الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ث-44) وقد روى أبو داود من طريق أبي هلال، حدثنا محمد،
عن أنس بن مالك، قال: كان يقال: لا يبع حاضر لباد، وهي كلمة جامعة، لا يبيع له شيئًا، ولا يبتاع له شيئًا
(1)
.
[إسناده حسن إن شاء الله تعالى]
(2)
.
وقد فسر ابن عباس حديث: «لا يبع حاضر لباد» أي لا يكون له سمسارًا، والسمسار عام لمن يبيع ويشتري للناس.
وجه من قال: يجوز الشراء لهم:
قالوا: إن النهي غير متناول للشراء، لا بلفظه، ولا في معناه.
أما اللفظ فلأنه صرح في البيع دون الشراء.
وأما ا لمعنى: فلأن ما يجلبه البادي يكون لأهل السوق تشوف له، وتطلع إلى شرائه، فمنع الحاضر أن يبيعه له حتى لا يحرم أهل السوق من الانتفاع منه، بخلاف الشراء للبادي.
(1)
سنن أبي داود (3440).
(2)
في إسناده أبو هلال محمد بن سليم، جاء في ترجمته:
ذكره الذهبي في من تكلم فيه، وهو موثق (301).
وقال أحمد: قد احتمل حديثه، إلا أنه يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث. الجرح والتعديل (7/ 273).
وقال أبو حاتم الرازي: محله الصدق، لم يكن بذاك المتين .... وسئل عنه أبو زرعة، فقال: لين. المرجع السابق.
وسئل يحيى بن معين: حماد بن سلمة أحب إليك في قتادة، أو أبو هلال؟ فقال: حماد أحب إلي، وأبو هلال صدوق.
ووثقه أبو داود. ميزان الاعتدال (3/ 574).
وفي التقريب: صدوق، فيه لين.
ولأن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر؛ ليرخص عليهم السعر، ويزول عنهم الضرر، والمنتفع بذلك عموم الناس، ولا يلحق البادي مضرة، فقدمت مصلحة الجماعة مقابل مصلحة فرد، وهو البادي، وليس ذلك في الشراء للبادي، إذ لا يتضرر الحاضرة بعدم غبنهم للبادي في شرائه، بل يتضرر البادي إذا غبن، والمنتفع هو البائع فقط، والشرع ينظر في دفع الضرر عن البادي كما يدفع الضرر عن الحاضر، إذ الخلق في نظر الشرع كلهم سواء، ولذلك نهي عن تلقي الجلب لما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة، وهو واحد في قبالة واحد، فلم يكن في إباحة التلقي مصلحة عامة فلذلك نهي عنه
(1)
.
وهذا هو الصواب، والله أعلم.
(1)
المغني (4/ 151)، شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 163).
المسألة التاسعة
النهي عن بيع الحاضر للباد أذن بغبنه
[م-356] هل يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبيع حاضر لباد)، وتعليل ذلك بقوله:(دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) على جواز الغبن بالتجارة، وبالتالي يجوز غبن الحاضر للبادي؟
قال القرطبي: «الجمهور على جواز الغبن في التجارة، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم، وهي تساوي مائة، فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك، جائز له أن يبيع ماله الكثير، بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة، واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك.
فقال قوم: عرف قدر ذلك، أو لم يعرف، فهو جائز، إذا كان رشيدًا، حرًا، بالغًا.
وقالت فرقة: الغبن إذا تجاوز الثلث مردود، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات، وأما المتفاحش الفادح فلا، قاله ابن وهب من أصحاب مالك.
والأول أصح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأمة الزانية: (فليبعها، ولو بظفير).
وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تبتعه - يعني الفرس - ولو أعطاكه بدرهم).
وقوله عليه السلام: (دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعضه).
وقوله عليه السلام: (لا يبع حاضر لباد).
وليس فيها تفصيل بين القليل والكثير من ثلث ولا غيره .. اهـ»
(1)
.
وقد بحثت حكم الغبن في البيوع في بحث سابق، فأغنى عن إعادته هنا.
* * *
(1)
تفسير القرطبي (5/ 153)، وانظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (2/ 41).