الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني:
البيع فاسد، يجب فسخه فإن فات بعد القبض وجبت القيمة، وهذا مذهب المالكية
(1)
.
القول الثالث:
البيع باطل، وهذا مذهب الشافعية
(2)
، ورواية في مذهب الحنابلة، اختارها القاضي وأصحابه
(3)
.
وأدلة هذه المسألة هي أدلة التي قبلها، إذا باعه بشرط ألا يبيع، ولا يهب، وما قيل في تلك يقال في هذه المسألة، ولم أقف على أحد صحح الشرط من المتقدمين، وإنما هم متفقون على بطلان الشرط، مختلفون في تصحيح البيع، والذي أميل إليه في هذه المسألة هو بطلان البيع والشرط:
أما بطلان الشرط، فلأن الشرط يخالف مقتضى البيع، فإن مقتضاه أن يكون له غنمه، وعليه غرمه.
(1)
جاء في المقدمات لابن رشد (2/ 69): «ومن بيوع الشرط ما يختلف فيه: هل هو بيع أو غير بيع، مثل أن يبيع الرجل السلعة على أن لا نقصان على المشتري، فاختلف هل هو بيع فاسد، أو إجارة فاسدة» .
ذكر ابن رشد مسألة شبيهة، وهو أن يشتري الرجل العبد ويشترط على البائع إنه إن أبق فهو من مال البائع، بمعنى: أن لا خسارة عليه، فالبيع فاسد بهذا الشرط، انظر البيان والتحصيل (8/ 306). والبيع الفاسد عند المالكية يجب فسخه، فإن فات المبيع بأن باعه صاحبه، أو استهلكه وجبت القيمة، وليس الثمن المسمى، وقد سبق بيان ذلك في المجلد الأول من هذه المنظومة.
(2)
قال الشافعي كما في مختصر المزني (ص: 87): «إذا اشترى جارية على ألا يبيعها، أو على ألا خسارة عليه من ثمنها، فالبيع فاسد
…
». وانظر روضة الطالبين (3/ 404)، المجموع (9/ 453).
(3)
ا
…
لإنصاف (4/ 350 - 351)، المبدع (4/ 57).
وأما بطلان العقد فالظاهر أن التزام ألا خسارة عليه له ما يقابله من الثمن، فإذا سقط الشرط سقط عوضه، وإذا تغير الثمن لا بد من رضا الطرفين، لأن إرادة المتعاقدين لم تلتق بالثمن الجديد، ولم يكن هناك إيجاب وقبول، والإيجاب والقبول بالشرط قد تطرق لهما الفساد، فيحتاجان إلى التزام جديد، والله أعلم.
وقد انتشرت في عصرنا مسألة البيع بالتصريف، فيأتي المنتج والمورد إلى البقال والصيدلي وغيرهما فيضع عنده بضاعته، من خبز وحليب ودواء وغيرها ويبيعها عليه، فما باعه المشتري من البضاعة في وقت صلاحيتها فهي على المشتري، وما بقي منها فهي رد على البائع، وبعض البضائع قد تمتد مدة صلاحيتها الفترة الطويلة كالدواء مثلًا فلا يدري المنتج كمية ما باعه منها، ولا يدري المشتري مقدار ما اشتراه منها، فهل مثل هذا البيع يمكن تصحيحه مع الابتلاء فيه.
والجواب على هذا نقول:
بيع التصريف يقع على طريقتين:
الأولى: أن يكون صاحب المحل وكيلًا للمنتج، بأن يقول صاحب البضاعة لصاحب المحل: خذ هذا بعه لي، ولك على كل سلعة تبيعها كذا وكذا، فهذا جائز قولًا واحدًا؛ لأن هذا العمل من قبيل الوكالة بأجرة.
وإذا كان صاحب المحل وكيلًا انطبقت عليه أحكام الوكالة، فتكون يده يد أمانة، فلا ضمان عليه إلا بتعد أو تفريط.
الثاني: أن يقوم صاحب البضاعة سلعًا معلومة، ويقول البائع: ما بعته منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إلي بقسطه من الثمن.
وهذا العقد من عقود البيع، ويكون المشتري ضامنًا لكامل السلعة لو تلفت حتى لو كان التلف بلا تعد ولا تفريط؛ لأنه ماله تلف تحت يده، فضمانه عليه.
وهذا الصورة هو الذي وقع فيها إشكال في جوازها، وسوف أقيد كل ما وقفت عليه من الأقوال والنصوص القديمة والمعاصرة زيادة على ما تقدم لعلها تعين القارئ على فهم حكم هذه المسألة.
فإذا بحثنا في كتب التراث عن حكم هذه المسألة.
وجدنا أن الإمام أحمد قد تعرض لها فيما فهمته، والله أعلم، فقد جاء في مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود ما نصه:
(1)
. اهـ
فهذا النص من الإمام أحمد كأنه يجيز مسألة البيع بالتصريف إذا كان ذلك عن شرط، ولا يجيزها بدون شرط.
وهذا القول غير معروف في مذهب الحنابلة، ولم أقف على أحد من فقهاء الحنابلة نص عليه في كتبهم المعتمدة، بل إن الحنابلة نصوا على أنه إن اشترط أنه متى نفق المبيع وإلا رده أن هذا الشرط باطل على خلاف في صحة البيع، ولم يحكوا خلافًا في بطلان الشرط.
وقد سجلت أربعة أقوال في المسألة للعلماء المعاصرين وتكلم عليها شيخنا محمد بن عثيمين، وكان له أكثر من رأي مما يعبر عن تردده في حكم هذه المسألة نظرًا لانتشارها، وعمل الناس بها.
(1)
مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص: 271) رقم: 1300.