الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
في التأمين الاجتماعي (نظام التقاعد)
حقيقة التقاعد:
[ن-22] حقيقته: تقوم على أساس: أن يقتطع من المرتب الشهري للموظف في الدولة جزء محدود بمقدار 9% لصالح مصلحة التقاعد أو مؤسسة تسمى بالتأمينات الاجتماعية.
وتقوم دولة الموظف بدفع مبلغ مماثل لصالح المؤسسة.
ويقوم على هذه المؤسسة موظفون من قبل الدولة للعمل على نماء هذا المال، ويجمع هذا المال مع نمائه في صندوق لحساب المؤسسة، فإذا بلغ الموظف سنًا معينة أحيل إلى التقاعد، واستحق راتبًا شهريًا من قبل المؤسسة، دون أن يقوم الموظف بأي عمل، وقد يبلغ ذلك الراتب أضعاف ما كان يقتطع من راتبه، ويستمر المرتب التقاعدي ما دام حيًا مهما طالت حياته، وينقل إلى أسرته التي يعولها بشرائط معينة بعد وفاته
(1)
،
وعندما تعجز المخصصات (وهي
(1)
المستحقون للمعاش في نظام التقاعد هم: أحد الزوجين، والوالدان، والابن والبنت، وابن وبنت الابن الذي توفي في حياة صاحب المعاش، والأخ والأخت، والجد والجدة، وفيما عدا الزوجة والابن والبنت، فيشترط لاستحقاق الشخص أن يكون معتمدًا في إعالته على صاحب المعاش عند وفاته، ويحدد مجلس الإدارة بقرار منه متى يعتبر الشخص معتمدًا في إعالته على صاحب المعاش، فإذا توفي صاحب المعاش قرر للمستحقين عنه معاش بقدر المعاش المستحق إذا كانوا ثلاثة فأكثر، وبقدر ثلاثة أرباعه إذا كانوا اثنين، وبقدر نصفه إذا كان المستحق واحدًا، ويوزع المعاش على المستحقين بالتساوي، ولا يخضع توزيع المعاش لقواعد الميراث. ويقطع المعاش عن المستحقين الذكور إذا بلغ أحدهم 21 سنة، ويستثنى من ذلك الطالب حتى يبلغ 26 سنة، أو يتخرج، أيهما أقرب، وكذلك العاجز بقرار من الهيئة الطبية حتى يزول العجز، ويوقف معاش الإناث المستحقات إذا تزوجن، ويعاد لهن الاستحقاق إذا طلقت إحداهن أو ترملت. انظر نظام التقاعد المدني والمذكرة الإيضاحية (ص: 21) ..
ما يؤخذ من راتب الموظف وأرباح المؤسسة) عن القيام بتعويض الموظف تتبرع الدولة عندئذ بسد العجز، وقد أجازه فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد وسماحة الشيخ ابن باز
(1)
.
فعقد التأمين التجاري يشبه نظام التقاعد إلى حد كبير، لكنه عقد بين الموظف من جهة يقابله في التأمين التجاري المستأمن.
وبين الدولة من جهة أخرى ممثلة بمصلحة التقاعد أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية يقابلها (شركة التأمين التجارية).
وما يقتطع من راتب الموظف يقابل قسط التأمين.
والتعويض: وهو دفع راتب شهري طيلة حياة الموظف، ويدفع للقاصرين من ذريته بعد وفاته، يقابله ما تدفعه شركات التأمين للمستأمن من تعويضه عن الشيء المؤمن عنه.
(1)
يقول الشيخ معروف الدواليبي، والذي كلف بشكل رسمي بوضع قانون التأمينات الاجتماعية، وتكلم بهذا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2/ص: 684)، يقول الشيخ عن نفسه:«كنت مشرفًا على وضع قانونه، وقد حدث في الأول خلاف حوله ما بين إخواننا السادة العلماء من خمس عشرة سنة، ولكن كلفت بشكل رسمي، وبقينا مع المرحوم الشيخ عبد الله بن حميد، وسماحة الأستاذ الشيخ عبد الله بن باز نحو ستة أشهر حتى اتضحت لهم الأمور، وخرجنا بالتأمين الاجتماعي» . اهـ
ومن المؤكد أن الشيخين لم يطلعا على أن جزءًا من مال المؤسسة يودع للبنوك، وتؤخذ عليه فوائد ربوية، كما أن جزءًا من مال الشركة يساهم فيها بشركات بعضها قائم على الربا مثلًا. وإن كان هناك تعهد من الدولة بدفع العجز إذا وجد في صندوق المؤسسة فالواقع يشهد أن الدولة هي التي تقترض من هذا الصندوق، وليس العكس.
