الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن محمد، عن داود بن صالح المدني، عن أبيه، قال:
سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما البيع عن تراض
(1)
.
[إسناده حسن]
(2)
.
وجه من قال: إن زاد أو نقص عن سعر السوق لم يجز
.
عللوا ذلك بأنه إن باع بأقل من سعر السوق أضر بالسوق، حيث يصرف الناس إليه، ويصاب غيره بالكساد، وإن باع بأكثر مما يبيع الناس أضر بالمشتري، فالعدل ثمن المثل.
(ح-266) ولما رواه الدارقطني من طريق عثمان بن محمد بن عثمان ابن ربيعة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه،
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شق الله عليه
(3)
.
[المعروف من حديث أبي سعيد أنه مرسل، وهو حسن بشواهده]
(4)
.
(ث-41) ومن الآثار استدلوا بما رواه مالك، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب.
أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا
(5)
.
(1)
سنن ابن ماجه (2185).
(2)
سبق تخريجه، انظر (ح 43).
(3)
سنن الدارقطني (3/ 77).
(4)
سبق تخريجه، والحمد لله، انظر (ح 243).
(5)
الموطأ (2/ 651).
[صحيح، وعلى تقدير أن سعيدًا لم يسمع من عمر فمراسيله من أصح المراسيل]
(1)
.
وظاهر الأثر أن المقصود: يزيد في الثمن لأن قوله (إما أن تزيد في السعر) فالسعر يطلق على الثمن، ولذلك يقال: هذا له سعر، إذا زادت قيمته، وليس له سعر: إذا أفرط رخصه
(2)
.
ولأنه طلب خروجه من السوق، ولم يطلب منعه من البيع، وهذا دليل على أنه يضر بالسوق، وإنما يضر بالسوق إذا باع بأقل من سعر السوق. إلا أن أصحاب مالك اختلفوا كما سبق في قوله: إما أن تزيد في السعر، هل المقصود: يزيد في الثمن، أو يزيد في المثمن على قولين سبق ذكرهما، وعلى أي تقدير فإنه يقال: إذا منعتم النقص من المثمن، وهو أحد العوضين، فالنقص من الثمن مقيس عليه؛ فالنقص من المثمن يضر بالمشتري، والنقص في الثمن يضر بالسوق، وهو أكبر، والإضرار ممنوع منه الإنسان.
وإذا كانت الشريعة قد سمحت بغبن البادي من أجل نفع السوق، فنهى أن يبيع الحاضر للبادي، وعلل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. فكيف تسمح بالإضرار بالسوق.
وقد حرمت الشريعة الإضرار بالآخر، فمنعت بيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه كل ذلك منعًا للضرر الواقع بين المسلمين، فإذا كان ذلك بين آحاد المسلمين، وضرره محدود، فكيف إذا كان الضرر يقع على عامة التجار، وصغار المستثمرين، فإذا رأى الباعة أن بعض التجار يبيع بسعر لا
(1)
اختلف في سماع سعيد من عمر، وقد سبق ذكر الخلاف فيه.
(2)
المصباح المنير (1/ 277).
يمكن لهم أن يبيعوا به، ولو باعوا به لخسروا، فلا شك أن مثل ذلك سيكون سببًا للعداوة والبغضاء.
وإذا كانت الشريعة قامت بحماية المشتري، من تحريم النجش، وتحريم الاحتكار، وتحريم الغبن، فإن أهل السوق هم مشترون قبل أن يكونوا باعة، فإن السلع التي في محلاتهم ليست نتاجًا، وإنما اشتروها طلبًا للربح، فتعريضهم للخسارة ضرر كبير بهم يعود في نهايته على المستهلك، فإن هؤلاء الكبار إذا ألحقوا الضرر بصغار المستثمرين، وأخرجوهم من السوق، تحكم هؤلاء فيما بعد بالمستهلك، وصاروا هم وحدهم اللاعبين بالسوق، فالشريعة قامت على العدل، فهي في الوقت التي تحمي المشتري من أن يتعرض للاستغلال، تحمي البائع كذلك من أن يتعرض للخسارة بفعل غيره.
جواب الشافعي عن أثر عمر:
أجاب الشافعي بأن عمر رجع عن قوله، ولم يكن هذا القول عزيمة منه، وإنما اجتهاد اجتهده، ورجع عنه.
(ث-42) واستدل الشافعي لذلك بما رواه هو، قال:
أخبرنا الدراوردي، عن داود بن صالح التمار، عن القاسم بن محمد،
عن عمر، أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما، فسعر له مدين بدرهم. فقال عمر: لقد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيبًا، وهم يعتبرون سعرك، فإما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطبًا في داره، فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني، ولا قضاء، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع.