الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين التعريفين:
لم يقيد المازري النجش بالزيادة على الثمن، بل جعل مجرد الزيادة في قيمة السلعة، وهو لا يريد شراءها من النجش، بينما الجمهور جعلوا النجش أن يستام السلعة بأزيد من ثمنها.
ولذلك قال ابن عرفة: «وكلام المازري أعم من كلام مالك، وهو حسن»
(1)
.
وتعريف خليل قريب من تعريف المازري.
قال خليل في مختصره: «وكالنجش يزيد ليغر»
(2)
.
وقد شرح هذه العبارة في منح الجليل، فقال: «ظاهره سواء كانت الزيادة على ثمنها الذي تباع به عادة، أو على أقل منه، وهو ظاهر قول المازري
…
وهو خلاف قول مالك رضي الله تعالى عنه في الموطأ، والنجش: أن تعطيه في سلعة أكثر من ثمنها، وليس في نفسك اشتراؤها، ليقتدي بك غيرك»
(3)
.
وذهب بعض المالكية بأنه لا فرق بين تعريف الإمام مالك وبين تعريف المازري.
قال في الشرح الكبير: «كلام المازري مساو لكلام الإمام، بحمل الثمن في كلام الإمام على الثمن الذي وقع في المناداة، لا القيمة، وقول المازري: يزيد: أي على ثمن المناداة»
(4)
.
(1)
شرح حدود ابن عرفة (ص: 258).
(2)
مختصر خليل (ص: 176).
(3)
منح الجليل (5/ 59).
(4)
الشرح الكبير (3/ 68).
وأضاف الحنابلة صورة أخرى من صور النجش،
فقال في مطالب أولى النهى:
«ومنه: أي النجش، قول بائع: أعطيت في السلعة كذا، وهو كاذب»
(1)
.
فتجمع لنا أربع صور من النجش:
الأولى: أن يزيد في السلعة، وهو لا يريد شراءها.
الثانية: أن يمدح السلعة، ويثني عليها حتى يدفع غيرها ليغتر بها، ويشتريها، ومنه ما تفعله وسائل الدعاية والإعلان.
الثالثة: أن يقول بائع، أو وكيله، من سمسار ونحوه، أعطيت بالسلعة كذا، وهو كاذب.
الرابعة: ما ذكره ابن نجيم في البحر الرائق: «أن تنفر الناس عن الشيء إلى غيره»
(2)
.
فلو كان هناك في السوق سلعتان، فنفرت الناس عن السلعة المنافسة بلا حق، ليذهبوا إلى السلعة الأخرى كان ذلك من النجش، وهذا أشد عدوانًا؛ لأنه أضر بأكثر من جهة، وكلما كثر الضرر زاد التحريم.
وبذلك يمكن أن نعرف النجش:
بأن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، أو يمدحها بما ليس فيها، أو يقول: بأني أعطيت فيها كذا، وهو كاذب، أو ينفر الناس عن السلعة إلى غيرها.
* * *
(1)
مطالب أولي النهى (3/ 101).
(2)
البحر الرائق (6/ 107).
المسألة الثانية
الحكم التكليفي للنجش
(ح-312) روى البخاري ومسلم من طريق مالك، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش
(1)
.
(ح-313) وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن سعيد،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبع حاضر لباد، ولا تناجشوا
…
الحديث
(2)
.
[م -370] وقد ساق ابن عبد البر الإجماع على تحريم النجش.
قال رحمه الله: النجش «مكر وخداع، لا يجوز عند أحد من أهل العلم، لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجش، وقوله: لا تناجشوا. وأجمعوا أن فاعله عاص لله إذا كان بالنهي عالمًا»
(3)
.
وقال الشافعي: «من نجش فهو عاص بالنجش، إن كان عالمًا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه»
(4)
.
وقال ابن قدامة عن النجش: حرام وخداع
…
وهو خداع باطل، لا يحل
(5)
.
(1)
البخاري (2142)، ومسلم (1516).
(2)
البخاري (2723)، ومسلم (1413).
(3)
التمهيد (13/ 348).
(4)
نهاية المحتاج (3/ 470).
(5)
المغني (4/ 148).
وعبر الحنفية بالكراهة، والمقصود كراهة التحريم، قال في فتح القدير:«فهذه الكراهات كلها تحريمية، لا نعلم خلافًا في الإثم»
(1)
.
قال ابن الجلاب: «ولا يجوز النجش في البيوع
…
ولا ينبغي أن يقر الغش في شيء من أسواق المسلمين بوجه من الوجوه، ولا يسمح فيه لأحد»
(2)
.
وقد قيد الحنفية وابن العربي من المالكية بأن الممنوع في النجش أن يزيد في ثمن السلعة على قيمتها، فإن بَلَّغَها قيمتها، وهو لا يريد شراءها لم يكن ذلك ممنوعًا.
(3)
.
وهذا الذي قاله ابن العربي قريب من مذهب الحنفية:
قال الكاساني بعد أن عرف النجش، وبين أنه مكروه، قال:«وهذا إذا كان المشتري يطلب السلعة من صاحبها بمثل ثمنها فأما إذا كان يطلبها بأقل من ثمنها، فنجش رجل سلعة حتى تبلغ إلى ثمنها، فهذا ليس بمكروه وإن كان الناجش لا يريد شراءها والله عز وجل أعلم»
(4)
.
ولم يقيد الشافعية التحريم في هذا الباب كون الناجش عالمًا بالنهي كما قيدوا ذلك في البيع على بيع أخيه.
وفي ذلك يقول النووي: «واعلم أن الشافعي أطلق القول بتعصية الناجش
(5)
،
(1)
فتح القدير (6/ 476)، وانظر البحر الرائق (6/ 107).
(2)
التفريع (2/ 167).
(3)
منح الجليل (5/ 59).
(4)
ب
…
دائع الصنائع (5/ 233)، وانظر فتح القدير (6/ 476).
(5)
نقل الرملي عن الشافعي في نهاية المحتاج أنه يشترط في الناجش أن يكون عالمًا بالنهي، ونقلناه عنه في الكلام المتقدم.
وشرط في تعصية البائع على بيع أخيه أن يكون عالمًا بالنهي. قال الأصحاب: السبب فيه أن النجش خديعة، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد، معلوم من الألفاظ العامة، وإن لم يعلم هذا الحديث، والبيع على بيع أخيه، إنما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه، فلا يعرفه من لا يعرف هذا الخبر. قال الرافعي: ولك أن تقول: البيع على بيع أخيه إضرار أيضًا، وتحريم الإضرار معلوم من الألفاظ العامة، والوجه تخصيص التعصية بمن عرف التحريم بعموم أو خصوص»
(1)
.
وقول الجمهور أقرب؛ لأن أحاديث النهي عن النجش مطلقة، ولأن زيادته في السلعة، وهو لا يريد شراءها كذب، والكذب محرم ومعلوم تحريمه من الدين بالضرورة، وقد يطمع المشتري في أن يشتريها برخص ليسترزق منها، فيؤدي ذلك إلى التضييق على المشتري في رزقه من رجل لا يريد شراء تلك البضاعة، والشرع له تطلع إلى أن يزرق الله الناس بعضهم من بعض.
* * *
(1)
روضة الطالبين (3/ 78).