الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب آخرون إلى إلحاق العب البلاستيكية باللعب القديمة، من ذلك السيد سابق في كتابه فقه السنة
(1)
، والشيخ يوسف القرضاوي
(2)
وغيرهم.
وحجتهم:
أن الأحاديث التي فيها إذن باتخاذ لعب البنات جاءت مطلقة، ولم تتعرض للقيد صراحة، وأضيف على ذلك بأنه لو طمس الوجه لم يختلف أحد في إباحتها، واختلاف العلماء المتقدمون في لعب البنات إنما هو في صورة لها وجه، ولها يدان، ورجلان، ولذلك قال الإمام أحمد في عصره: قال أبو عبد الله: «فقد يصيرون لها صدرًا، و عينًا، وأنفًا وأسنانًا
…
»
(3)
.
مما يدل أن كلام المتقدمين ليس في صورة لها وجه مطموس، أو صورة من عودين معترضين يشكلان على هيئة مخلوق صغير، ثم يلبس بالقماش، فإن هذا ليس منهيًا عنه مطلقًا في حق الجميع من كبار وصغار، فعندما يقول العلماء المتقدمون: إن لعب الأطفال مخصوصة من النهي فذلك يعني صورة منهيًا عنها، ولا تكون صورة منهي عنها إلا ولها عينان، وأنف، وأسنان، كما أن لها يدين ورجلين، وإلا فما معنى قولهم: إن لعب الأطفال مخصوصة من النهي، إذا كانت ليست على شكل صورة، وإنما هي صورة قد طمس وجهها.
قال القاضي عياض رحمه الله، وهو يتكلم على حديث:«كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال:» فيه جواز اللعب بهن، وتخصيصهم من الصور المنهي عنها لهذا الحديث، ولما في ذلك من تدريب النساء في صغرهن على النظر لأنفسهن
(1)
فقه السنة (3/ 500).
(2)
الحلال والحرام (ص: 103 - 104).
(3)
الورع (ص: 154) وقد نقلنا النص بتمامه.
وبيوتهن، وأبنائهن، وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن .... وعلى الجواز بلعب الجواري بهن جمهور العلماء .. »
(1)
.
فقوله: وتخصيصه من الصور المنهي عنها دليل على أنه يتكلم عن صورة منهي عنها، لا عن صورة مأذون فيها، فالصورة التي يتكلمون عليها، وهي الصورة المطموسة الوجه لا أحد يجادل أنه ليس منهيًا عنها أصلًا، ولذلك ذكر شيخنا ابن عثيمين رحمه الله للخروج من الشبهة بأن يطمس وجهها - يعني الصورة البلاستيكية- وإذا طمس وجهها أبيحت على كل حال، ولم تكن مخصوصة من النهي، وسوف أسوق كلامه بتمامه إن شاء الله تعالى.
وقال الحافظ ابن حجر: «واستدل بهذا الحديث - يعني: حديث لعب عائشة - على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور»
(2)
.
فتأمل كلام الحافظ ابن حجر، وقوله:«وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور» .
وقال الخطابي: «أرخص لعائشة رضي الله عنها؛ لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ»
(3)
.
فقوله: (أرخص لعائشة) دليل على أنه في حق صورة محرمة، لا في حق وسادة كبيرة خيط في أعلاها وسادة صغيرة، ولا في أعواد ربط بعضها ببعض.
وقال المناوي في فيض القدير: «ويستثنى من تحريم التصوير لعب البنات،
(1)
إكمال المعلم (7/ 447).
(2)
الفتح (10/ 527).
(3)
عمدة القارئ (22/ 170).
فيجوز عند المالكية، والشافعية، لورود الترخيص فيه، وشذ بعضهم فمنعها، ورأى أن حلها منسوخ»
(1)
.
وذهب آخرون إلى التوقف عن القول بالتحريم، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.
