الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث عشر
في إلحاق ما زيد في الثمن أو حط منه بأصل العقد
[م - 266] لا خلاف بين الفقهاء بأن للمشتري أن يزيد للبائع في الثمن، وأن للبائع أن يزيد في المبيع للمشتري، أو يحط عن المشتري في الثمن، وإنما الخلاف بينهم هل تلحق هذه الزيادة أو النقصان بأصل العقد، وتكون ثمنًا، أو لا تلحق وتعتبر هبة؟
فإن اعتبرنا الزيادة أو النقص هبة لم تلزم إلا بالقبض، وإن اعتبرنا ذلك من الثمن أوجب ردها في الاستحقاق، وفي الرد بالعيب، وإن كانت الزيادة فاسدة فسد البيع، ومن لم يجعلها من الثمن لم يوجب شيئًا من هذا.
ولتحرير ذلك نقول:
إن كانت الزيادة أو الحط قبل لزوم العقد
(1)
، فإنها تلحق بأصل العقد، وتكون ثمنًا، وتضاف إلى الثمن في بيوع الأمانة، باعتبار أن الزيادة، أو النقص جزء من الثمن، ولأن العقد قبل لزومه لم يستقر، فالثمن فيه قابل للزيادة والنقص، فوجب إلحاقه برأس المال، والإخبار به كأصله.
قال ابن قدامة: «وإن كان ذلك - يعني الزيادة في الثمن والحط منه - في مدة
(1)
كما لو كانت الزيادة في الثمن أو الحط منه قبل لزوم العقد (زمن خيار المجلس وخيار الشرط) فإن الزيادة، والحط تلحق بالعقد وتأخذ حكم الثمن لكون ذلك قبل لزوم العقد واستقراره، أما لو كانت الزيادة، أو الحط من الثمن بعد لزوم العقد، فإنها لا تلحق بالعقد.
الخيار لحق بالعقد، وأخبر به في الثمن، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم»
(1)
.
[م - 267] وأما إن كانت الزيادة، أو الحط، بعد لزوم العقد، فقد اختلف الفقهاء هل يلحق ذلك بأصل العقد، أو تكون الزيادة هبة، والحط إبراء؟
فقيل: يلحق ذلك بأصل العقد
(2)
بشروط منها:
الأول: أن يقترن ذلك بقبول الطرف الآخر في مجلس الزيادة.
الثاني: يشترط أن يكون المبيع قائمًا إذا كانت الزيادة في الثمن لأنه إذا كان هالكًا قوبلت الزيادة بمعدوم وإذا كان في حكم الهالك - وهو ما أخرجه عن ملكه - قوبلت الزيادة بما هو في حكم المعدوم
(3)
،
وأما الحط من الثمن فيجوز، ولو بعد هلاك المعقود عليه إجماعًا.
(1)
المغني (4/ 130)، وانظر روضة الطالبين (3/ 532).
(2)
فائدة الإلحاق تظهر في مسائل منها.
الأولى: إلحاق الزيادة برأس المال في بيع التولية والمرابحة، والباقي بعد الحط.
الثانية: في الشفعة حيث يخصم الحط على الشفيع دون الزيادة، وذلك لأن الزيادة لما كانت بعد لزوم العقد فقد ثبت حق الشفيع بالعقد الأول، فالزيادة وإن ألحقت بأصل العقد فهي في حق العاقدين فقط حيث تم ذلك برضاهما، ولم يرض الشفيع تلك الزيادة.
الثالثة: في الاستحقاق، فإذا استُحِق المبيعُ وقضي به للمستحق فإن المشتري يرجع على البائع بالكل من أصل وزيادة، وكذلك في الرجوع بالعيب ولو أجاز المستحق البيع أخذ الكل.
الرابعة: في حبس المبيع، فله حبسه حتى يقبض الزيادة.
الخامسة: في فساد الصرف بالحط أو الزيادة للربا، كأنهما عقداه متفاضلًا ابتداء. ومنع أبو يوسف صحة الزيادة فيه والحط، ولم يبطل البيع، ووافقه محمد في الزيادة، وجوز الحط على أنه هبة مبتدأة. انظر البحر الرائق (6/ 130).
(3)
وللبائع أن يزيد مقدار المبيع بعد العقد، إذا كان المبيع قائمًا، واختلفوا بعد هلاك المبيع،
فقيل: يجوز؛ لأن الزيادة تثبت في مقابلة الثمن، وهو قائم .... ومثله في كثير من الكتب، كالفتح وغيره.
وقيل: لا يجوز إذا كان المبيع هالكًا، جاء في شرح العيني على الهداية:«زيادة البائع للمشتري في المبيع جائز ما دام المبيع قائمًا؛ لأن المعقود عليه ما دام قائمًا كان العقد قائمًا؛ لقيام أثره، وهو الملك المستفاد في العين، فإذا هلك لم تصح الزيادة؛ لأن العدم لا يصح تغييره، بخلاف الحط، فأنه يصح بعد هلاك المعقود عليه، فإنه إن أمكن أن يجعل تغييرًا للعقد بأن كان العقد قائمًا جعل تغييرًا، وإن لم يمكن جعله تغييرًا، كما في حالة الهلاك، جعل إبراء عن الدين، فصح الحط في الحالين» . وصرح في شرحه على الكنز بأن الزيادة في المبيع لا تصح بعد هلاك المبيع على ظاهر الرواية بخلاف الحط؛ لأنه إسقاط محض، ونقل عن المحيط بأن جواز الزيادة بعد الهلاك، إنما هو في رواية النوادر. قال الأتاسي في شرح مجلة الأحكام العدلية (2/ 179):«أنت خبير بأنه لا يجوز العدول عن ظاهر الرواية، ما لم يصرحوا بتصحيح خلافها، ولم أر ذلك لأحد، فليراجع، وليتدبر، ثم رأيت في مجمع الأنهر ما يوافق ما ذكره العيني في شرحيه فافهم» .
الثالث: يستثنى من المبيع المسلم فيه، فإنه لا تجوز الزيادة فيه، وعللوا ذلك: بأنه معدوم حقيقة، وإنما جعل في الذمة لحاجة المسلم إليه.
وقال في بدائع الصنائع: «وأما الزيادة في المسلم فيه فلا تجوز في الإجماع»
(1)
.
الرابع: ألا تكون الزيادة مفسدة للعقد، فإن كانت مفسدة للعقد لم تصح الزيادة عند أبي يوسف ومحمد، كما لو باع الدراهم بالدراهم متساوية، ثم زاد أحدهما، أو حط، وقبل الآخر، وقبض الزايد في الزيادة، أو المردود في الحط، لم تصح الزيادة ولا الحط عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنفية تصح الزيادة، وتلحق بأصل العقد كأنهما عقداه كذلك من الابتداء، فيفسد العقد بسبب الزيادة أو الحط.
ولا فرق فيما لو كانت الزيادة بعد التقابض، أو قبله أو كانت من جنس المبيع، أو الثمن، أو من غير جنسه.
(1)
بدائع الصنائع (5/ 258).