الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراجح:
الراجح والله أعلم جواز أكل لحم الآدمي عند الضرورة. وإذا ثبت جواز المنفعة من جثة الميت بالتشريح لكشف الجريمة والأمراض الوبائية، وجاز الانتفاع بجثة الميت بالأكل للمضطر، فهل يجوز بذل المال في شراء الجثة لهذا المنافع المباحة؟ فالمباحث السابقة إنما سيقت لبيان أن جثة الميت صالحة للانتفاع بها كالتشريح، ونقل الأعضاء، والأكل عند الاضطرار، فمن احتاج إلى هذه المنافع، فهل يجوز له شراؤه لذلك.
وللجواب على ذلك يقال: هناك فرق بين الانتفاع وبين البيع، فليس كل ما يجوز الانتفاع به يجوز بيعه.
فهذا الدم لا يجوز بيعه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله في فصل مستقل، ويكاد يتفق الفقهاء في هذا العصر على جواز هبته، ونقله من شخص لآخر.
وهذا الكلب، لا يجوز بيعه على الصحيح، وهو قول الجمهور كما سيأتي بحثه إن شاء الله تعالى، ومع ذلك يجوز الانتفاع به في الحراسة، والصيد، ونحوها.
فالأئمة على تحريم بيع جثة الآدمي:
قال العيني: «قال ابن المنذر: فإذا أجمعوا على تحريم بيع الميتة، فبيع جيفة الكافر من أهل الحرب كذلك، وقال شيخنا: استدل بالحديث على أنه لا يجوز بيع ميتة الآدمي مطلقا سواء فيه المسلم والكافر، أما المسلم فلشرفه وفضله، حتى إنه لا يجوز الانتفاع بشيء من شعره، وجلده، وجميع أجزائه.
وأما الكافر فلأن نوفل بن عبد الله بن المغيرة لما اقتحم الخندق، وقتل، غلب المسلمون على جسده، فأراد المشركون أن يشتروه منهم فقال صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا بجسده، ولا بثمنه فخلى بينهم وبينه.
ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير، قال ابن هشام: أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري.
(ح-158) وروى الترمذي من حديث ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم .. »
(1)
.
قلت: حديث ابن عباس
(ح-159) رواه الترمذي
(2)
، والبيهقي
(3)
، من طريق الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم،
عن ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم إياه. هذا لفظ الترمذي.
ولفظ البيهقي: أن المسلمين أصابوا رجلًا من عظماء المشركين، فسألوهم أن يشتروه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوا جيفة مشرك.
[وهذا حديث ضعيف]
(4)
.
(1)
عمدة القارئ (12/ 55)، وانظر المبسوط (14/ 56).
(2)
سنن الترمذي (1715).
(3)
سنن البيهقي (9/ 133).
(4)
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الحكم، ورواه الحجاج بن أرطأه أيضًا عن الحكم .. » .
قلت طريق الحجاج بن أرطأة أخرجه البيهقي (9/ 133) من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا حجاج، عن الحكم به، أن رجلًا من المشركين قتل يوم الأحزاب، فبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا جسده، ونعطك اثني عشر ألفًا، فقال: لا خير في جسده، ولا في ثمنه».
وحاول الحافظ تقوية إسناده بحديث قتلى بدر من المشركين ممن رمي في القليب، والحديث في البخاري، قال:«وأخذه من حديث الباب أن العادة تشهد أن أهل قتلى بدر، لو فهموا أن يقبل منهم فداء، لبذلوا فيها ما شاء الله، فهذا شاهد لحديث ابن عباس، وإن كان إسناده غير قوي» .
وقال القاضي عياض: «وفي تحريم بيع الميتة حجة على منع بيع جثة الكافر إذا قتلناه من الكفار، واقترابهم منا له، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في غزوة الخندق، وقد بذلوا له في جسد نوفل بن عبد الله المخزومي عشرة الآف درهم، فيما ذكره ابن هشام، فدفعه إليهم، ولم يقبل ذلك منهم، وقال: لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه، وقد خرج الترمذي في هذا حديثًا نحوه «
(1)
.
وقال البخاري في صحيحه: «باب طرح جيف المشركين في البئر، ولا يؤخذ لهم ثمن» .
ثم ساق البخاري بإسناده عن عبد الله في ذكر قتلى بدر، وطرحهم في القليب
(2)
.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي، ورد فيه:«لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما، أما بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة، أو مكافأة، فمحل اجتهاد ونظر»
(3)
.
فهنا فرقوا بين البائع والباذل، فجزموا بالتحريم في حق البائع، وفتحوا الاجتهاد في مسألة المشتري أو ما سموه المستفيد.
والباذل إذا لم يمكن أن يدفع الضرر عنه إلا عن طريق الشراء فهو مضطر لذلك، والإثم على من ألجأه إلى ذلك.
وجاءت فتوى من لجنة الإفتاء في الأردن حول جواز نقل الأعضاء البشرية من إنسان لآخر تبرعًا، وتضمنت الفتوى تحريم البيع، حيث جاء فيها:«لا يجوز أن يتم التبرع مقابل بدل مادي، أو بقصد الربح»
(4)
.
(1)
إكمال المعلم (5/ 255)، وانظر مواهب الجليل (3/ 390).
(2)
صحيح البخاري (3/ 1163) رقم: 3185.
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع (1/ 510).
(4)
مجلة المجمع الفقهي، الدورة الرابعة (1/ 413).
ونقل الإجماع على تحريم البيع بعض أهل العلم.
ففي مجلة مجمع الفقه الإسلامي: «وقد أجمع الفقهاء على عدم جواز بيع الأعضاء من الحر»
(1)
.
* * *
(1)
المرجع السابق (1/ 110).