأجرة في العقد كان له حبس الدار، حتى يستوفي الأجرة؛ لأن المنافع كالمبيع، والأجرة كالثمن، فكما وجب حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن، فكذلك يجب حبس المنافع حتى يستوفي الأجرة المعجلة»
(1)
.
[م-226] واختلف العلماء فيمن استحق جعلًا، هل له أن يحبس ما في يده حتى يستلم الجعل؟
فذهب الحنفية إلى أن له الحق في حبس ما في يده حتى يستلم الجعل، كما له الحق في حبس اللقطة حتى يأخذ الملتقط ما أنفقه عليها، كحبس المبيع لأجل الثمن
(2)
.
جاء في فتح القدير: « .... له أن يحبس الآبق حتى يستوفي الجعل، بمنزلة البائع بحبس المبيع»
(3)
.
وخالف في ذلك الشافعية والحنابلة، جاء في روضة الطالبين:«إذا رد الآبق لم يكن له حبسه لاستيفاء الجعل؛ لأن الاستحقاق بالتسليم، ولا حبس قبل الاستحقاق»
(4)
.
وقد بحثت هذه المسألة في عقد الجعالة، فلله الحمد.
* * *
(1)
الجوهرة النيرة (1/ 266).
(2)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 707).
(3)
فتح القدير (6/ 138).
(4)
روضة الطالبين (5/ 274).