الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
في الانتفاع من جثة الميت لغرض غرس الأعضاء
ليس البحث هنا عن نقل الدم، أو عن نقل عضو من إنسان حي لا يتأثر بذلك، ونقله إلى إنسان آخر، فإن ذلك لا علاقة له في بحثنا؛ لأن البحث كله يدور في حكم بيع الميتة، إذا ثبت في الواقع أن هناك منافع لها، فهل هذه المنافع تثبت لها المالية، بحيث يمكن المعاوضة عليها أو لا؟ فقد تكلمنا بشيء من التفصيل عن ميتة الحيوان، وعن بيع أجزئها من جلد وشعر ووبر وصوف وعظم ولبن وأنفحة ونحوها، وانتقلنا من ميتة الحيوان إلى ميتة الآدمي، والكلام فيها في مسألتين:
الأولى: هل يمكن الانتفاع بأعضاء الميت، ونقلها إلى إنسان حي مضطر إليها؟
والمسألة الثانية: إذا أمكن ذلك، فهل يمكن بيعها والمعاوضة عليها لثبوت هذه المنفعة؟
إذا علم هذا نقول: لا يمكن من الناحية الطبية نقل الأعضاء من الميت بعد موت القلب وتوقفه عن النبض، ولا بد من نقل الأعضاء من الميت، وهو في حالة موتٍ يسميه الأطباء موتا دماغيًا، يمكن معه أن يستمر القلب في الضخ، والرئتان في التنفس بعد إعلان موت الدماغ.
وهناك رأيان لأهل الاختصاص الطبي في تحديد حقيقة الموت الدماغي:
الأول: التعريف الأمريكي: أن موت الدماغ يعني: توقف جميع وظائف الدماغ (المخ، والمخيخ، وجذع المخ) توقفًا نهائيًا، لا رجعة فيه.
الثاني: التعريف البريطاني: أن موت الدماغ: هو توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفًا نهائيًا، لا رجعة فيه
(1)
.
وقد ظهر مفهوم موت الدماغ وتقبلته الدوائر الطبية أولًا، ثم القانونية وذلك منذ السبعينيات وبداية الثمانينات في القرن العشرين، وتمكن الجراحون من أخذ الأعضاء، وهي لا تزال في حالة جيدة بسبب التروية الدموية المستمرة حتى لحظة نزع العضو، أو قبيله مباشرة.
وإذا كان غرس الأعضاء متوقفًا على حكم ما يسمى بالوفاة الدماغية، فإن كان ذلك موتًا حقيقيًا، أمكن النظر في جواز الانتفاع بأعضاء هذا الإنسان من الناحية الفقهية، وإن كانت الوفاة الدماغية لا تعتبر موتًا حقيقيًا فإنه لا يمكن مناقشة غرس الأعضاء؛ لأن ذلك سيكون عملًا جنائيًا أن ينزع أحد من إنسان أعضاءه التي تتوقف حياته عليها قبل وفاته.
(1)
الدماغ يتكون من ثلاثة أجزاء، وكل جزء منه له وظيفته الخاصة:
فالمخ: ووظيفته تتعلق بالتفكير والذاكرة والإحساس، فإذا أصيب فقد الذاكرة والتفكير والإحساس، كما يفقد وعيه الكامل، وتصبح حياته كما يسميه الأطباء حياة جسدية نباتية، يتغذى، ويتنفس، وقلبه ينبض.
والمخيخ: وظيفته تتعلق بتوازن الجسم. فإذا أصيب المخيخ فقد الإنسان توازن جسمه، كما يفقد وعيه بالكامل، وتصح حياته حياة جسدية نباتية يتغذى ويتنفس، وقلبه ينبض.
وأما جذع المخ، فهو أهم هذه الأجزاء، ووظائفه وظائف أساسية، ففيه المراكز الأساسية للحياة، مثل مركز التنفس، والتحكم بالقلب، والدورة الدموية، فإذا أصيب جذع المخ فهذه علامة من علامات الموت عند أغلب الأطباء، والغالب أن إصابته تكون بسبب الحوادث، أو النزيف الداخلي.
وعلامات موت جذع المخ، منها:
الإغماء الكامل، وعدم الحركة، وعدم التنفس وانقطاعه، ولهذا يحتاج إلى أجهزة الإنعاش، وعدم وجود أي نشاط كهربائي عند رسم المخ.
[ن-14] وقد اختلف العلماء، هل يحكم بموت الشخص بمجرد موت دماغه، ولا ينظر إلى عمل القلب، بحيث تترتب عليه جميع الأحكام الشرعية المقررة في حال الوفاة، أم لا بد من توقف القلب عن النبض حتى يحكم بموت الإنسان؟
فقيل: يعتبر الموت الدماغي موتًا حقيقيًا لصاحبه، وإن كانت وظائف جسمه تعمل كالكبد، والقلب، والكلى، وغيرها من الأعضاء، وممن اختار ذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فقد جاء في قرار المجمع ما نصه:
يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا في الوفاة عند ذلك، إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1 -
«إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامًا، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2 -
إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًا، وحكم الأطباء الاختصاصيون، والخبراء، بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل، وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلًا لا يزال يعمل آليًا، بفعل الأجهزة المركبة»
(1)
. اهـ
وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء المعاصرين، منهم: الدكتور عمر سليمان الأشقر
(2)
، والدكتور محمد سليمان الأشقر
(3)
، والدكتور محمد نعيم
(1)
قرار (5) د 3/ 70/86.
(2)
بحوث (ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها)(ص: 146).
(3)
المرجع السابق (ص: 428).