الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع عشر
الثنيا المجهولة في البيع
سبق لنا عند الكلام على شروط المعقود عليه أنه يشترط العلم بمقدار المبيع، قال النووي:«وهذا لا خلاف فيه»
(1)
.
[م -326] وإذا استثنى البائع شيئًا مجهولًا في المبيع كما لو قال: بعتك هذه الصبرة إلا بعضها، فإن مقدار المستثنى مجهول، ومتى كان المستثنى مجهولًا لزم منه أن يكون الباقي بعده (وهو المبيع) مجهولًا أيضًا، وجهالة المبيع تبطل البيع.
(2)
.
(ح-216) وقد روى مسلم في صحيحه من طريق أيوب، عن أبي الزبير، وسعيد بن ميناء،
عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة، وقال الآخر: بيع السنين، وعن الثنيا، ورخص في العرايا
(3)
.
(1)
المجموع (9/ 377).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 195)، وانظر البحر الرائق (5/ 327)، تبيين الحقائق (4/ 13)، شرح منتهى الإرادات (2/ 14)، كشاف القناع (3/ 167).
(3)
صحيح مسلم (1536).
(ح-217) وأما ما رواه أبو داود من طريق عباد بن العوام، عن سفيان ابن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، والمحاقلة، وعن الثنيا إلا أن يعلم
(1)
.
رجاله ثقات، إلا أن زيادة (إلا أن يعلم) تفرد بها يونس بن عبيد عن عطاء، وأين أصحاب عطاء عن هذه الزيادة، مع أن البخاري قال: لا أعلم ليونس سماعًا من عطاء، وتفرد بها سفيان بن حسين عن يونس، بل قال ابن عدي: لا أعلم يروي سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، غير هذا الحديث
(2)
.
هذا الكلام هو ما يقتضيه البحث وفق القواعد الحديثية، وأما المعنى فإن النهى عن الثنايا المطلق في رواية مسلم ينبغي أن يقيد بالثنيا المجهولة، لأن استثناء المجهول يصير المعلوم مجهولًا، وأما الاستثناء إذا كان معلومًا فلا حرج في استثنائه، وقد حكى النووي فيما سبق اتفاق العلماء على جوازه، والله أعلم.
(1)
سنن أبي داود (3405).
(2)
سبق تخريجه، انظر (ح 208).
مسألة
في بيع الصبرة من الطعام واستثناء جزء معلوم منه
[م-327] بيع الصبرة من الطعام واستثناء مقدار معين منها، إن كان الاستثناء منها بالجزء، كالربع، والثلث، والخمس صح، وحكى ابن نجيم، والكاساني من الحنفية، والنووي من الشافعية اتفاق العلماء عليه
(1)
.
وذكر بعض الحنابلة فيه قولًا بالمنع
(2)
.
أما لو استثنى مقدارًا معينًا منها كما لو باع الصبرة إلا صاعًا منها، فاختلف العلماء في حكم البيع على قولين.
(1)
البحر الرائق (5/ 328)، شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 195)، وانظر حاشية الدسوقي (3/ 18).
(2)
قال الزركشي (3/ 517): «واختلف فيما إذا باع حائطًا، واستثنى منه صاعًا، أو صبرة لا يعلمان قفزانها واستثنى منها قفيزًا ونحو ذلك، أو باع حائطًا واستثنى ثلث ثمرته، أو ربعها، أو صبرة واستثنى منها سبعها، أو ثمنها، ونحو ذلك على ثلاث روايات:
إحداها: الصحة في الجميع، اعتمادًا على الحديث (يعني: النهي عن الثنيا إلا أن تعلم) إذا الثنيا والحال هذه معلومة، وقد قيل: إنه إجماع أهل المدينة.
والثانية: وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى: عدم الصحة في الجميع؛ لأن الثنيا والحال هذه تفضي إلى جهالة المبيع، وبيانه: أن المبيع والحالة هذه، إنما علم بالمشاهدة، وبعد إخراج المستثنى تختل المشاهدة
…
والثالثة: يصح إلا في ثلثها، إلا في سبعها، ونحو ذلك، إذ معناه: بعتك ثلثيها، بعتك ستة أسباعها، وهو معلوم. ولا يصح إلا صاعًا، إلا قفيزًا، ونحو ذلك؛ لما تقدم من أن المصحح للبيع والحال هذه الرؤية، وبإخراج الصاع ونحوه تختل، وهذه الرواية اختيار القاضي، وجماعة من أصحابه، وأبي محمد وغيرهم».