الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الباجي: «وإنما سمي بيع ملامسة؛ لأن لا حظ له من النظر والمعرفة لصفاته إلا لمسه»
(1)
.
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد: «وأما بيع الملامسة فكانت صورته في الجاهلية أن يلمس الرجل الثوب، ولا ينشره، أو يبتاعه ليلًا، ولا يعلم ما فيه، وهذا مجمع على تحريمه، وسبب تحريمه الجهل بالصفة»
(2)
.
وعلة التحريم عند الشافعية:
قدم الشافعية ثلاثة أوجه في تفسير الملامسة والمنابذة، وتختلف العلة بحسب اختلاف التفسير:
فمنها: عدم رؤية المبيع، وهو تأويل الشافعي.
ومنها: وعدم الصيغة، وذلك بجعل اللمس والنبذ بيعًا، اكتفاء عن الصيغة.
ومنها: الشرط الفاسد، وذلك بقوله: متى لمسته أو نبذته فلا خيار لك
(3)
.
وعلة التحريم عند الحنابلة:
ذكروا علتين: الجهالة كما لو قلت: أي ثوب لمسته أو نبذته فهو عليك بكذا، وكان هناك مجموعة من الثياب المختلفة.
أو تعليق البيع كما لو قلت: إن لمست هذا الثوب أو نبذته عليك فهو عليك بكذا
(4)
.
(1)
المنتقى (5/ 44).
(2)
بداية المجتهد (2/ 111).
(3)
انظر الإحالات السابقة في مذهب الشافعية، فقد ذكروا علة التحريم مع ذكره صيغ الملامسة والمنابذة.
(4)
انظر شرح منتهى الإرادات (2/ 14).
وأقرب هذه التفسيرات للتفسير الوارد في الحديث سواء قلنا: إن التفسير من لدن الصحابي، أو ممن هو دونه من السلف، هو قول المالكية، وما وافقه من الأقوال الأخرى، وهو جعل اللمس والنبذ يقوم مقام رؤية المبيع، وهذا منهي عنه للجهالة في المبيع، فيقع الإنسان في الغرر المنهي عنه.
وأما تعليق البيع فليس مؤثرًا في البيع، وسيأتي إن شاء الله بحثه في مسألة مستقلة.
وقد سبق أن بينت أن مذهب الحنفية بعيد عن الصواب من خلال مناقشته.
ومثله أو أضعف قول الشافعية بأن العلة هي إسقاط الخيار، فإسقاطه برضا المتبايعين قد دلت على جوازه السنة، فللمتبايعين أن يسقطا الخيار برضاهما، وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
* * *
المطلب الحادي عشر
في بيع الحصاة
(ح-213) روى مسلم في صحيحه من طريق أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر
(1)
.
واختلف العلماء في تفسير بيع الحصاة على أقوال:
ذهب بعض أهل الحديث إلى تفسير بيع الحصاة: بأنه إذا رمى الحصاة فقد وجب البيع، وإلى هذا ذهب الترمذي والدارمي
(2)
، وهو قول في مذهب الحنابلة
(3)
.
وعبر المالكية بقولهم: متى سقطت الحصاة ممن هي معه، ولو باختياره لزم البيع
(4)
.
وقيل: بيع الحصاة: أن يتساوم الرجلان السلعة، فإذا وضع المشتري عليها حصاة، فقد لزم البيع، وهذا مذهب الحنفية
(5)
،
(1)
صحيح مسلم (1513).
(2)
قال الترمذي في السنن بعد ح (1230): معنى بيع الحصاة: أن يقول البائع للمشتري: إذا نبذت إليك بالحصاة فقد وجب البيع فيما بيني وبينك.
وقال الدارمي بعد حديث (2563): «إذا رمى الحصا وجب البيع» .
(3)
ذكر ابن قدامة ثلاثة تفاسير، هذا أحدها، وسنأتي إن شاء الله على ذكر الباقي، انظر المغني (4/ 146)، كشاف القناع (3/ 167).
(4)
حاشية الدسوقي (3/ 56 - 57)، الخرشي (5/ 70)، وقال الباجي في المنتقى (5/ 42):«بيع الحصاة: وهو من بيوع الجاهلية، تكون حصاة بيد البائع، فإذا سقطت وجب البيع» . وانظر بداية المجتهد (2/ 111).
(5)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 723) و (2/ 247)، بدائع الصنائع (5/ 176)، تبيين الحقائق (4/ 48)، البحر الرائق (6/ 83).
وقول في مذهب المالكية
(1)
.
وقيل: أن يكون هناك أثواب، فأي ثوب وقعت عليه الحصاة فهو مبيع بكذا، وهذا تفسير ابن الهمام من الحنفية
(2)
، وقول في مذهب المالكية
(3)
، وقول في مذهب الشافعية
(4)
، وقول في مذهب الحنابلة
(5)
.
وقيل: بيع الحصاة أن يقول: بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغه الحصاة إذا رميتها بكذا، وهذا وجه في مذهب الشافعية
(6)
،
(1)
قال ابن رشد في المقدمات (2/ 72): «بيع الحصاة: وهو أن يساوم الرجل الرجل في سلعة، وبيد أحدهما حصاة، فيقول لصاحبه: إذا سقطت الحصاة من يدي فقد وجب البيع بيني وبينك» .
(2)
فتح القدير (6/ 417)، وانظر البحر الرائق (6/ 83).
(3)
أنوار البروق في أنواع الفروق (3/ 271)، الخرشي (5/ 70)، حاشية الدسوقي (3/ 56 - 57)، مقدمات ابن رشد (2/ 72).
(4)
قال النووي في المجموع (9/ 416): «أما بيع الحصاة، ففيه تأويلات:
أحدها: أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما تقع عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى حيث تنتهي إليه هذه الحصاة.
والثاني: أن يقول: بعتكه على أنك بالخيار إلى أن أرمي الحصاة.
والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بيعًا، وهو إذا رميت هذه الحصاة فهذا الثوب مبيع لك بكذا والبيع باطل على جميع التأويلات». وانظر أسنى المطالب (2/ 30)، مغني المحتاج (2/ 31)، روضة الطالبين (3/ 397).
(5)
قال ابن قدامة في المغني (4/ 146): «ومن البيوع المنهي عنها بيع الحصاة
…
واختلف في تفسيره فقيل: هو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم.
وقيل: هو أن يقول: بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا.
وقيل: هو أن يقول: بعتك هذا بكذا على أني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع. وكل هذه البيوع فاسدة; لما فيها من الغرر والجهل. ولا نعلم فيه خلافًا». وانظر كشاف القناع (3/ 167)،
(6)
المجموع (9/ 416) وسبق نقل نص كلامه قبل قليل.
وقول في مذهب الحنابلة
(1)
.
وقيل: بيع الحصاة أن يقول: بعتك، ولك الخيار - أو لي الخيار أو لنا الخيار- إلى أن أرمي بهذه الحصاة، وهذا وجه في مذهب الشافعية
(2)
.
ولعل كل هذه التفسيرات ليس فيها اختلاف، وإنما هي أنواع لبيع الحصاة، وكلها لا تسلم من الجهالة والخطر ودخولها في الغرر المنهي عنه.
* * *
(1)
المغني (4/ 146) وسبق نقل كلامه بتمامه قبل قليل، وانظر كشاف القناع (3/ 167).
(2)
المجموع (9/ 416)، روضة الطالبين (3/ 397).