والأرباح التي تجنى من وراء تشغيل الأقساط أرباح طائلة، سواء كان المالك الدولة ممثلة بمصلحة التقاعد أو مؤسسة التأمينات، أو كان المالك فردًا، وقد لمح إلى ذلك الشيخ عبد الله بن بيه، فقال وفقه الله:«التأمين تابع لأي من الوزارات؟ هل هو تابع لوزارة الشئون الاجتماعية، أو وزارة الأوقاف، لا، هو تابع لوزارة المالية، ووزارة التجارة، إذن تأمين الشركة التجارية إذا كان للدولة فالدولة تجني من ورائه أرباحًا، وإذا كان للأفراد فالأفراد يجنون من ورائه أرباحًا، وهذه هي المهمة الكبرى، وهي الباعث»
(1)
.
والفرق الذي يمكن أن يسجل لصالح التأمين التجاري من ناحيتين:
الأولى: أن عقد التأمين التجاري هو عقد رضائي، يتم بين طرفين بالتراضي، وأما نظام التقاعد فهو من عقود الإذعان حيث يقتطع جزء من راتب الموظف بدون اختياره. وهذا قد يرفع الإثم عن الموظف في الوقوع في ربا النسيئة، ولكن لا يستحق أن يأخذ أكثر مما أخذ منه، وإلا وقع معه في ربا الفضل باختياره.
وهل يطالب الموظف بتقديم استقالته قبل تمام العشرين سنة ليتمكن من أخذ استحقاقه قبل إجباره على نظام التقاعد، هذه محل بحث
(2)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2/674).
(2)
بادي الرأي لا أرى لزامًا على الموظف أن يقدم استقالته قبل بلوغ عشرين سنة، لأسباب، منها:
أولًا: أن عقد التأمين من عقود الإذعان، والتي يجبر فيها الموظف على هذا التعاقد، وما أجبر عليه يكون في حكم المكره، بحيث لا يتحمل الموظف وحده تصرفًا قد أجبر عليه مما لا دخل له فيه.
ثانيًا: أن العمل للكبير خاصة من الحاجة النفسية، بحيث إذا أخرج من عمله، ربما جلس بدون عمل، وهذا يترك أضررًا نفسية، ومالية على الرجل، خاصة أن الرجل كلما يتقدم بالسن تكثر التزاماته نحو أسرته، والتي تكون قد كثرت في مثل سنه، بخلاف حاله حين كان شابًا، فالأسرة والالتزامات محدودة، وقد لا يقبل القطاع الخاص الرجل الكبير أن يعمل عنده؛ لأن قوته وحماسه يختلف عن الشاب.
ثالثًا: أن الدولة التي يعمل فيها الموظف قد لا تعطيه استحقاقاته كلها دفعة واحدة ليعمل فيها، فتقوم بتقسيطها عليه الأمر الذي يجعله غير قادر على استثمارها، وربما أنفقها على نفسه وأولاده، وبالتالي جلس بدون عمل.
رابعًا: أن مسؤولية الدولة المسلمة رعاية مواطنيها العاطلين عن العمل، فضلًا عن الرجل الكبير الذي قد خدم ما يقرب من تسعة عشر عامًا في الوظيفة، فيجب عليها أن ترعاه، وتؤمن له دخلًا يكفيه، ويكفي أسرته، وتؤمن له حياة كريمة، وإذا لم تقم الدولة بمسؤوليتها لم يجبر على ترك عمله، وذلك بسبب عقد قد أجبر عليه يتضمن محذورًا شرعيًا، والله أعلم.