الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤجلًا، فليكن أجله معلومًا، ولا يلزم من هذا اشتراط كون السلم مؤجلًا، بل يجوز حالًا
(1)
.
الدليل الثاني:
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع ما ليس عند البائع، ورخص في السلم.
وعليه فعقد السلم بيع معدوم ليس عند البائع وقت العقد، ولكنه شرع رخصة؛ ليدفع به حاجة كل من المتعاقدين، فصاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة بأرخص من قيمتها ليربح فيها، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه بعض الفقهاء بيع المحاويج، فإذا جاز حالًا بطلت هذه الحكمة، وارتفعت هذه المصلحة، ولم يكن لاستثنائه من بيع ما ليس عند البائع فائدة
(2)
.
يجاب عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول:
قوله: ورخص في السلم لا أصل له بهذا اللفظ، وهو لا يثبت إلا من كلام الفقهاء
(3)
.
الجواب الثاني:
قولكم: بأن السلم لم يشرع إلا رخصة، إن كنتم تقصدون بذلك كما يقول بعضهم: إن السلم على خلاف القياس؛ لأنه بيع معدوم، وبيع المعدوم لا يجوز، وإذا كان الحال كذلك اقتصر بالسلم على صفته، فلم يجز حالًا، فيقال:
(1)
انظر شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 41).
(2)
تفسير القرطبي (3/ 379).
(3)
قد بينت ذلك والحمد لله في كتاب السلم فانظره هناك.
تفسير القرطبي (3/ 379).
القول بأن السلم على خلاف القياس غير صحيح، بل يقال: من رأى شيئًا من الشريعة مخالفًا للقياس، فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه، وليس مخالفًا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر. نعم في الشريعة ما يخالف القياس الفاسد، وإن كان من الناس من لا يعلم فساده، فالسلم جار على وفق القياس، وذلك أن السلم المؤجل دين من الديون، فكما أن الثمن قد يؤجل في الذمة، وهو أحد العوضين، فكذلك المثمن قد يؤجل في ذمة البائع، فأي فرق بين كون أحد العوضين يصح أن يكون مؤجلًا في الذمة، ولا يصح أن يكون العوض الآخر مؤجلًا في الذمة.
فالسلم بيع مضمون في الذمة، موصوف، مقدور على تسليمه غالبًا، فهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة، فقياس السلم على بيع العين المعدومة التي لايدرى أيقدر على تحصيلها، أم لا؟ والمشتري منها على غرر من أفسد القياس، وقد فطر الله العقلاء على الفرق بين بيع الإنسان ما لا يملكه، ولا ما هو مقدور عليه، وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمته، مقدور في العادة على تسليمه، فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى
(1)
.
وقد عقدت فصلًا مستقلًا في عقد السلم بينت الأدلة على أن هذا العقد جار على وفق القياس فراجعه مشكورًا.
وأما قولكم: إذا جاز حالًا بطلت الحكمة من مشروعية السلم، فيقال: على التسليم بقولكم، فإن الحكمة إذا بطلت من مشروعية السلم، فلم تبطل حكمة الشرع من مشروعية المعاوضة، فإن البائع انتفع بالثمن، والمشتري
(1)
انظر مجموع الفتاوى (20/ 529)، زاد المعاد (5/ 811)، إعلام الموقعين (1/ 350) و (2/ 19).