الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختاره أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية
(1)
، وهو الأصح في مذهب الشافعية
(2)
.
وعللوا ذلك:
بأن الأملاك بين الآباء والأبناء متباينة، إذ ليس لكل واحد منهما في ملك صاحبه ملك، ولا حق ملك، فهما في ذلك كالأخوين.
واستثنى الشافعية ما يشتريه من ابنه الطفل، فيجب الإخبار به؛ لأن الغالب في مثله الزيادة. وكذا ما اشتراه بدين من مماطل أو معسر.
وقيل: إذا اشتراه من أبيه أو ابنه، أو زوجه ولم يكن في البيع محاباة لم يجب البيان، وهذا مذهب المالكية
(3)
.
فجعل المالكية الحكم يدور مع علته، وجودًا وعدمًا، فإن وجد محاباة وجب البيان، وإن لم يوجد لم يجب.
وهذا الكلام جيد إلا أنه لا يترك التقدير للبائع، لأن الناس لا ينصفون من أنفسهم، فقد يدعي البائع بأنه لا محاباة في مثل ذلك، وواقع الحال غير هذا،
(1)
المبسوط للشيباني (5/ 168 - 169)، المبسوط للسرخسي (13/ 88 - 89)، بدائع الصنائع (5/ 225).
(2)
تفرد الشافعية في التفريق بين الابن الرشيد وبين الطفل، قال النووي في الروضة (3/ 534):«ولو اشترى من ابنه الطفل وجب الإخبار به؛ لأن الغالب في مثله الزيادة نظرًا للطفل، ودفعًا للتهمة، ولو اشترى من أبيه، أو ابنه الرشيد لم يجب الإخبار به على الأصح باتفاقهم كالشراء من زوجته ومكاتبه» . وانظر حاشية البجيرمي (2/ 287)،
(3)
الذخيرة (5/ 181)، قال ابن عبد البر في الكافي (ص: 345): «ولا بأس أن يبيع ما اشترى من أبيه وابنه، وعبده مرابحة دون أن يبين» ، وانظر المدونة (4/ 239 - 240)، تهذيب المدونة (3/ 55).
إلا أن يقال: إن بيع الأمانة ما دام منوطًا في صدق البائع فليصدق في هذا أيضًا، فهو قائم على أساس أمانة البائع وصدقه، والله أعلم.
وبهذا نكون قد أنهينا الكلام على بيوع الأمانة، ولم يبق فيها إلا مسألة واحدة، وهي حكم الخيانة إذا ظهرت في بيوع الأمانة، وقد أرجأت هذه المسألة إلى كتاب الخيار لعلاقتها به، فلله الحمد والفضل سبحانه لا أحصي ثناء عليه.
* * *
الباب السادس
في موانع البيوع أو البيوع المنهي عنها
في هذا الباب سوف نتكلم عن البيوع المنهي عنها، ويبحثها بعض الفقهاء تحت مسمى (موانع البيع) فهي بيوع في جملتها قد توفرت في كثير منها شروط البيع الصحيح، لكن الشيء لا يتم حتى تتوفر شروطه، وتنتفي موانعه، وهذه البيوع منها ما يكون المانع فيها لحق الله سبحانه وتعالى، كالبيع بعد نداء الجمعة الثاني، ومنها ما يكون المانع فيها لحق الآدمي، كالبيع على بيع أخيه، وتلقي الجلب، ومنها ما يكون المانع فيه لحق الله سبحانه وتعالى، ولحق الآدمي، كالبيوع المشتملة على الربا، وهذه المسائل، منها ما هو الراجح فيها بطلان البيع، فيجمع النهي بين التحريم والبطلان، ومنها ما لا يقتضي البطلان على الصحيح، وسوف نتكلم إن شاء الله تعالى في هذا الباب على المسائل التي ورد فيها نصوص، سواء كانت هذه النصوص صحيحة، أو كانت لا تصح، ونتناول فهم الفقهاء لهذه النصوص، وسيكون الترجيح فيها بحسب فهم الباحث وظنه كالحال في مسائل الخلاف، وقد يكون الصواب خلاف ما رجحت، وإنما التكليف على قدر الفهم، والله المستعان وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويمكن للباحث أن يقسم هذا الباب عدة أقسام:
إما تقسيمه باعتبار ما كان النهي فيه لحق الله.
وما كان النهي فيه لحق الآدمي.
وما كان النهي فيه لحق الله، ولحق الآدمي.
أو تقسيمه باعتبار ما نهي عنه لأمر يرجع إلى العاقد، أو لأمر يرجع إلى المعقود عليه، أو لأمر يرجع إلى صيغة العقد.
أو تقسيمه باعتبار سبب التحريم، فيقال مثلًا:
ما كان النهي فيه بسبب الغرر، ثم تذكر الأمثلة على ذلك.
ما كان النهي فيه بسبب ترك واجب، أو ارتكاب محرم، تم تذكر الأمثلة على ذلك.
ما كان النهي فيه بسب الغش والخداع، ثم تذكر أمثلة على ذلك، حتى يأتي على الأعيان المنهي عنها، وهذا ما سوف أختاره؛ لأن هذا التقسيم قائم على الفقه والفهم لهذه النصوص، وهو أليق بالبحث، ولأن التقسيم الأول، وهو ما كان النهي فيه لحق الله، أو كان النهي فيه لحق الآدمي، فيه تداخل، لأن ما نهى عنه الله بسبب حق الآدمي، فمخالفه قد عصى الله أيضًا، هذا ما أحببت أن أتقدم به قبل الدخول في صلب الموضوع، أسأل الله سبحانه وتعالى عونه وتوفيقه إنه على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *