الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال صلى الله عليه وسلم: لا تبع ما ليس عندك. فهذا عموم في كل بيع لما ليس عند الإنسان سواء، كان عينًا أو في الذمة»
(1)
.
ورأى الجمهور أن عموم حديث لا تبع ما ليس عندك يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهو يتناول النهي عن السلم مطلقًا، لكن جاءت الأحاديث في جواز السلم المؤجل، فبقي النهي عن السلم الحال.
قال ابن العربي: «المراد بقوله في الحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك، يعني في ملكك»
(2)
.
وقد انتقد ابن تيمية المنع من بيع السلم الحال إذا كان المبيع في ملك البائع، والبائع قادر على تسليم المبيع، وبين أن حكيم بن حزام إنما سأله عن بيع شيء في الذمة يبيعه حالًا؛ لأنه قال: أبيعه، ثم أذهب فأبتاعه، فقال له: لا تبع ما ليس عندك، فلو كان السلم الحال لا يجوز مطلقًا، لقال له ابتداء: لا تبع هذا، سواء كان عنده أو ليس عنده، فإن صاحب هذا القول يقول: بيع ما في الذمة حالًا لا يجوز، ولو كان عنده ما يسلمه
(3)
.
القول الثالث:
يرى ابن تيمية أن النهي في حديث لا تبع ما ليس عندك، يشمل أمرين:
الأول: النهي عن بيع المعين إذا لم يكن عنده.
الثاني: النهي عن بيع السلم الحال إذا لم يكن عنده، فإن كان عنده وقت العقد جاز.
(1)
الفصول في الأصول (1/ 345).
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (2/ 255).
(3)
انظر تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء (2/ 692).
قال ابن تيمية: أظهر الأقوال: أن الحديث لم يرد به النهي عن السلم المؤجل ولا الحال مطلقًا، وإنما أريد به النهي عن بيع ما في الذمة مما ليس مملوكًا له، ولا يقدر على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يملكه، ويقدر على تسليمه، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث حكيم بن حزام:«لا تبع ما ليس عندك» العندية هنا ليست عندية الحس والمشاهدة، وإنما هي عندية الحكم والتمكين، ولهذا جاز بيع المعدوم الموصوف في الذمة إذا كان وقت التسليم قادرًا على تسليمه كبيع السلم، فمعنى حديث حكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك، أن يبيعه شيئًا موصوفًا حالًا، وهو لم يملكه، ويربح فيه قبل أن يدخل ضمانه، وقبل أن يكون قادرًا على تسليمه، أما إذا باعه موصوفًا في الذمة حالًا، وهو عند بائعه قادرًا على تسليمه، فلا حرج إن شاء الله تعالى.
وإذا لم يكن جائزًا بيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكًا للبائع، ولا يقدر على تسليمه، فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع
(1)
.
فتلخص لي أن ابن تيمية يرى أن بيع ما ليس عند الإنسان، إن كان معينًا ليس مملوكًا له، فهو ممنوع، وإن كان موصوفًا في الذمة اشترط أن يكون عنده في ملكه.
فتلخص من هذا: أن الأقوال متفقة على منع بيع المعين الذي لا يملكه الإنسان، فيبيعه، ثم يذهب يشتريه.
وأما بيع الموصوف في الذمة مما ليس عند البائع، فإن كان مؤجلًا جاز بالإجماع، وهو السلم المؤجل.
وإن كان حالًا، فقد اختلفت الأقوال:
(1)
انظر تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء (2/ 691 - 692) ..