الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجاب عن ذلك:
أن ما حول الفأرة لا يبلغ من الكمية ما يمكن الانتفاع به، فأمر بطرحه لزهادته، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ح-178) ما رواه البخاري، ومسلم في صحيحيهما من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة، إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام
…
الحديث
(1)
.
وجه الاستدلال:
قالوا: لا هو حرام: أي الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بالميتة إلا ما خصصته السنة من الانتفاع بالجلد بعد الدبغ، ويبقى سائر أجزاء الميتة ومنه الشحم على النهي عن الانتفاع به. قال ابن حجر:«وهو قول أكثر العلماء، فلا ينتفع من الميتة أصلًا عندهم إلا ما خص بالدليل، وهو الجلد المدبوغ»
(2)
.
وأجيب:
بأن قوله: هو حرام راجع إلى البيع، وهذا ما ذهب إليه الشافعية، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيع الميتة، قال رجل: أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى
(1)
صحيح البخاري (2236)، ومسلم (1581).
(2)
انظر فتح الباري (4/ 425).
بها السفن ويدهن بها الجلود .. الخ أي فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع؛ فإنه مقتضية لصحة البيع، فقال صلى الله عليه وسلم: لا هو حرام، أي البيع، فكأنهم قالوا: أرأيت شحوم الميتة، فهل يجوز بيعها؛ لأنها تطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، فقال: لا هو حرام، فهذه المنافع، وإن كانت جائزة، فليست مسوغة لجواز بيعها.
قال النووي: «والضمير في (هو) يعود إلى البيع لا إلى الانتفاع، هذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه
…
وبهذا قال أيضًا عطاء بن أبي رباح، ومحمد ابن جرير الطبري»
(1)
.
ورجح ذلك ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى
(2)
.
ويدل له ما نقله الحافظ في الفتح، ونسبه إلى مسند أحمد، قال الحافظ:
«قال أحمد: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، أخبرني يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: إن الله حرم بيع الخنازير وبيع الميتة، وبيع الخمر، وبيع الأصنام. قال رجل: يا رسول الله فما ترى في بيع شحوم الميتة؛ فإنها تدهن بها السفن والجلود، ويستصبح بها، فقال: قاتل الله يهود
…
وذكر الحديث
(3)
.
[لفظ «فما ترى في بيع شحوم الميتة» غير محفوظ، والمحفوظ «فما ترى في شحوم الميتة»]
(4)
.
(1)
شرح النووي لصحيح مسلم (11/ 6).
(2)
انظر زاد المعاد (5/ 749).
(3)
فتح الباري (4/ 425).
(4)
رجعت إلى المسند المطبوع، ولم أجد فيه قوله (فما ترى في بيع شحوم الميتة) وإنما فيه: ما ترى في شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود .. بما يوافق رواية الصحيحين. فلعل النسخة التي اطلع عليها الحافظ كان فيها اللفظ المذكور، ثم إن رواية أبي عاصم خارج المسند أيضًا ليس فيها ما ذكره الحافظ، فقد أخرجه مسلم (1581)، وأبو داود (1873)، وأبو عوانة في مسنده (3/ 370)، والبيهقي (6/ 12) وفي السنن الصغرى له (5/ 220) من طريق أبي عاصم به.
ولم يذكر مسلم لفظ الحديث، وإنما قال: بمثل حديث الليث، يعني عن يزيد بن أبي حبيب به، والمثلية تقتضي أنه رواه بلفظه، ولفظ الليث ليس فيه (فما ترى في بيع شحوم الميتة).
وأبو داود قدم لفظ الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، ثم رواه من طريق أبي عاصم، وقال: نحوه.
بينما أبو عوانة والبيهقي ساقا نص رواية أبي عاصم، وفيها:«فما تقول - والبيهقي فما ترى - في شحوم الميتة» ، ولم يذكرا لفظ البيع.
وقد رواه أبو أسامة عن عبد الحميد ولم يذكر ما ذكره أبو عاصم من الطريق الذي أشار اليه الحافظ، فقد أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 409)، ومسلم (1581)، وأبو يعلى (1873)، وابن حبان (4937) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن عبد الحميد به، بلفظ:(فما ترى في شحوم الميتة).
كما رواه الليث عن يزيد بن أبي حبيب في البخاري (2236، 4296، 4633)، ومسلم (1581)، ولم يذكر اللفظ الذي أشار إليه الحافظ، وبالتالي أرى إن كان لفظ (فما ترى في بيع شحوم الميتة) موجودًا في نسخة من المسند أن يكون هذا اللفظ غير محفوظ، والله أعلم.
ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه مشعر بأن النهي عن البيع؛ لأن من نهي عن أكل شيء، ثم باعه، فأكل ثمنه، كأنه أكل ما نهي عنه، مثله في ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] فالوعيد يدخل فيه من باع مال اليتيم ثم أكل ثمنه، فيكون قوله: لا هو حرام، أي لا تبيعوا الميتة، فتأكلوا ثمنها كما باع اليهود شحوم الميتة، فإنكم بهذا بمنزلة من أكل الميتة.
ويدل لذلك أيضًا
(ح-179) ما رواه أحمد من طريق هشيم، أخبرنا خالد الحذاء، عن بركة ابن العريان المجاشعي، قال:
سمعت ابن عباس يحدث، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه
(1)
.
[إسناده صحيح]
(2)
.
فنص على أن التحريم للشحوم إنما هو في مباشرة الأكل، وتحريم أكل الثمن في البيع، وليس في الانتفاع بغيرهما.
وأما الأدلة على الانتفاع بالدهن المتنجس:
(ح-180) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع،
عن صفية بنت أبي عبيد، أن جرًا لآل ابن عمر، فيه عشرون فرقا من سمن
(1)
المسند (1/ 293).
(2)
الحديث مداره على خالد الحذاء، عن بركة أبي الوليد، عن ابن عباس، ويرويه عن خالد جماعة، منهم:
الأول: هشيم بن بشير كما في إسناد الباب، والطبراني في المعجم الكبير (12887)، والتمهيد لابن عبد البر (9/ 44).
الثاني: خالد بن عبد الله كما في سنن أبي داود (3488)، التمهيد (17/ 402).
الثالث: بشر بن المفضل كما في سنن أبي داود (3488)، وسنن البيهقي (6/ 13)، والتمهيد (17/ 402).
الرابع: محبوب بن الحسن كما في مسند أحمد (1/ 322)
الخامس: علي بن عاصم كما في المسند (1/ 247).
السادس: يزيد بن زريع، كما في سنن البيهقي (9/ 353)،
السابع: عبد الوهاب الثقفي كما معرفة السنن للبيهقي (4/ 399).