الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثالثة
أن يكون بذل الهدية دون وعد سابق على الشراء
[ن-34] تكلمنا في الصورة الأولى: أن تبذل الهدية بلا مقابل، وفي الصورة الثانية: أن يكون بذل الحوافز بشرط الشراء، وفي هذه الصورة نوع آخر من الحوافز، فقد يبذل التاجر هدية دون أن يكون قد التزم بذلك بوعد سابق على عقد الشراء، فالباعث على الشراء قد خلا من الإغراء بتقديم الحوافز، والمشتري لم يعلم بحصوله على الهدية إلا عندما تم الإيجاب والقبول.
وإنما قصد بذلك ترغيب المشتري بتكرار الشراء منه، أو قصد إكرامه بهذه الهدية مكافأة له على اختيار الشراء منه، أو لغيرها من الأسباب.
وسواء اعتبرنا هذه الجائزة هبة محضة نظرًا إلى ظاهر اللفظ.
أو اعتبرناها زيادة في المبيع بعد تمام العقد، لأن البيع هو السبب في حصول الهدية. قال ابن تيمية رحمه الله:«الهدية إذا كانت بسبب ألحقت به»
(1)
.
وجاء في القواعد لابن رجب: «تعتبر الأسباب في عقود التمليكات، كما تعتبر في الأيمان، ويتخرج على هذا مسائل متعددة .... » ذكر منها:
هبة المرأة زوجها صداقها إذا سألها ذلك، فإن سببها طلب استدامة النكاح، فإن طلقها فلها الرجوع فيها، نص عليه أحمد في رواية عبد الله ....
ومنها ما نص عليه أحمد في رواية ابن ماهان فيمن اشترى لحمًا، ثم استزاده البائع، فزاده، ثم رد اللحم بعيب، فالزيادة لصاحب اللحم؛ لأنها أخذت بسبب
(1)
مجموع الفتاوى (29/ 335).
اللحم، فجعلها تابعة للعقد في الرد؛ لأنها مأخوذة بسببه، وإن كانت غير لاحقة به»
(1)
.
أو اعتبرناها حطًا من الثمن، قال في مطالب أولي النهى:«وهبة بائع لوكيل اشترى منه كنقص من الثمن، فتلتحق بالعقد؛ لأنها لموكله، وهو المشتري، ويخير بها» .
فكل هذه التخريجات تدل على جواز مثل تلك الهدايا، وإن كان الاعتبار الثالث هو أضعفها، لأن البائع في الحقيقة لم يحط من الثمن شيئًا، فثمن السلعة لم يطرأ عليه تغيير، ولو اعتبرناها جزءًا من المبيع لطبق عليها أحكام البيع، من اشتراط العلم بها، والرد بالعيب ونحوه، ولا يظهر لي هذا، فأقوى التخريجات اعتبارها هدية على سبب، وهو وجود العقد، واختلفت الهدية في هذه الصورة عن الهدايا في الصور السابقة؛ لأن الهدايا في الصور السابقة قد التزم بها البائع بوعد سابق على عقد الشراء، بخلاف هذه الصورة فإن المشتري لم يعلم بحصوله على الهدية إلا عندما تم الإيجاب والقبول والله أعلم.
* * *
(1)
انظر القاعدة: رقم (150)(ص: 321).