الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب العاشر
في بيع المنابذة والملامسة
(ح-210) جاء في السنة ما رواه البخاري ومسلم من طريق يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عامر بن سعد،
أن أبا سعيد الخدري، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذاك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر ثوبه، ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض
…
الحديث
(1)
.
(ح-211) وروى البخاري ومسلم من طريق أبي الزناد ومحمد بن يحيى ابن حبان، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة
(2)
.
(ح-212) وروى مسلم من طريق ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن عطاء بن ميناء، أنه سمعه يحدث،
عن أبي هريرة أنه قال: نهى عن بيعتين: الملامسة، والمنابذة، أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه
(3)
.
(1)
البخاري (5820)، ومسلم (1512).
وأخرجه البخاري (2147) من طريق معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبستين، وعن بيعتين، الملامسة والمنابذة.
(2)
صحيح البخاري (2146)، ورواه مسلم (1511).
(3)
مسلم (1511)، ظاهره: أن التفسير جزء من الحديث المرفوع، لكن رواه النسائي في المجتبى (4517) من طريق عبيد الله بن عمر، عن خبيب، عن حفص بن عاصم،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين، أما البيعتان: فالمنابذة، والملامسة، وزعم أن الملامسة: «أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك، ولا ينظر أحدهما إلى ثوب الآخر، ولكن يلمسه لمسًا، وأما المنابذة أن يقول: أنبذ ما معي، وتنبذ ما معك، ليشتري أحدهما من الآخر، ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر، ونحوًا من هذا الوصف.
قال الحافظ في الفتح (4/ 360): «ولفظة (وزعم أن الملامسة أن يقول: .. الخ) فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي لبعد أن يعبر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: زعم، ولوقوع التفسير في حديث أبي سعيد الخدري من قوله أيضًا» .
ورواه البخاري في صحيحه من الطريق نفسه، وليس فيه التفسير، وزاد النهي عن صيام الفطر، والنحر
(1)
.
وفي الباب حديث أنس عند البخاري
(2)
.
[م - 322] كلام أهل العلم في تفسير الملامسة:
ظاهر الحديثين السابقين أن التفسير جزء من الحديث المرفوع،
قال ابن حجر: «ظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع، لكن وقع في رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: وزعم أن الملامسة أن يقول .. الخ» فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي، لبعد أن يعبر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: زعم، ولوقوع التفسير في حديث أبي سعيد الخدري من قوله أيضًا، كما تقدم»
(3)
.
فهنا ابن حجر رحمه الله يميل إلى أن التفسير الوارد في الحديثين موقوف على
(1)
البخاري (1993).
(2)
البخاري رقم: (2207).
(3)
الحافظ في الفتح تحت حديث رقم (2147).
الصحابي.
وأما ابن عبد البر رحمه الله فيميل إلى أن التفسير من كلام الليث، أو ابن شهاب في حديث أبي سعيد.
(1)
.
وأستبعد أن يكون من كلام الليث؛ لأنه رواه غير الليث، عن ابن شهاب، وذكر هذا التفسير، والذي أميل إليه، والله أعلم أن يكون التفسير من كلام ابن شهاب، خاصة أن التفسير ورد عن ابن شهاب موقوفًا عليه، دون الحديث المرفوع، أو يكون ممن فوقه دون الرسول صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
التمهيد (13/ 10 - 11).
(2)
ولعلي أوقف القارئ الكريم على الطرق التي وقفت عليها من حديث أبي سعيد ليعرف من ذكر التفسير ممن لم يذكره، ولعله يوافقني في الرأي أو يقف على دليل يرد به ما رجحته، والله أعلم.
الطريق الأول: ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبي سعيد الخدري.
رواه الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب به، لم يختلف على الليث في هذا الطريق بذكر تفسير الملامسة والمنابذة، أخرجه البخاري (2144)، والنسائي في المجتبى (4510)، وفي الكبرى (6101)، ولعل هذا ما جعل الحافظ ابن عبد البر يعتقد أن التفسير قد يكون من قبل الليث بن سعد.
