الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد فاسد شرعًا، وذلك لأنه معلق على خطر، تارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنى»
(1)
.
وفي مجلة مجمع الفقه الإسلامي: «عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية، أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل، أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين ثم يقع الحادث، فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]
(2)
.
مناقشة هذا الدليل:
مع أن الشيخ الصديق محمد الضرير لا يرى مشروعية التأمين التجاري، إلا أنه لا يسلم بأن في التأمين قمارًا، يقول وفقه الله: «وأرى أن حقيقة التأمين تختلف عن حقيقة القمار شرعًا، وقانونًا، وإن كان في كل منهما غرر، فالقمار
…
ضرب من اللهو، واللعب، يقصد به الحصول على المال، عن طريق الحظ والمصادفة، وهو يؤدي دائمًا إلى خسارة أحد الطرفين، وربح الطرف الآخر، ولهذا وصفه القرآن بأنه موقع في العداوة والبغضاء، وصاد عن ذكر الله وعن الصلاة، والقانون كما رأينا - يحرم المقامرة - في حين أنه يجيز عقد التأمين، ولا يعتبره من القمار، ويفرق شراح القانون بين التأمين والقمار:
(1)
رسالة السوكرتاه (ص: 24) نقلًا من كتاب الغرر وأثره في العقود للضرير (ص:648).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2 ص: 644).
بأن التأمين يقوم على التعاون بين المستأمنين، ذلك التعاون الذي يؤدي إلى توزيع المخاطر بين أكبر عدد ممكن من الأفراد، بدلًا من أن يتحمل كل فرد عبء ما يصيبه من كارثة واحدة، ويؤدي أيضًا إلى كفالة الأمان للمستأمن، والمؤمن معًا، فالمستأمن واثق من الحصول على ما التزم به المؤمن بأدائه، والمؤمن مطمئن أيضًا إلى أنه سيفي بما التزم به؛ لأن التعويض سيدفع من الرصيد المشترك الذي تعاون المستأمنون على جمعه، لا من مال المؤمن الخاص.
وهذا الأمان هو الغاية التي يسعى إليها كل مستأمن، فالشخص الذي
…
يؤمن على ماله ضد الحريق مثلًا إنما يفعل ذلك بغرض التحصن من خطر محتمل، لا يقوى على تحمله وحده، وهذه المعاني غير موجودة في المقامرة، فإن المقامر لا يتحصن من خطر، وإنما يوقع نفسه في الخطر، وهو عرضة لأن يفقد ماله جريًا وراء ربح موهوم، موكول لمجرد الحظ، وعلى هذا فلست أرى ما يبرر قياس التأمين على القمار، فالتأمين جد، والقمار لعب، والتأمين يعتمد على أسس علمية، والقمار يعتمد على الحظ، وفي التأمين ابتعاد عن المخاطر، وكفالة للأمان، واحتياط للمستقبل بالنسبة للمستأمن، كما فيه ربح محقق عادة بالنسبة للمؤمن، وفي القمار خلق للمخاطر، وابتعاد عن الأمان، وتعرض لمتاعب المستقبل، فكيف يستويان»
(1)
.
وهذا الكلام شبيه بكلام أبي عبيدة في كتابه الأموال عندما ذهب أهل العراق إلى إنكار الخرص والقرعة، وأنهما نوع من القمار، قال رحمه الله:
«وأما قوله: إن الخرص كالقمار فكيف يتساوى هذان القولان، وإنما قصد بالخرص قصد البر
(1)
الغرر وأثره في العقود (ص: 649 - 650).