الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
إذا كان الرسول قد يقضي بين المتخاصمين في المسجد، ولا ينافي ذلك حرمة المسجد، وما بنيت له فكذلك ألفاظ الإيجاب والقبول.
فقد جاء في الصحيحين في قصة المتلاعنين، حيث تلاعنا في المسجد
(1)
،
(ح-349) وجاء في الصحيحين من حديث كعب أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما، حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته، فنادى يا كعبُ، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم فاقضه
(2)
.
(ح-350) وجاء في الصحيحين من حديث عائشة، قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم
(3)
.
الراجح من الخلاف:
القول بالتحريم لم يقل به إلا الحنابلة، ولا أستطيع أن أجزم به، وهو لم يرد إلا في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ولست أنكر أن هذا السند من قبيل الحسن لذاته فيما لم يتفرد به من الأحكام، وأما إذا تفرد فإن النفس لا تقبل مثله، والقول بالكراهة غير بعيد عن الصواب، من أجل المعنى، لا من
(1)
صحيح البخاري (5309)، مسلم (1492).
(2)
صحيح البخاري (2418)، ومسلم (1558).
(3)
صحيح البخاري (455)، ومسلم (892).
أجل النص، وأجد قول مالك رحمه الله أن الإيجاب والقبول في المسجد إذا لم يكن في ذلك رفع أصوات، ولم يكن بحضور السلعة إلى المسجد، ولم يكن في ذلك ما يشغل عن صلاة واجبة، ولم يستغل جمع المسجد في البحث عن مشتر للسلعة، أنه لا بأس به، وأن ذلك من جنس الكلام المباح الذي قد يتكلم به الرجل في المسجد مع أخيه.
قال الإمام مالك: «لا أحب لأحد أن يظهر سلعته في المسجد للبيع، فأما أن يساوم رجلًا بثوب عليه، أو بسلعة تقدمت رؤيته لها، فيوجب بيعها، فلا بأس»
(1)
.
وأبعد من ذلك من حرم من أهل عصرنا توزيع النشرات العلمية المشتملة على بعض الأذكار في المساجد، لأنه قد وضع في أسفلها اسم من قام بطبعها من الشركات، والمحلات التجارية، وأن ذلك يدخل في مسمى البيع، لأنه نوع من الدعاية لتلك المحلات فهذا بعيد كل البعد عن مقصود الشارع من كراهة البيع والشراء في المسجد، فمراد الشارع على التسليم بثبوت النهي عن البيع والشراء ألا يتحول المسجد إلى سوق تعرض فيه السلع، فيتحول من كونه سوقًا للآخرة إلى سوق من أسواق أهل الدنيا، وليس في هذه النشرات ما يصرف الناس عن رسالة المسجد، وكتابة اسم من قام بطباعتها، أو وضع علامته التجارية تابع غير مقصود.
* * *
(1)
منح الجليل (8/ 90).