الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدكتور نزيه حماد
(1)
، ونسب هذا القول لبعض العلماء المتقدمين كالإمام إسحاق بن راهوية، ولا يثبت عنه
(2)
.
الوجه الثاني:
أن الفقهاء المتقدمين عندما منعوا أخذ العوض على الضمان إنما منعوه في باب ضمان الديون، وهو الذي قد يؤدي إلى الربا باعتبار أن المضمون قد يعجز عن السداد، فيقوم الضامن بالسداد عنه، ويكون العوض حينئذ من قبيل القرض الذي جر نفعًا للمقرض وحده، فهذا هو الضمان الذي حرم العلماء أخذ العوض عليه، وليس الضمان في التأمين من هذا النوع؛ لأنه ليس فيه
(1)
قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد (ص: 284).
(2)
جاء في مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية إسحاق بن منصور (2299): «قال سفيان: إذا قال رجل لرجل: اكفل عني، ولك ألف درهم: الكفالة جائزة، ويرد عليه ألف درهم.
قال أحمد: ما أرى هذا يأخذ شيئًا بحق.
قال إسحاق: ما أعطاه من شيء فهو حسن».
وقد نقل هذه العبارة بحروفها ابن المنذر. فهذا النص في الحقيقة لا يجعل الباحث يجزم بأن مذهب إسحاق جواز أخذ المعاوضة على الضمان، لأن قوله: ما أعطاه من شيء فهو حسن يدخل في باب المكافأة غير المشروطة، وليس على سبيل المعاوضة. وإذا كانت المكافأة على القرض من غير شرط ولا عرف مقبولة، فكيف بالضمان، فتأمل.
وسيأتي إن شاء الله تعالى مناقشة أخذ العمولة على الضمان في كتاب الربا عند الكلام على المعاملات المصرفية، في مبحث مستقل أبسط فيه ما أوجزته هنا، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
مدين أصلًا، وإنما فيه التزام بجبر الضرر مقابل عوض مالي، والتزام مثل هذا لا يوقع في الربا.
لهذا لا أرى مانعًا من أخذ العوض على الضمان إذا لم يترتب على ذلك محذور شرعي، وإذا ترتب على ذلك محذور شرعي منع لا من أجل الضمان، ولكن لأن المعاملة تؤدي إلى الوقوع في ذلك المحذور مثله تمامًا سائر المعاملات المباحة إذا ترتب عليها محذور شرعي منعت، وينبغي أن يكون المنع في أخذ العمولة على ضمان الديون محل اتفاق بين الفقهاء حيث لم يخالف في ذلك أحد من العلماء المتقدمين، ومن حكا من المتأخرين جوازه فهو محجوج بالإجماع، وما حكي عن إسحاق ابن راهوية فلا أظن أنه يخرق الإجماع لعدم فهم المتأخرين لقول إسحاق، وربما كان العذر للمشايخ أنهم لم يقفوا على عبارة إسحاق، أما وقد طبع كتاب مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية الكوسج فأعتقد أن كثيرًا منهم سوف يراجع قوله. وهذا هو الظن فيهم.
وبناء على هذا فيجوز أخذ العوض على الضمان في الحالات التالية:
الحال الأولى: إذا كان الضمان تبعًا، ولم يكن مفردًا بالذكر، ولا مخصوصًا بالأجر. كما لو اشترى الإنسان سلعة، وكانت مضمونة لمدة معينة مقابل زيادة في القيمة، فإن الضمان هنا تابع، وليس مستقلًا فلا أرى مانعًا من جواز تلك الزيادة في القيمة في مقابل الضمان، وجوازه ليس لأنه تابع فقط، بل لأن أخذه لا يؤدي إلى قرض جر نفعًا، ولو أدى إلى ذلك لحرم ولو كان تابعًا بدليل حديث القلادة.
الحال الثانية: يجوز أخذ العوض على الضمان إذا لم يكن ناشئًا عن دين أصلًا، وذلك مثل تغطية الإصدار في طرح الاكتتاب. وسيأتي بحث هذه المسألة إن شاء الله تعالى عند الكلام على سوق المال.
الحال الثالثة: يجوز أخذ العوض على الضمان فيما لو كان الكفيل مدينًا للمكفول بمثل المال المضمون، وهو ما يسمى بالضمان المغطى، فإن هذا لا يؤول إلى قرض جر نفعًا سواء سمينا هذه الصورة بالضمان، أو اعتبرناها وكالة بالدفع، وإن كنت أميل إلى اعتبار العقد من عقود الضمان؛ لأن الضمان في حالة كون قيمته مغطاة لا يخرج عن الضمان
(1)
.
(1)
والدليل على أن الضمان المغطى هو من باب الضمان، وليس من باب الوكالة مجموعة أدلة منها:
الدليل الأول: أن الوكالة عقد جائز، وهذا عقد لازم.
الدليل الثاني: أن الفرق بين الضمان والوكالة، أن الوكالة نيابة في الأداء فقط، وذمة الوكيل ليست مشغولة بالدين. أما الضمان فهو نيابة في التحمل فذمته مشغولة في تحمل الدين.
الدليل الثالث: أن العلاقة بين المستفيد وبين البنك علاقة ضمان مطلقًا لا يختلف في ذلك أحد، والمصرف إنما ضمن العميل لصالح المستفيد، فرجع إلى أن العميل مضمون عنه ولا بد؛ لأن عقد الضمان في خطاب الضمان أطرافه ثلاثة فسقط التكييف بأن خطاب الضمان بالنسبة للمستفيد كفالة، وبالنسبة للعميل هو عقد وكالة.
الدليل الرابع: أن المصرف لو كان وكيلًا لم يضمن المال الذي قبضه من العميل غطاء للضمان فيما لو هلك بلا تعد ولا تفريط، والواقع أن المصرف ضامن للمال الذي استلمه مطلقًا.
الدليل الخامس: أن هذا الغطاء هو قرض في ذمة المصرف؛ لأن المصرف يأخذه ويتملكه، ويستثمره، فيكون التكييف حقيقة: أن الضامن مدين للمضمون عنه بمثل مال الضمان إن كان خطاب الضمان مغطى كليًا، أو مدين ببعضه إن كان جزئيًا، ثم تحدث المقاصة بين الدينين إن تحمل المصرف دفع قيمة الضمان؛ لأن المال المغطى لا يكون مجمدًا لا يتصرف فيه البنك حتى يكون وكيلًا نائبًا عن المالك، ولذا أرى أن خطاب الضمان هو عقد كفالة مطلقًا غطي أو لم يغط، وجواز أخذ العوض على الضمان إذا كان مغطى بالكلية جائز ليس لأنه خرج عن كونه من عقود الضمان، وإنما لأن الضمان فيه لا يؤول إلى قرض جر نفعًا، والله أعلم.