ورواه يونس عن ابن شهاب، واختلف على يونس فيه:
فرواه الليث عن يونس، عن ابن شهاب به، بذكر تفسير الملامسة والمنابذة، أخرجه البخاري (5820).
ورواه ابن وهب عن يونس، واختلف على ابن وهب،
فرواه النسائي في المجتبى (4511)، وفي الكبرى (6102) أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، والحارث بن مسكين، عن ابن وهب به، بدون ذكر التفسير. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه أبو الطاهر وحرملة بن يحيى، واللفظ لحرملة كما في صحيح مسلم (1512)، قالا: أخبرنا أبن وهب به بذكر التفسير.
ورواه صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، أيضًا بذكر تفسير الملامسة والمنابذة، كما في مسند أحمد (3/ 95)، والنسائي في المجتبى (4514)، وفي الكبرى (6105).
وهو في صحيح مسلم (1512) إلا أنه ساق إسناده، ولم يذكر متنه.
ورواه ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بالتفسير، كما في مسند أبي عوانة (3/ 255).
ورواه عبد الرزاق في المصنف (7884، 14990) ومن طريقه أحمد (3/ 95) إلا أنه قال: عن عمر ابن سعد، وفي بعضها (عمرو بن سعد)، قال الدارقطني في العلل: ولا يصح، والصحيح حديث عامر بن سعد.
فهنا ورد التفسير من غير طريق الليث، فخرج عندي احتمال أن يكون التفسير من قبل الليث كما ساقه احتمالًا الحافظ ابن عبد البر.
الطريق الثاني: ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد
رواه معمر عن ابن شهاب، واختلف على معمر فيه
فرواه أحمد (3/ 66) البخاري (2147) عن عبد الأعلى، عن معمر به بدون ذكر التفسير.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (7882، 14987)، ومن طريقه أحمد (3/ 95)، والنسائي في المجتبى (4515)، وابن حبان (4976) عن معمر به بذكر التفسير.
ورواه سفيان، عن ابن شهاب به، ولم يختلف على سفيان في عدم ذكر التفسير، كما في مصنف ابن أبي شيبة (22274)، ومسند أحمد (3/ 6)، وصحيح البخاري (6284)، وسنن أبي داود (3377)، والنسائي في المجتبى (4512) وفي الكبرى (6103)، ومسند أبي يعلى (976) وسنن الدارمي (2562) بالنهي عن الملامسة، والمنابذة.
وقد ذكر الدارمي تفسير الملامسة والمنابذة من قوله هو، ولو كانت عنده مرفوعة لذكرها من الحديث، بل رواه ابن ماجه، وفصل التفسير عن اللفظ المرفوع، وجعل التفسير من قول ابن عيينة، قال ابن ماجه (2170): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسهل بن أبي سهل، قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة، زاد سهل: قال سفيان: الملامسة: أن يلمس الرجل بيده الشيء، ولا يراه، والمنابذة: أن يقول: ألق إلي ما معك، وألقي إليك ما معي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ويستبعد أن يروي سفيان بن عيينة التفسير عن ابن شهاب مرفوعًا، ثم يذكر ذلك من قوله.
والذي حملني إلى الميل على أن التفسير قد يكون من قبل ابن شهاب أن العلماء نقلوا التفسير عن الزهري بدون أن يذكروا الحديث المرفوع، انظر التمهيد لابن عبد البر (13/ 13)، الاستذكار (6/ 461)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 76)، عمدة القارئ (11/ 266).
هذا فيما يتعلق بتخريج حديث أبي سعيد، وأما حديث أبي هريرة، فإليك ما وقفت عليه من طرقه:
فقد رواه الأعرج، وهو من أخص أصحابه، وأبو صالح السمان، وهمام بن منبه والشعبي ولم يذكروا عنه تفسير الملامسة والمنابذة، بل رواه حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وفي الحديث ما يدل على أن التفسير ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيانه.
