الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال في استحقاق الخراج مقابل الضمان، بل هو ضمان يكف يدها عن التصرف في جزء من مالها، يظل حبيسًا لما قد يجب عليها من تعويضات، ويترتب عليها من استحقاقات، وهذا الكف لهذا المقدار من المال، هو عمل منها أيضًا، ولو اشتغلت بكل المال لضاعفت من أرباحها، والله أعلم.
الدليل الخامس للمانعين:
في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا، فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه، مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمن لم يبذل عملًا للمستأمن، فكان حرامًا
(1)
.
وذكر القرافي في الفروق أن أسباب الضمان في الشريعة ثلاثة:
الأول: العدوان، كالقتل، والإحراق، وهدم الدور، وأكل الأطعمة
…
الثاني: التسبب للإتلاف، كحفر الآبار في طرق الحيوان في غير الأرض المملوكة للحافر، أو في أرضه، ولكن حفرها لهذا الغرض
…
الثالث: وضع اليد التي ليست بمؤتمنة، كالسارق، والغاصب، ومن قبض المال بغير إذن المالك
…
الخ كلامه رحمه الله
(2)
.
ويجاب عن ذلك:
أولًا: أن الضمان الذي ذكره القرافي إنما هو الضمان الواجب بسبب العدوان والتغرير والغصب، وأهمل القرافي نوعًا آخر من الضمان سببه العقد،
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2/ص: 645).
(2)
انظر الفروق (2/ 207).
كالكفالة، وهو التزام ما ليس بواجب عليه التزامه أصلًا، ومع ذلك إذا التزمه صح التزامه، ومنه التأمين.
ثانيًا: لم يرد دليل على أن أسباب الضمان محصورة في الإتلاف والتغرير، ووضع اليد غير المؤتمنة، والكفالة، بل إن الفقهاء ضمنوا وضع اليد، ولو كانت مؤتمنة كتضمين الصناع.
(1)
.
فالضمان: تارة يكون سببه إلزام الشارع، كما في ضمان الديات، والأروش، وضمان قيمة صيد الحرم عند الاعتداء عليه، وضمان ما يجب من كفارات الأيمان، والظهار، والإفطار عمدًا في رمضان.
وتارة يكون سببه التزام العاقد نفسه، بحيث ألزم نفسه بالضمان بعقد رضائي، كالكفالة، وعقد التأمين، ولا يوجد دليل شرعي يوجب بطلان ما التزم به الإنسان من قبل نفسه، ولا يترتب على هذا الالتزام أي مفسدة شرعية حتى يقال بالبطلان، وإذا كان الإنسان له أن يلزم نفسه بالضمان بدون مقابل، كما في الكفالة، فكونه يجب مع بذل العوض من باب أولى، وقد سقت في الدليل السابق أنواعًا من الالتزامات التي صحح المالكية أخذ الجعل عليها، ولم يأت النص الشرعي بجواز أخذ المال مقابل هذه الالتزامات، وإنما قال المالكية بجوازها جريًا على قاعدة: الأصل في مثل ذلك الحل، حتى يأتي نص من
(1)
الضمان في الفقه الإسلامي (ص: 11).