الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال الرابعة: يجوز أخذ العوض على الضمان في عقود التأمين القائم على جبر الأضرار، دون الضمان في عقود التأمين على الحياة، والتأمين الاجتماعي؛ فإن الضمان في هذه العقود لم يكن ناشئًا عن دين. وانظر أخذ العمولة على الضمان ضمن مباحث كتاب الربا، فقد بحثت الخلاف في المسألة، وناقشت الأدلة هناك ولله الحمد وحده.
الوجه الثالث:
على التنزل بأن عقد الضمان عقد إرفاق وإحسان، فمن قال: إن عقد البر والإحسان لا يجوز أخذ العوض عنه.
(ح-220) فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز اشتراط الأجر على الرقية بالقرآن
(1)
.
(ح-221) وجاز جعل تعليم القرآن عوضًا عن دفع المهر في النكاح، كما في حديث سهل بن سعد في الصحيحين
(2)
.
وجاز الاستئجار على تعليم الفقه، والحديث، وغيرهما من العلوم الشرعية، وهي من أعمال الخير، والبر.
وإذا كان الضمان الأصل فيه أنه عقد إرفاق وإحسان، فلا مانع من قلبه إلى عقد معاوضة، كما يجوز في عقود التبرعات أن تنقلب إلى معاوضات، وتترتب عليها أحكامها الشرعية، فالأصل في الوديعة أنها تبرع بالحفظ، وبالالتزام بالحفظ كما قال الكاساني:«الإيداع من جانب المالك استحفاظ، ومن جانب المودَع التزام بالحفظ» إذ في كثير من صورها لا يقوم المستودَع بأي عمل لحفظ الوديعة، ولا حتى بشغل مكان لصونها، كما في إيداع وثيقة، أو صك، وعلى
(1)
البخاري (5736)، ومسلم (2201).
(2)
البخاري (2311)، ومسلم (1425).
هذا فلو طلب الأجر مقابل الوديعة جاز ذلك، وانقلب العقد إلى عقد معاوضة
(1)
.
(1)
لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في الوديعة أنها من عقود التبرعات التي تقوم على أساس الرفق والإحسان، فلا تستوجب من المودع بدلًا عن حفظ الوديعة، خلافًا لعقود المعاوضات المالية التي تقوم على أساس إنشاء حقوق والتزامات متقابلة بين العاقدين، إلا أن الفقهاء اختلفوا في مشروعية اشتراط عوض فيها للوديع مقابل حفظه على ثلاثة أقوال:
فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يجوز للوديع أن يشترط أجرًا على حفظ الوديعة، واعتبروا شرطه صحيحًا ملزمًا.
جاء في مجلة الأحكام العدلية، مادة (777):«الوديعة أمانة في يد الوديع، يناء عليه، إذا هلكت بلا تعد من المستودع، وبدون صنعه، وتقصيره في الحفظ، فلا يلزم الضمان، إلا أنه إذا كان الإيداع بأجرة على حفظ الوديعة، فهلكت، أو ضاعت بسبب يمكن التحرز منه، لزم المستودع ضمانها» .
وجاء في مادة (814) من مرشد الحيران: «ليس للمستودع أن يأخذ أجرة على حفظ الوديعة، ما لم يشترط ذلك في العقد» .
وذهب الشافعية إلى جواز أخذ الأجرة على الحفظ كما يجوز له أخذ الأجرة على الحرز، حتى ولو كان قبول الوديعة واجبًا على الوديع لتعينه، قالوا: لأن الأصح جواز أخذ الأجرة على الواجب العيني، كإنقاذ الغريق، وتعليم الفاتحة ونحو ذلك.
