الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
حكم بيع المخدرات
سبق لنا في كتابي موسوعة الطهارة خلاف العلماء في طهارة المخدارت، ومنها الحشيشة، وقد رجحت أنها طاهرة مطلقًا، سواء كانت صلبة، أو سائلة.
[م-377] وأما حكم بيعها، فقد اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: يجوز بيعها على من يشتريها لغير الأكل والشرب، وهو رأي أبي حنيفة
(1)
، ومذهب المالكية
(2)
.
(1)
جاء في بدائع الصنائع (5/ 144): «ويجوز بيع ما سوى الخمرة من الأشربة المحرمة، كالسكر، ونقيع الزبيب، والمنصف ونحوها عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف، ومحمد لا يجوز .. » .
(2)
جاء في مواهب الجليل (1/ 90)« .... جواز بيع هذه الأشياء من الأفيون، والبنج، والجوزة، ونحوها، ولم أر فيه نصًا صريحًا، والظاهر أن يقال في ذلك ما قاله ابن رشد في المذر على القول بحرمة أكله، وإن كان فيه منفعة غير الأكل جاز بيعه ممن يصرفه في غير الأكل، ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله، وكذلك يقال في سائر المعاجين المغيبة للعقل، ويجوز بيع ذلك لمن لا يستعمل منه القدر المغيب للعقل، ويؤمن أن يبيعه ممن يستعمل ذلك، والله أعلم .. » . وانظر الخرشي (1/ 156).
وأجاز الشافعية بيع الأفيون
(1)
.
واستثنى ابن نجيم من الحنفية الحشيشة، وذلك لقيام المعصية بذاتها.
وقيل: لا يجوز بيعها مطلقًا.
وهو رأي أبي يوسف، ومحمد بن الحسن من الحنفية
(2)
، وأبي إسحاق الشيرازي، والزركشي من الشافعية
(3)
، وهو مذهب الحنابلة
(4)
،
واختيار
(1)
قال النووي في المجموع (9/ 307): «قال أصحابنا: السم إن كان يقتل كثيره، وينفع قليله كالسقمونيا، والأفيون، جاز بيعه بلا خلاف وإن قتل قليله وكثيره، فالمذهب بطلان بيعه، وبه قطع الجمهور ومال إمام الحرمين ووالده إلى الجواز، ليدس في طعام الكافر» .
وجاء في أسنى المطالب (1/ 9): «لا يحرم أكل قليل الحشيش، والبنج، والأفيون، وجوز الطيب؛ لأنه طاهر لا ضرر فيه، وقد صرح بجواز أكل قليل هذه الأشياء القرافي في القواعد، وصرح النووي في شرح المهذب بجواز أكل قليل الحشيش، ونقله عن المتولي،
…
قال في المجموع ولا دلالة ظاهرة في الآية؛ لأن الرجس لغة القذر ولا يلزم منه النجاسة ولا من الأمر بالاجتناب انتهى وقد يجاب بأن الأدلة الشرعية جارية على العرف الشرعي، والرجس فيه هو النجس (قوله والأول أعم وأوجه) لأن العنب كان محترما قبل العصر، ولم يوجد من مالكه قصد فاسد يخرجه عن الاحترام، ولهذا كانت الخمر التي في باطن العنقود محترمة. (قوله كما صرح به النووي في دقائقه) وصرح أيضا في مجموعه بأن البنج والحشيشة مسكران وممن صرح بأن الحشيشة مسكرة الشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال الزركشي ولا يعرف فيه خلاف عندنا فالصواب أنها مسكرة كما أجمع عليه العارفون بالنبات ويجب الرجوع إليهم فيها كما رجع إليهم في غيرها».
(2)
بدائع الصنائع (5/ 144).
(3)
أخذ ذلك من جعلهم البنج والحشيشة مسكرين، انظر أسنى المطالب (1/ 10).
(4)
أخذت تحريم بيعها من المذهب بناء على ما يلي:
أولًا: حكموا بنجاستها، والمذهب الحنبلي لا يجيز بيع الأعيان النجسة. انظر الإنصاف (1/ 320).
ثانيًا: حكموا بأنه يجلد متناولها كما يجلد شارب الخمر، المبدع (9/ 101).
ثالثًا: حكموا بكفر من استحل تناولها. كشاف القناع (6/ 171).
ابن تيمية
(1)
.
وسبب اختلافهم في بيعها راجع لاختلافهم في مسألتين:
الأولى: اختلافهم في طهارتها، فمن رأى طهارتها، وجواز أكل القليل منها مما لا يذهب العقل ولا يحدث ضررًا بالبدن، أو رأى الانتفاع بها في غير الأكل أجاز بيعها.
ومن ذهب إلى نجاستها كالحنابلة، ومنهم ابن تيمية، حرم بيعها، وحرم التداوي بها، وحرم أكل القليل منها مما لا يسكر.
المسألة الثانية: اختلافهم في المخدرات هل هي مسكرة، فيحرم القليل منها، ولو لم تذهب العقل، أو أنها غير مسكرة.
فمنهم من رأى أنها مسكرة كابن تيمية.
ومنهم من لم ير أنها مسكرة، وإن أذهبت العقل دون الحواس؛ لأن المسكر يحدث نوعًا من النشوة والطرب بخلاف المخدر فإن متناولها لا يحدث معه شيء من ذلك.
ولذلك ذكر القرافي أن هناك ثلاثة فروق بين المخدر، والمسكر، فتنفرد المسكرات عن المخدرات بثلاثة أحكام: الحد، والنجاسة، وتحريم اليسير، بخلاف المخدر، فلا حد فيه، وإنما فيه التعزير، وهو طاهر العين، ولا يحرم
(1)
مجموع الفتاوى (23/ 357) و (34/ 198)، الإنصاف (1/ 320).
اليسير منه.
ولعل اختلافهم كان في السابق قبل أن يكشف العلم أنها تسبب الإدمان، وأنها أخطر بكثير من المسكرات، وأنها خراب للعقول، والأبدان، والبيوت، ولو اطلع الفقهاء المتقدمون على خطورتها لجزموا بتحريمها مطلقًا، ولا يؤخذ من طهارتها جواز بيعها، فهناك أمور كثيرة محرمة، وهي طاهرة العين، والله أعلم.
* * *