قال في كتابه الشرح الممتع: «قسم من البلاستك، وتكون على صورة الإنسان الطبيعي إلا أنها صغيرة، يكون لها حركة، وقد يكون له صوت، فقد يقول قائل: إنها حرام؛ لأنها دقيقة التصوير، وعلى صورة الإنسان تمامًا، أي ليست صورة إجمالية، ولكن صورة تفصيلية، ولها أعين تتحرك، وقد نقول: إنها مباحة؛ لأن عائشة كانت تلعب بالبنات، ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا استدللنا بحديث عائشة، فقد يقول قائل: بأن الصور التي عند عائشة ليست بهذه الصور الموجودة الآن، بينهما فرق عظيم، فمن نظر إلى عموم الرخصة، وأنه قد يرخص للصغار ما لا يرخص للكبار، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في باب السبق لما ذكر بعض آلات اللهو، قال: إنه يرخص للصغار ما لا يرخص للكبار؛ لأن طبيعة الصغار اللهو، ولهذا تجد هذه الصور عند البنات الصغار كالبنات حقيقة، كأنها ولدتها، وربما تكون وسيلة لها لتربي أولادها في المستقبل، وتجدها تسميها أيضًا، هذه فلانة، وهذه فلانة، فقد يقول قائل: إنه يرخص لها فيها، فأنا أتوقف في تحريمها في الواقع، لكن يمكن التخلص من الشبهة بأن يطمس وجهها بالنار. اهـ كلام شيخنا رحمه الله.
والملاحظ أن شيخنا لم يتوقف في إباحتها، بل توقف عن القول بالتحريم، وبينهما فرق، وهذا من فقهه رحمه الله تعالى.
(1)
فيض القدير (1/ 518).
ولذلك حين وجه للشيخ سؤالان عن هذه اللعب في اللقاء المفتوح معه، لم يشدد فيها. وإليك نص جوابه رحمه الله.
السؤال الأول: ما حكم اقتناء لعب الأطفال التي على شكل تمثال، من حصان، أو حمار، أو طير، أو غير ذلك؟
الجواب: الألعاب التي يلعب بها الصبيان نتسامح فيها قليلًا؛ لأن عائشة رضي الله عنها كان عندها لعب بنات تلعب بها، ويسامح للصغار ما لم يسامح للكبار، لكن الأفضل في هذه الحالة أن يشتري لهم لعبة من هذه اللعب التي بدأت تصدر حديثًا، وهي ألعاب من القطن، أو من الإسفنج، على شكل آدمي أو على شكل حصان، أو على شكل بعير، إلا أنها ليست بينة، أي: ما فيها أنف بارزة، ولا شفتان، ولا شيء من الأشياء البارزة، يتلهى بها الصبي، وهو أحسن وأحوط. اهـ جوابه رحمه الله.
وأما السؤال الثاني في اللقاء المفتوح، فجاء فيه:
بالنسبة للعبة الأطفال التي تسمى العروسة، سمعنا أنك أفتيت فيها بالجواز؟
فكان جوابه رحمه الله: أي نعم، لعب الأطفال، أنا لا أشدد فيها.
أولًا: لأن حديث عائشة (أنها كانت تلعب بالبنات) صحيح ثابت في البخاري وغيره، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لا نعلم أن الصناعة وصلت إلى هذا الحد المعروف الآن. فنقول: ما دام المعنى الذي من أجله أبيح للبنات اللعب، هو موجود الآن حتى في هذه الصور، ولذلك تجد الصبية إذا صار لها بنت من هذه الصور تعتني بها اعتناءً كاملًا، تلبسه الثياب، وتغسله، وتضعه أمام المكيف، وتقول له: يا حلالي، ويا حبيبتي، وما أشبه ذلك، فالحكمة من ذلك اعتياد البنت على تربية أبنائها، فما دامت هذه العلة، فهي
موجودة، لكن مع ذلك لا نحبذ هذا الشيء، ونقول: من الممكن تأتي بالصورة هذه، وتقلع وجهها بالسكين، وتجعلها شيئًا آخر، وتكون كأنها بنت متغللة عليها غلال واحد. اهـ جوابه.
* * *