وقال المالكية: يجوز أخذ الأجرة على الحرز دون أخذ الأجرة على الحفظ؛ لأن المستودع يستحق أجرة موضع الحفظ، إذ لا يلزمه بذل منفعة حرزه بدون عوض، وأما حفظ الوديعة فلا أجرة له عليه، إن لم يأخذها مثله، أو يشترطها في العقد، أو يجر بها عرف، وذلك لاطراد العادة بطرحها، وأن الوديع لا يطلب أجرة على ذلك، بخلاف ما إذا اتفقا على أجرة الحفظ، فإنه يجوز ذلك؛ لأن المذهب جواز الأجرة على الحراسة، أو جرت بذلك العادة، أو كان طالبها ممن يكري نفسه للحراسة، ويأخذ أجرًا على حفظ الودائع؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
وذهب الحنابلة إلى عدم جواز أخذ الأجرة على الوديعة، وقالوا: إن أخذ الأجرة، إنما هو في عقد الإجارة، دون عقد الوديعة.
انظر في مذهب الحنفية: مجلة الأحكام العدلية مادة (777)، مرشد الحيران، مادة (814)، وقال في الفتاوى الهندية (4/ 342):«المودع إذا شرط الأجرة للمودع صح، ولزم عليه» . وانظر رد المحتار لابن عابدين (4/ 494).
وفي مذهب المالكية: قال ابن رشد كما في التاج والإكليل (7/ 294): «لا أجر للمودع على حفظ الوديعة، وإن كانت مما يشغل منزله، فطلب أجر الموضع الذي كانت فيه، فذلك له» وانظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/ 431 - 432)، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 566)، منح الجليل (7/ 45)، الزرقاني على مختصر خليل، وحاشية البناني عليه (6/ 125)، المقدمات الممهدات (2/ 467)، القوانين الفقهية لابن جزي (ص: 380).
وفي مذهب الشافعية: حاشية الرملي على أسنى المطالب (3/ 76)، حاشية الجمل (7/ 77)، تحفة المحتاج (7/ 100).
وفي مذهب الحنابلة: كشاف القناع (4/ 185)، شرح منتهى الإرادات (2/ 449).
وانظر للأهمية عقد الوديعة في الشريعة الإسلامية - للدكتور نزيه حماد (ص: 25).
وكذلك العارية: الأصل فيها أنها عقد تبرع، ولو طلب العوض في العارية وتراضيا على ذلك جاز، وانقلبت إلى إجارة، مع أن الأصل فيها أنها تبرع بمنافع العين المعارة، وكذا جواز الوكالة بأجر، مع أن الأصل فيها أن يبذل الوكيل منافعه مجانًا لموكله، قال السرخسي:«الوكيل معير لمنافعه»
(1)
.
فإذا جاز انقلاب عقود التبرعات إلى معاوضات بالتراضي، فلا مانع أن يؤخذ العوض على الضمان، وإن كان الأصل فيه أنه من عقود الإرفاق.
فالذي يمنع الضمان بأجر، لوجود الضمان بدون أجر، كالذي يمنع الوكالة بأجر، لمجرد جواز الوكالة بلا أجر، أو كالذي يمنع جواز الإجارة، لمجرد جواز الإعارة، أو يمنع جواز البيع، لمجرد جواز الهبة.
(1)
المبسوط (19/ 96).
فالمعاوضة إذا كانت حلالًا لا تفسد العقد إذا انقلب حالها من التبرع إلى المعاوضة، نعم لو كانت المعاوضة حرامًا بذاتها، كان انقلابها إلى معاوضة يصيرها من الحلال إلى الحرام، فطلب الربح بالشريعة ليس من المحرمات، بل إن طلب الربح يعتبر من المحفزات على النماء، لا غنى عنه في الأنشطة الاقتصادية، وهو الأساس، وأما التبرع فهو نادر، واستثناء.
(1)
.
(2)
.
فهل نترك التأمين مع قيام الحاجة التي قد تصل إلى حد الضرورة في سائر المرافق الاقتصادية الحيوية والتي هي بحاجة ماسة إلى تخفيف آثار الكوارث الماحقة، إلى وجود متبرع بالضمان من أهل الخير، وإذا وجد هذا المتبرع، فهل يستطيع أن يوفر الضمان في جميع المشاريع الاقتصادية الحيوية.
(1)
قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 235).
(2)
القواعد الكبرى (1/ 347) و (2/ 122). وانظر الخطر والتأمين للدكتور رفيق المصري (ص: 82).