ورواه عطاء بن ميناء، وسعيد بن المسيب بذكر التفسير. وما قلته في حديث أبي سعيد يقال في حديث أبي هريرة، بأن التفسير الذي يترجح أنه ليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وإليك تخريج الطرق التي أشرت إليها.
الطريق الأول: طريق الأعرج، عن أبي هريرة بدون ذكر تفسير الملامسة والمنابذة، كما في موطأ مالك (2/ 666، 917)، ومسند أحمد (2/ 379، 529، 476، 480، 529) وصحيح البخاري (2146) و (5821) ومسلم (1511)، وسنن الترمذي (1310)، والنسائي في المجتبى (4509)، وفي الكبرى (6100) وصحيح ابن حبان (4975)، وسنن البيهقي (3/ 236)، و (5/ 341)، وفي معرفة السنن (4/ 379).
وفسر مالك الملامسة والمنابذة من قوله، ولو كانت في الحديث لرواها مرفوعة.
الطريق الثاني: حفص بن عاصم، عن أبي هريرة بدون ذكر التفسير.
عند أحمد (2/ 496) ابن أبي شيبة (22275)، البخاري (5819) ومسلم (1511)، وابن ماجه (2169).
ورواه النسائي في المجتبى (4517)، وفي الكبرى (6108) بزيادة التفسير لكن بلفظ:«وزعم أن الملامسة أن يقول الرجل للرجل .. وذكر تفسيرًا للملامسة والمنابذة»
وهذا يشعر أن التفسير ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة فمن دونهم لا يقولون عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم زعم كذا وكذا. وهذا ما فهمه ابن حجر رحمه الله، ونقلت كلامه فيما تقدم.
الطريق الثالث: سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة،
عند أحمد (2/ 419)، مسلم (1511) دون ذكر التفسير. =
فسر أهل العلم الملامسة والمنابذة بثلاثة تفسيرات:
أحدهما: أن يتساوم البائعان السلعة، فإذا لمس المشتري السلعة، أو نبذها إليه البائع، لزم البيع.
وهذا تفسير الحنفية، وعلى هذا التفسير لا بد أن يسبق اللمس أو النبذ ترواض البائع والمشتري على الثمن.
جاء في الهداية شرح البداية: «أن يتراوض الرجلان على سلعة، أي يساوما، فإذا لمسها المشتري، أو نبذها إليه البائع
…
لزم البيع»
(1)
.
وقال في مجمع الأنهر: «ولا يجوز البيع بالملامسة
…
بأن يتساوما سلعة، فيلزم البيع لو لمسها، أي السلعة المشتري، وهذا بيع الملامسة»
(2)
.
وفي عمدة القارئ: «قال أصحابنا: الملامسة، والمنابذة، وإلقاء الحجر
= الطريق الرابع: همام بن منبه، عن أبي هريرة دون ذكر تفسير اللملامسة.
أخرجه أحمد (2/ 319) بلفظ: نهى عن بيعتين ولبستين، وذكر اللبستين، ثم قال: ونهى عن اللمس والنجش.
الخامس: ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بذكر التفسير
كما في سنن النسائي المجتبى (4513)، وفي الكبرى (6104)، ومسند الشاميين للطبراني (1721).
الخامس: عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة
عند مسلم، بذكر التفسير، كما في مصنف عبد الرزاق (14991)، وصحيح مسلم (1511)، ومسند أبي عوانة (3/ 256).
السادس: الشعبي عن أبي هريرة
عند أحمد (2/ 460) ومسند ابن الجعد (1732) وزاد في لفظه النهي: عن بيع الحصاة، والتناجش، والنهي عن بيع الملامسة، وعن المصراة.
(1)
الهداية شرح البداية (3/ 44).
(2)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (3/ 82)، البحر الرائق (6/ 83)، شرح معاني الاثار (4/ 360).