الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتأمين التجاري تجد طرفي العقد: أحدهما: المستأمن بوصفه طالب التأمين، والثاني: شركة التأمين، بوصفها الطرف المؤمِّن، وتكون أقساط التأمين التي يلتزم بدفعها المستأمن ملكًا للشركة، تتصرف فيها كما تشاء، وتستغلها لحسابها.
ويجاب:
من خلال هذا العرض يظهر أن دعوى اختلاف التأمين التعاوني عن التأمين التجاري في موضوع الفائض دعوى غير صحيحة، فالفائض في القسمين ربح، يعود في التأمين التعاوني إلى المشتركين باعتبارهم مؤمنين، وفي التأمين التجاري إلى شركة التأمين لنفس الاعتبار، والعجز في صندوق كل منهما خسارة، يعود في شركة التأمين إلى الشركة نفسها، ويعود في التأمين التعاوني إلى الأعضاء المشتركين أنفسهم حيث إنهم أصحاب الشركة، وملاكها، فيجب على كل واحد منهم أن يسهم في تغطية العجز كل بقدر نسبة اشتراكه فيها.
يقول الشيخ عبد الله بن منيع: «التأمين التعاوني في واقعه شركة تأمين مكونة من المشتركين أعضاء فيها. فكل مشترك يحمل في الشركة صفتين: صفة المؤمِّن، باعتباره باشتراكه فيها عضوًا، له حق في الفائض بقدر نسبة اشتراكه، وعليه الالتزام بالمشاركة في سداد عجز صندوق الشركة عن الالتزام بالتعويضات بنسبة مشاركته، وله صفة المؤمَّن له، باعتباره باشتراكه أحد عملاء الشركة، ملتزمًا بدفع القسط التأميني، وتلتزم الشركة له بدفع تعويضه عما يلحقه من ضرر مغطى بموجب تعاقده مع الشركة، وبهذا ينتفي وجه التفريق بين التأمين التعاوني، والتأمين التجاري، فكلاهما شركة تأمين، تتفق إحداهما مع الأخرى في جميع خصائص التأمين من حيث عناصره، ومن حيث الإلزام
والالتزام، والصفة القانونية لكلا القسمين. فشركة التأمين التجارية شركة قائمة على الإلزام والالتزام والحقوق والوجبات، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة التأمين التعاونية، فهي شركة قائمة على الإلزام والالتزام والحقوق والواجبات .... كما أن شركة التأمين التجارية ملزمة بدفع التعويضات المستحقة عليها للمشتركين، عند الاقتضاء والوجوب، سواء أكانت الشركة رابحة، أم خاسرة، فكذلك الأمر بالنسبة لشركات التأمين التعاونية، فهي ملزمة كذلك بدفع التعويضات المستحقة عليها للمشتركين عند الاقتضاء والوجوب، وإذا كان صندوق الشركة فيه عجز يحول دون كامل التزاماته، أو بعضها، تعين الرجوع إلى المشتركين فيها لسد عجز الصندوق، حتى يكون قادرًا على الوفاء بتغطية كامل التزاماته، حيث إنهم أصحاب الشركة وملاكها، فيجب على كل واحد منهم أن يسهم في تغطية العجز كل بقدر نسبة اشتراكه فيها.
وقد جاء النص على ذلك في الأنظمة الأساسية لشركات التأمين التعاونية، وصدرت قرارات، وفتاوى الهيئات الشرعية الرقابية بذلك، كما صدرت قرارات مجموعة من المجالس، والمجامع الفقهية، والندوات العلمية بإلزام المشتركين في شركات التأمين التعاونية بسد عجز صناديقها، وهذا مما تزول به الحواجز المفتعلة بين شركات التأمين التجارية، وشركات التأمين التعاونية»
(1)
.
وحتى هذا الفارق الشكلي بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري لم يعد قائمًا بعد صدور اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، ففي المادة (70) من اللائحة التنفيذية تقضي بأن يصرف فائض التأمين والذي يمثل الفرق بين مجموع الاشتراكات، ومجموع التعويضات بإعادة 10% للمؤمن
(1)
التأمين بين الحلال والحرام - الشيخ ابن منيع (ص: 16 - 17).
لهم، وأما الباقي وهو ما يعادل 90% من الفائض الصافي فيكون ممن نصيب المساهمين نتيجة تعريض حقوقهم لمخاطر التأمين، وهذا يعني أن نظام التأمين التعاوني قائم على الالتزام التعاقدي، فالأرباح يستحقها المساهمون عوضًا عن التزامهم بالتعويض، وهذا هو حقيقة التأمين التجاري، وما إعادة جزء من الفائض إلا محاولة لإضفاء الصبغة الشرعية على العقد، والواجب في التأمين التعاوني أن يرحل جميع الفائض في حساب احتياطات عمليات التأمين.
ثانيًا: القول بأن شركات التأمين تأخذ أموال المستأمنين، وتتصرف فيها كيفما تشاء لحسابها، هو من إلقاء القول جزافًا، فإن التزام الشركة بدفع التعويضات يحملها مسؤولية كبيرة، ويكف يدها عن التصرف في هذه الأموال كيفما تشاء، وإلا فكيف تؤمن التعويضات الباهظة التي تدفعها لمن يتعرض للخطر منهم.
ولذلك رأى الشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله أن شركات التأمين هي شركات تعاونية
(1)
: فهو يرى أن التأمين التجاري: يؤدي إلى تفتيت المصيبة وتوزيعها على أكبر عدد من الرؤوس، وهم عدد المستأمنين الآخرين الذين دفعوا أقساط التأمين، فترميم الحوادث، أو التعويض عنها، إنما يدفع من هذه الأقساط
(1)
لعل الشيخ يقصد بالتعاونية أن من لازم عملها ذلك، كما يحصل ذلك في جميع الأعمال المهنية، ومن جميع العاملين فيها، فرغيف الخبز مثلًا لا يصل إلى يد آكله حتى يمر بمجموعة من مراحل إعداده - زراعة، وحصادًا، وتنقية، وطحنًا، وعجنًا، وخبزًا - دون أن يكون لعمال كل مرحلة قصد في التعاون مع الآخرين على إعداد هذا الرغيف، وكذلك العقد في التأمين ليس عقدًا تعاونيًا لا في التأمين التجاري، ولا في التأمين المسمى بالتعاوني، فالربح هو الباعث على تكوين تلك الشركات، والمعاوضة في هذه العقود لا يمكن أن تنكر. وانظر التأمين بين الحلال والحرام (ص: 14).